آلاف حالات الانتشار المشابهة لـ"كوفيد" تزيد من تهديد الأوبئة مستقبلاً

الخفافيش من أبرز الحيوانات الحاملة لفيروسات كورونا
الخفافيش من أبرز الحيوانات الحاملة لفيروسات كورونا المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

توقعت دراسة حديثة أن يصاب مئات الآلاف من الأشخاص سنوياً بالعدوى من الحيوانات الحاملة لفيروسات كورونا المرتبطة بالفيروس المُسبب لـ"كوفيد-19"، في الصين وجنوب شرق آسيا، كما أكدت على استمرار وجود التهديدات الوبائية من حوادث انتقال هذه الفيروسات.

تُسبب هذه الأنواع من العدوى نحو 400 ألف إصابة في المتوسط سنوياً، إلا أن معظمها لا يتم توثيقه وذلك لأن الإصابات لا تتسبب سوى بأعراض خفيفة، أو أنها لا تتضمن أي أعراض على الإطلاق، وهي لا تنتقل بسهولة بين الناس، وذلك وفقاً لباحثين من تحالف "إيكو هيلث" وكلية "ديوك-نوس" الطبية في سنغافورة،. وقد جاءت هذه التصريحات ضمن دراسة صدرت في 16 سبتمبر من العام الحالي، وذلك قبل مراجعة النظراء لها أو نشرها. ومع ذلك، فإن كل عملية انتقال تحدث لمثل هذه الفيروسات تمثل فرصة جديدة لتكيفها بشكل قد يؤدي إلى تفشٍ شبيه بما حدث مع "كوفيد".

تفاصيل تم إخفاؤها حول لغز منشأ "كوفيد" في تقرير من ووهان

أصل الفيروس... نظريات متباينة

لا تزال الأسئلة حول أصل الفيروس المسبب لـ"كوفيد" ومكان حدوث ذلك تمثل مسألة جدلية بشكل خاص. يلقي بعض القادة باللوم على تسرب مفترض لفيروس كورونا حدث من مختبر يقع في مدينة ووهان الصينية كان يعمل على دراسة العوامل المسببة للأمراض.

بينما تستند الدراسة الحديثة، المدعومة من المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، إلى أدلة تفيد بأن الخفافيش تعتبر الحيوانات المضيفة الرئيسية لفيروسات مثل فيروس "سارس-كوف-2"، وأن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الواقعة بالقرب من أعشاش هذه الحيوانات هم معرضون للخطر بشكل خاص.

يقول إدوارد هولمز، عالم الأحياء التطوري في "جامعة سيدني":

قد تكون هذه هي المحاولة الأولى لتقدير عدد الأشخاص الذين يصابون بفيروسات كورونا المرتبطة بـ"سارس" والتي تنتقل من الخفافيش

انتشار الخفافيش

كذلك أشار هولمز، الذي لم يشارك في الدراسة، إلى أن البشر يتعرضون باستمرار لفيروسات كورونا الموجودة في الخفافيش. وأضاف: "في حال توفرت الظروف الملائمة لذلك، فإن أي من هذه الإصابات قد يؤدي إلى تفشٍ وبائي".

يوجد نحو 24 نوعاً من الخفافيش التي يمكن أن تصاب بفيروسات كورونا، وهذه الأنواع تعيش في منطقة من آسيا، تزيد مساحتها على ستة أضعاف مساحة ولاية تكساس الأمريكية، مع الأخذ بالاعتبار أن جنوب الصين وأجزاء من ميانمار ولاوس وفيتنام وإندونيسيا، تعد الأكثر خطورة من حيث حالات انتقال الفيروس.

وقد استخدم بيتر دازاك وزملاؤه في "إيكو هيلث"، الذي يتخذ من نيويورك مقراً له، نماذج تمثل انتشار الخفافيش مع البيانات الأيكولوجية والوبائية، لتقدير خطر التعرض لفيروسات كورونا المرتبطة بالـ"سارس"، ومعدل الإصابات من الخفافيش إلى الإنسان غير المبّلغ عنها، في الصين وجنوب آسيا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا.

خلال مقابلة أجراها مؤخراً عبر تطبيق الاجتماعات الافتراضية "زووم"، قال دازاك: "إذا كان بإمكانك إيقاف الأمر عند مستوى العدوى الفردية، تكون لديك فرصة أكبر بكثير لوقف الوباء التالي".

هل أصبحت مناعة القطيع ضد "كورونا" شبه مستحيلة؟

وفقاً للدراسة فإن هذا النهج يقدم دليلاً على مفهوم التقييم المنهجي لمخاطر انتقال الفيروس من الحياة البرية إلى الإنسان، فضلاً عن استراتيجية لتحديد المناطق الجغرافية الرئيسية التي يمكن تصنيفها حسب الأولوية للمراقبة المحددة للحياة البرية والماشية والبشر، بحسب الباحثين.

خلال الدراسة، أوضح الباحثون أيضاً أنه "بالنظر إلى التحديات المتعلقة بتحديد أصول "كوفيد-19" والمسارات التي انتقل من خلالها "سارس-كوف-2" إلى الناس، فإن هذا النهج قد يساعد أيضاً في الجهود المبذولة لتحديد المواقع الجغرافية التي شهدت انتشار الفيروس لأول مرة". وبعد قرابة عامين من بدء إصابة الناس في مدينة ووهان الواقعة وسط الصين بـ"كوفيد"، لم يستطع العلماء تحديد أصل الوباء بعد.

في الوقت نفسه، تعرض دازاك، الذي يدعم النظرية التي تعتبر أن الحياة البرية هي مصدر "كوفيد"، لانتقادات بسبب تعاونه في أبحاث ممولة من مؤسسات الصحة الوطنية في الصين حيث تعاون مع "معهد ووهان لأبحاث الفيروسات" الذي تم ربطه بالدراسات المخبرية التي يقول بعض العلماء إنها ربما أدت إلى خلق أسلاف الفيروس.

مع ذلك، لم يظهر حتى الآن أي دليل يدعم نظرية تسرب كورونا من المختبر. ففي الشهر الماضي، استبعد مجتمع المخابرات الأمريكية احتمالية أن تكون الصين قد طورت فيروس "سارس-كوف-2" كسلاح بيولوجي، لكن لم يحدث توافق في الآراء بشأن أصل الفيروس.

الحيوانات... جهات وسيطة

قدرّت دراسة دازاك حدوث 50 ألف حالة انتقال للفيروسات من الخفافيش إلى الإنسان بالمتوسط في جنوب شرق آسيا سنوياً، وقد يصل هذا العدد إلى الملايين. ومن شأن هذا الأمر أن يجعل خطر التعرض للفيروسات الحيوانية في الطبيعة "أكبر بكثير من أي تعرض محتمل في المختبرات"، على حد قول هولمز. الذي أضاف: "هذه مجرد خفافيش، لكن خطر التعرض للفيروسات يصبح أكبر عند النظر إلى جميع أنواع الحيوانات الوسيطة المحتملة".

تشمل هذه الحيوانات الوسيطة: المنك وقطط الزباد وكلاب الراكون، وغيرها من الثدييات التي تنتشر تربيتها والاتجار بها بغرض الغذاء والفرو في آسيا، بحسب الدراسة.

كيف نفهم بيانات "كوفيد" الكثيرة والمتباينة؟

كذلك، أوضحت الدراسة أن 14 مليون شخص كانوا يعملون في تربية الحيوانات البرية في الصين فقط خلال عام 2016، وهي صناعة تصل قيمتها إلى 77 مليار دولار سنوياً.

يعيش في آسيا، نحو 478 مليون شخص في منطقة مأهولة بالخفافيش الحاملة لفيروس كورونا، وهي تغطي معظم مناطق دول لاوس، وكمبوديا، وتايلاند، وفيتنام، ونيبال، وبوتان، وماليزيا، وميانمار، وجنوب شرق الصين، وجزر إندونيسيا الغربية.

وقال دازاك إن صيد الحيوانات البرية والاتجار بها وتربيتها واستهلاكها يعد أمراً شائعاً في جميع أنحاء هذه المنطقة، وهو أمر يزيد خطر التعرض للفيروسات المنقولة من الخفافيش. وأوضح دازاك وزملاؤه خلال الدراسة أن أخذ عينات من الحيوانات البرية في الصين كان أكثر كثافة بكثير مما هو عليه الأمر في دول الجوار، التي يمر العديد منها بـ"تغيرات اجتماعية وبيئية ديناميكية" وهي أمور من المعروف أنها تزيد مخاطر حدوث انتقالات الفيروسات.

ويقول دازاك: "الأمر لا يتعلق بالعثور على فيروسات في دول معينة، والقول بأن هذه الدول تمثل خطراً كبيراً على بقية العالم"، متابعاً: "يتعلق الأمر بإيجاد المجتمعات المعرضة للخطر داخل هذه الدول، ومحاولة حماية سكانها من الإصابات، ومساعدة الناس فيها للحد من تهديدات الصحة العامة".