أيهما أشد على نساء أفغانستان الجوع أم طالبان؟

أهم ما تخشاه المرأة الأفغانية عدم تمكينها من العمل ويلي ذلك الحرمان من التعليم

إجلاء نازحين أفغان من المقاطعات الشمالية إلى مساجد ومدارس في كابل
إجلاء نازحين أفغان من المقاطعات الشمالية إلى مساجد ومدارس في كابل المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

استهل طالبان حكمهم، بعد أن ولّوا أنفسهم على أفغانستان منذ شهر، بأن ألزموا معظم النسوة العاملات البيوت بعد تركهن وظائفهن مرغمات، ليزيدوا بذلك من خطر جوع يحدق بأمة مرت بها سنين من هباء المحاصيل وذهبت أخيرتها بحصيد قمحها.

تعتمد البلاد على المساعدات، ويعاني اقتصادها مشكلات قائمة عميقة، لذا فإن حرمانه فجأة من عشرات آلاف العاملات المأجورات، اللائي ينفقن على أسرهن الكبيرة والممتدة، سيزيد عديد من يتضورون جوعاً حيث أن 47.3٪ من الشعب يرزح تحت خط الفقر. ما يجري خارج المدن ربما يكون أكثر تدميراً، حيث تشكل النسوة نحو ثلث القوة العاملة الريفية، وتتضاعف بغيابهن ويلات بلد بالكاد يطعم سكانه.

مع سقوط كابول.. متاجر البرقع في أفغانستان تزدحم

أهم ما تخشاه المرأة الأفغانية عدم تمكينها من العمل، ويلي ذلك الحرمان من التعليم، وفق قول هيذر بار، المديرة المساعدة لحقوق المرأة في منظمة هيومن رايتس ووتش. باتت نساء كثيرات أماً بلا زوج تعول ذويها وأقاربها بعد أن صرعت النزاعات رجالاً كُثر، و دفعت آخرين للفرار من البلاد.

تقول بار، إن "قطع طالبان لأمكانية عمل المرأة لا يتعلق فقط بمشاعرهن إزاء التمكين، رغم أهمية ذلك، بل يتعلق بفقدانهن للقدرة على إطعام أنفسهن وأسرهن".

كتبت شبكة المحللين الأفغان وهي مجموعة بحثية مستقلة في 6 سبتمبر أن أسعار المواد الأساسية من الطحين إلى زيت الطهي ارتفعت مع تدني قيمة العملة الأفغانية. تبيع عائلات يائسة ما في منازلها في سوق للأغراض المستعملة في كابل لشراء الطعام.

عوامل متلازمة

يلاحق الجوع أفغانستان قبل أن تقع أزمة هذا السنة بسبب الجفاف المدمر في 2018 و 2019. تقول منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إن كوريا الشمالية وست دول أفريقية جنوب الصحارى فقط تتعايش مع تدني السعرات الحرارية اليومية راهناً.

سيؤدي استيلاء طالبان على السلطة إلى جعل كل هذه المشكلات أكثر حدة، لأن الفقر ونقص التغذية وعدم المساواة بين الجنسين عوامل متلازمة. رغم أن النساء والفتيات يتمتعن بقدرة أعلى على تخطي سوء التغذية، إلا أنهن يتعرضن لحرمان أشد وآثار جانبية طويلة المدى في المجتمعات الأبوية، حيث يحظى ذكور الأسرة بطعام أوفر.

هكذا سمحت أمريكا بفتح باب الشر مجدداً في أفغانستان

يمكن أن يكون العيش على حافة الجوع سبباً كما هو نتيجةً لتدني مكانة المرأة، حيث يبدأ التمكين الاقتصادي عادة بالسيطرة على جزء من مال الأسرة على الأقل. حتى في المجتمعات الأبوية، هناك دليل على أن تنازل الرجال عن تحكمهم بالمال يمكن أن يؤدي إلى حلقة حميدة من زيادة المساواة والدخل وحسن المعيشة. كما قد تكون الآثار كبيرة إذ ينخفض ​​سوء التغذية بين الأطفال بنحو 43٪ حين تتحكم النساء بأي زيادة في الدخل، ويكون التحسن أكبر عندما يتاح لهن فرص أفضل للتعليم.

كي يحدث هكذا تقدم، يجب أن يكون هناك فائضاً من دخل، وهذا ما تتضاءل فرصه سريعاً بعد منع طالبان المرأة من الترزق بالعمل ومع ارتفاع أسعار الأغذية.

فوضى مدنية؟

تنفق أسر الريف الأفغاني 53٪ من دخلها على الغذاء وحده، وفقاً لدراسة في 2014، ويرجح أن هذا لم يتحسن إبان السنين السبع الماضية. نظراً لأن الإنفاق يذهب معظمه على سلع غير مصنعة كدقيق القمح و الأرز، فهو أيضاً أكثر تأثراً بتحركات السوق.

سجلت أسعار العقود الآجلة الأمريكية للقمح، وهو قوت الأفغان الأساسي، أعلى مستوى لها في ثماني سنوات الشهر الماضي. كانت أسعار دقيق القمح في كابول أعلى بنحو 20٪ من المتوسطات التاريخية لمعظم العام الماضي نتيجة الآثار طويلة المدى للجفاف وفيروس كورونا. يرجح أن يزداد ذلك سوءاً نتيجة للاضطراب الحالي: إن ظننتم أن مشكلات سلاسل التوريد في البلدان الغنية تؤدي إلى شح في المواد وتزيد من التضخم، فهذا لا يذكر مقارنة بما يتربص بأفغانستان من فوضى مدنية وعدم يقين.

بعد انسحاب أمريكا وسيطرة طالبان.. هل ينهار اقتصاد أفغانستان؟

اضف على ذلك قطاعاً مصرفياً متأزماً، حيث يصطف الناس في طوابير طويلة بانتظار الحصول على شيء من نقد قليل مايزال في البلاد. حجبت الولايات المتحدة والهيئات الدولية، بما فيها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الاحتياطيات الأجنبية وأوقفت تحويلات الأموال المنتظمة.

تعهد مؤتمر للأمم المتحدة في جنيف الاثنين بتقديم أكثر من مليار دولار كمساعدات طارئة. إلا أن السؤال المطروح على المانحين هو كيفية تقديم المساعدة بسرعة، قبل فصل الشتاء القاسي، دون توفير التمويل عن غير قصد لحملة طالبان الشرسة ضد النساء ووسائل الإعلام والأقليات الدينية وأجزاء رئيسية أخرى من المجتمع المدني.

الخزانة الأمريكية تصدر ترخيصاً يسمح بتدفق المساعدات لأفغانستان

تُشير بار إلى خلاف قبيح خلف الكواليس بين منظمات الإغاثة، بما فيها الأمم المتحدة، حيث ترى بعض الوكالات وجوب استمرارها بالعمل حتى لو منعت طالبان عاملات الإغاثة، نظراً للحاجة الكبيرة جداً، فيما يحتج آخرون بأن وجود عاملات هو الطريقة الوحيدة لضمان وصول مساعدات للنساء، وهو ما اثبتته التجربة تكراراً.

مهما كان الذي سيحدث فيجب أن يأتي سريعاً فقد حذّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الأسبوع الماضي أن نحو 97٪ من السكان قد ينزلقوا الى الفقر بحلول منتصف العام المقبل دونما استجابة عاجلة للأزمتين السياسية والاقتصادية.

ربما يثبت الجوع أنه مدمر لنساء أفغانستان بقدر مشابه لطالبان أنفسهم.