تغيّر المناخ سيضطر الناس إلى الهجرة... فإلى أين سيذهبون؟

في مرحلة ما، ما عليك سوى الانتقال إلى مكان آخر.
في مرحلة ما، ما عليك سوى الانتقال إلى مكان آخر. المصدر: غيتي إيمجز
Peter R. Orszag
Peter R. Orszag

Peter Orszag is CEO of Financial Advisory @Lazard and a columnist at @bopinion

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مع زيادة مخاطر تغير المناخ تغيّراً حاداً، وتوالي جهود خفض الانبعاثات الكربونية، ينبغي كذلك أن نفكر جدياً في حركة البشر التي ينتظر أن يتسبب فيها تغير المناخ. هذه الهجرة تبدو مدمّرة، غير أنها قد تؤثر كذلك تأثيراً كبيراً في النتائج الاقتصادية طويلة الأمد لتغير المناخ –وهو تأثير لن يتجه بالضرورة نحو الأسوأ.

كشفت دراسات كثيرة عن سبب افتراض أن الناس سوف ينتقلون إلى أماكن أخرى نتيجة تغير المناخ. مثال ذلك، أن دراسة حديثة قام بها جيمي مولينز، من "جامعة ماساتشوستس" في أمهيرست، وبراشات بهارادواج من "جامعة كاليفورنيا" في سان دييغو، كشفت عن "تأثيرات هامة وكبيرة لارتفاع الحرارة ارتفاعاً شديداً على معدلات الهجرة إلى الخارج". ويقدر الباحثان أن كل يوم إضافي في السنة ترتفع فيه الحرارة إلى أعلى من 90 درجة فهرنهايت (32 درجة مئوية) قد يؤدي إلى زيادة تقترب من 1% في معدلات الهجرة. (ربما تبدو هذه النسبة كبيرة بما يثير القلق، لكن لاحظ أن معدل الهجرة ذاته يبلغ نحو 5% من السكان، ولذلك فإن زيادته بنسبة 1% يعني أنه سيرتفع من 5% إلى 5.05 %. كما أن طبيعة هذا التأثير أنه متناقص، بحيث إن اليوم الثاني الذي ترتفع فيه درجة الحرارة أعلى من 90 درجة فهرنهايت، سيكون تأثيره أقل من تأثير اليوم الأول).

إقرأ أيضاً: دراسة: تزايد كبير في أعداد السكان في المناطق المعرضة لخطر الفيضانات

موجات حر وفيضانات وحرائق.. ما أسباب هذا الطقس المتطرف؟

ستكون حركة الناس على هذا النحو مرتفعة التكلفة، غير أنها أيضاً قد تسهم في خفض الخسائر الاقتصادية المستمرة نتيجة تغير المناخ. وفي الحقيقة، تكشف دراسة جديدة قام بها فريق كبير من العلماء والاقتصاديين، أن تأثيرها قد يبلغ من الضخامة حداً يثير الدهشة. وينتظر أن يؤدي ارتفاع مستوى البحر ارتباطاً بتغير المناخ، إلى خفض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للعالم بنسبة 4.5% في عام 2200، غير أن هذه النسبة تتقلص إلى 0.11% فقط عندما نأخذ في الاعتبار تأثير الهجرة.

ماهو تفسير ذلك؟ في الأغلب أننا لو استطعنا نقل مواقع النشاط الاقتصادي بعيداً عن المناطق المتضررة إلى مناطق تتميز بحماية أفضل، يمكننا أن نقلل الآثار الاقتصادية.

فائدة الهجرة

غير أن حجم الفائدة من الهجرة يعتمد على افتراضين:

أولاً، أن تحدث الهجرة بسبب ارتفاع تدريجي في مستوى البحر، بما يضمن سهولة استيعابها والتأقلم معها. فمثلاً، حتى برغم استبعاد رأس المال الحقيقي من النتائج الأساسية للدراسة الجديدة، فإن معظم المباني والمصانع يجري استهلاكها عبر الزمن ونحتاج بالتالي إلى استبدالها حتى ولو لم يرتفع مستوى البحر. وكما يوضح واضعا الدراسة: "...إن أي ارتفاع في مستوى البحر يستغرق زمناً أطول في تحققه فعلياً من الزمن المعياري الذي يستغرقه استهلاك رأس المال والبنية الأساسية. ونتيجة لذلك، يحتمل أن تكون تكلفة تدمير رأس المال بسبب الارتفاع الدائم في مستوى البحر صغيرة نسبياً".

ثانياً، تعتمد نتائج الهجرة اعتماداً حاسماً على المنطقة التي يهاجر منها الناس والتي يهاجرون إليها. على سبيل المثال، شهدت المدن ازدهاراً عندما تجمع فيها أصحاب المواهب من الناس، مستفيدة من تبادل الأفكار وسيولة سوق العمل(1). فإذا ترك الناس مدينة تتعرض لمخاطر الطوفان، فإن نتائج ذلك الاقتصادية تعتمد على ما إذا كان معظمهم سيجتمعون ثانية في مكان آخر. وتفترض هذه الدراسة من الناحية الفعلية أن بالإمكان رفع الناس من مدينة منهاتن ونقلهم جماعياً إلى مكان آخر. (بعض الناس من سكان نيويورك أثناء الفترة الأكثر برودة في فصل الشتاء أو الفترة الأعلى حرارة في فصل الصيف، يتحسرون بسبب عجزنا عن فعل ذلك).(2)

ورغم طرح هذين الافتراضين، يمكن أن نتوقع اختلافاً كبيراً في نتائج الهجرة في مختلف أنحاء العالم. فسوف يتسبب ارتفاع منسوب البحر في هجرة 7% من سكان أمستردام وسكان ميامي إلى مناطق أخرى، مقارنة مع 0.4% فقط من سكان مدينة نيويورك. ويكشف ذلك عن ضرورة إجراء مثل هذه الدراسات على مستويات صغيرة للغاية. (هذان الباحثان استخدما نموذجاً يضم 64800 خلية على مستوى العالم).

تكاليف أعلى للهجرة المفاجئة

للحقيقة، هناك أسباب لمساءلة دقة الافتراضين. أولاً، ربما لا ينتقل الناس بسبب الارتفاع التدريجي في مستوى البحر، وينتقلون بسبب زيادة وتكرار وقوع الظواهر المناخية العنيفة –مثل الأعاصير، والفيضانات في المناطق الساحلية. ولا يزال العلماء لا يفهمون جيداً جميع التطورات المحتملة غير الخطية في النظام المناخي، كما أن ظواهر المناخ قد تزداد وتيرتها حتى وإن كان مستوى البحر يرتفع بصورة تدريجية. بمعنى آخر، في هذه الدراسة يمكن أن يتغير موقع أسباب الهجرة وتوقيتها. وهو أمر جوهري وحاسم، لأن الهجرة كلما كانت مفاجئة أكثر، فإنها تفرض تكاليف أعلى مما يتوقع الباحثان.

وأكثر من ذلك، قد توجد أسباب أخرى تدفع الناس للتجمع في مدن بعينها مختلفة عن التي يفترضها الباحثان. فهل ينجذب الناس إلى الحياة في مدينة بوسطن فقط بسبب الناس الآخرين الذين يعيشون فعلاً فيها، أم أيضاً بسبب تاريخ المدينة العريق؟ فإذا كان سكان بوسطن، الذين يشتتهم تغير المناخ، يشدّهم إلى المدينة تراثها الفريد، فإنهم قد لايجتمعون معاً مرة أخرى. وبصورة عامة، من الصعب جداً أن تتوقع قرارات الهجرة المستقبلية بأي درجة من التحديد –مع ذلك، فهذا هو المطلوب حتى تتنبأ بالنتائج والآثار.

مرة أخرى، ليست التنبؤات الدقيقة هي المهمة هنا. والأهم منها هي رسالة أن جهودنا في خفض غازات الاحتباس الحراري لم تكن سريعة بما يكفي لمنع تغير المناخ. وعند هذه النقطة، من الضروري أن نوجه اهتمامنا أيضاً إلى حتمية التأقلم الاقتصادي.

1- حتى بعد الجائحة، سوف تلعب المدن دوراً حاسماً وجوهرياً في مستقبلنا الاقتصادي لهذا السبب (بين أسباب أخرى)، كما يقول إدوارد غليزر وديفيد كاتلر من "جامعة هارفارد" في كتابهما الجديد "بقاء المدينة: الحياة والازدهار في عصر الانعزال".

2- يرى الكاتبان أن أسعار العقارات في منهاتن مرتفعة في معظمها بسبب الناس الذين يعيشون في المدينة، وليس بسبب البنايات الحقيقية نفسها: "إن مباني منهاتن مرتفعة القيمة بالأساس بسبب موقع تواجدها، وليس بسبب تكاليف إعادة بنائها".