اتهامات لرئيسة صندوق النقد الدولي بالتلاعب في تقرير لصالح الصين تهدّد صلاحياتها

كريستالينا جورجيفا
كريستالينا جورجيفا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أصبحت كريستالينا جورجيفا معرَّضة لتقويض سلطتها مديرةً لصندوق النقد الدولي، قبل أسابيع فقط من الاجتماع السنوي لرؤساء المالية حول العالم، وذلك بعد اتهامها بالتدخل لصالح الصين في تقرير عندما كانت تعمل في البنك الدولي.

قالت جورجيفا يوم الخميس إنها لا توافق "بشكل أساسي" على ما توصل إليه التحقيق الذي أجرته شركة محاماة خارجية عيّنها البنك الدولي، وأكدت أنها مارست ضغوطاً على موظفي البنك لتعزيز تصنيف الصين في تقرير اقتصادي. وقالت مصادر مطلعة على الأمر، إن جورجيفا أبلغت مجلس إدارة صندوق النقد الدولي بالادعاءات الخميس الماضي، كما ستخاطب موظفي الصندوق.

كان فحوى الاتهام، الذي أكد ممارسة "ضغوط لا داعي لها" على موظفي البنك الدولي لتعديل التصنيف في تقرير "ممارسة الأعمال" عندما كانت جورجيفا تشغل منصب الرئيس التنفيذي للبنك الدولي، هو الأحدث في سلسلة من الفضائح التي مني بها التقرير المضطرب فى السنوات الأخيرة. وكانت الطريقة المنهجية للتقرير -التي تقيس سهولة وشفافية العمل في أي اقتصاد- محاصَرةً وغير موضوعية ومثيرة للجدل للغاية، لدرجة أن البنك الدولي أعلن أنه سيتوقف عن إنتاجه.

لكن بالنسبة إلى جورجيفا البالغة من العمر 68 عاماً، قد تكون هذه مجرد بداية لعملية التدقيق.

فالتصنيف الذي اتُّهمت بممارسة الضغط فيه على الموظفين لتحسينه خاصّ بالصين، التي تجتذب الانتقادات في واشنطن بشأن كل شيء، من التجارة إلى الجغرافيا السياسية. وقالت وزارة الخزانة الأمريكية إن الاتهامات خطيرة، كما "تحلّل التقرير". وتمتلك الولايات المتحدة حق النقض (فيتو) على القرارات الرئيسية التي يتخذها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ويمكن للمشرعين الجمهوريين استخدام هذه القضية لتجديد الانتقادات حول توسعة موارد صندوق النقد الدولي تحت قيادة جورجيفا.

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليغيان في موجز صحفي دوري نُشر الجمعة في بكين، إن البنك الدولي يجب أن "يتبع الإجراءات الداخلية للمراجعة، حتى يحقّق في القضية، وذلك بهدف توفير حماية أفضل لمهنية وسلطة تقرير ممارسة الأعمال، وسمعة البنك الدولي وأعضائه". وأضاف أن حكومة الدولة الآسيوية "تُولِي تحسين بيئة الأعمال اهتماماً كبيراً، والجميع يشهد هذا الإنجاز".

أسئلة جادة

قال النائب الأمريكي فرينش هيل، عضو الحزب الجمهوري عن ولاية أركنساس، وأحد أكثر المنتقدين اللاذعين في الكونغرس لإصدار احتياطيات صندوق النقد الدولي الشهر الماضي، إن التقرير يثير أسئلة جادة حول دوافع جورجيفا خلال فترة عملها في البنك الدولي.

مضيفاً: "إذا كانت هذه المزاعم صحيحة، فعلى مجلس إدارة صندوق النقد الدولي أن يُقيّم -على وجه السرعة- خدمتها في أعلى منصب بالصندوق".

أكد هيل، وهو أيضاً عضو في لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب الأمريكي، أنه سيطلب من جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، تقييم التقرير وتقديم رأيها للكونغرس، وقال: "الأسواق المالية وصانعو السياسات يعتمدون على خبرة البنوك متعددة الأطراف، وهذه السمعة تُشوَّش الآن".

"مروّع للغاية"

قال جاستن سانديفور، زميل أول ومراقب من البنك الدولي في "مركز التنمية العالمية"، وهو مؤسسة فكرية، إن التقرير قد يؤثّر في نهاية المطاف في علاقتها بأعضاء صندوق النقد الدولي.

أضاف سانديفور في مقابلة: "صندوق النقد الدولي مسؤول عن ضمان نزاهة إحصاءات الاقتصاد الكلي الدولية، ومحاسبة الدول على سلامة بياناتها". واستطرد: "هذا التقرير وجّه أصابع الاتهام إلى جورجيفا بالتورط بشدة في التلاعب بالبيانات لأغراض جيوسياسية، وهذا يبدو مروّعاً للغاية".

توفّر هذه الحلقة نافذة نادرة تسمح بمعرفة كيفية تأثير الصين في قادة المؤسسات المالية الدولية في السنوات الأخيرة، وكيف كان مدى تجاوب هؤلاء المسؤولين الكبار تجاه الأمور الحساسة في بكين.

يبذل التقرير الذي أُعِدّ بتكليف من البنك الدولي، وصاغه محامون في شركة "ويلمر هيل" (WilmerHale)، قصارى جهده لتبرئة الصين من ارتكاب أي خطأ. وكتب المحامون: "لتوضيح ذلك، ينبغي عدم تفسير مراجعتنا للإشارة إلى وجود أي سلوك غير لائق نيابة عن أي مسؤول صيني أو أي مسؤول حكومي آخر".

الارتباط بالصين

كانت جورجيفا تشغل منصب الرئيس التنفيذي للبنك في عهد جيم يونغ كيم، الذي رشّحه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وأمضى معظم فترة ولايته رئيساً للبنك الدولي وهو يعمل على الشؤون الجيوسياسية غالباً بحكم الضرورة. وعمل كيم بجد لبناء علاقة مع كل من الصين والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، الذي يعد منافساً لمؤسسته الخاصة التي أنشأها.

لم تستجب شركة "غلوبال إنفراستراكتشر بارتنرز" (Global Infrastructure Partners)، وهي صندوق استثماري يعمل فيه كيم حالياً، لطلب التعليق على التقرير الذي نُشر الخميس الماضي.

وازدادت السياسات صعوبة أكثر فأكثر، إذ أصبحت الصين أكثر حزماً في عهد الرئيس شي جين بينغ، إضافة إلى تزايد توتر العلاقة بين واشنطن وبكين على عدد من الجبهات، بما في ذلك التجارة والاقتصاد.

قال بول رومر، الحائز على جائزة نوبل، الذي شغل منصب كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي حتى مغادرته في أوائل عام 2018 -بعد نشوب خلاف بينه وبين كيم وجورجيفا- في مقابلة، إن الصين غالباً ما كانت تمارس ضغوطاً على موظفي البنك لتغيير مسوَّدة التقارير. وكان انتقاده الجزئي لتقرير "ممارسة الأعمال"، في أثناء مقابلة أجراها مع صحيفة وول ستريت جورنال، هو ما أدى إلى فتح تحقيق بالتقرير والسياسة المحيطة به.

قال البنك الدولي في مراجعة نُشرت ديسمبر الماضي، إن ترتيب الصين في تقرير 2018 -الذي صدر في أكتوبر 2017- كان ينبغي أن يكون أقلّ بسبع مراتب، لتصبح في المركز 85 بدلاً من 78. ووجدت ويلمر هيل أن كيم وجورجيفا أثّرا في إعادة ترتيب التصنيف.

قال سانديفور: "لا يمكن تصميم مجموعة حقائق أكثر إحراجاً لكريستالينا في مواجهة منتقدي الصندوق بالكابيتول هيل من ذلك".

نزاهة صندوق النقد الدولي

تشرف جورجيفا، وهي أول رئيس لصندوق النقد الدولي ينحدر من سوق ناشئة (بلغاريا)، على توسعة تاريخية في الأصول الاحتياطية لأعضاء صندوق النقد الدولي، بقيمة 650 مليار دولار، تهدف إلى مساعدة البلدان على التعامل مع الديون المتراكمة، والتداعيات المترتبة على جائحة "كوفيد-19". وانتقد المشرعون الجمهوريون هذه الخطوة جزئياً باعتبارها مكافأة للدول غير الديمقراطية، بما في ذلك الصين.

ووصف آندي بار، نائب الحزب الجمهوري عن ولاية كنتاكي، في بيان صدر خلال وقت متأخر من يوم الخميس، التقرير بأنه "يدق ناقوس الخطر"، وحثّ وزارة الخزانة على "تقييم" تصرفات جورجيفا في الفترة التي سبقت تخصيص تلك الأموال، والمعروفة باسم "حقوق السحب الخاصة"، في ضوء نتائج التقرير.

قال بار: "ضمان النزاهة في صندوق النقد الدولي أمر ضروري".

وفقاً للتقرير ومصدر مطّلع على الأحداث، تحملت جورجيفا مسؤولية ما اعتُبر داخل البنك تدخلاً غير عادي لصالح الصين. وفي الماضي بذل كبار الموظفين قصارى جهدهم لعدم التدخل مع الفريق المشرف على تقرير "ممارسة الأعمال" خوفاً من انتهاك القواعد الداخلية، حسبما قال المصدر المطلع على ما حدث.

تذمُّر رئيس الوزراء

أيضاً جاء ذلك في وقت يتسم بالحساسية الشديدة في الصين بشأن تصنيفات "ممارسة الأعمال"، ففي وقت سابق من ذلك العام تَذمَّر لي كه تشيانغ، رئيس الوزراء (رئيس مجلس الدولة) بشأن الأداء الضعيف للصين، مما أدى إلى زيادة الجهود المحلية لتحسين أدائها. لكن تلك الجهود كانت متأخرة جداً للتأثير في ترتيب 2018، على الرغم من أنها آتت ثمارها لاحقاً. وفي تصنيفات عام 2020 احتلت الصين المرتبة 31، متقدمة على فرنسا.

وفقاً للمصدر المطّلع على الأحداث، أُثيرت القضية مرتين على الأقلّ في حفلات العشاء التي حضرها كيم مع كبار المسؤولين الصينيين خلال زيارات جرت ذلك العام، وأثارها مسؤولون صينيون كذلك مع جورجيفا خلال زيارة لها ضمن منتدى التنمية الصيني.

من جانب البنك الدولي، جاؤوا أيضاً بينما كان كيم وجورجيفا يخوضان مفاوضات دقيقة مع الصين والولايات المتحدة وأعضاء آخرين لزيادة رأسمال البنك. وفي نهاية المطاف قبلت الصين كلّاً من الحصول على مساهمة في البنك أقلّ مما سعت إليه، ومعدلات فائدة أعلى على القروض المصرفية التي تلقّتها، وذلك كجزء من خطة لدرء المعارضة التي شنّتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

قال رومر إن الحلقة المفصلة في التقرير سلطت الضوء على التوتر المتأصل في قيادة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الواقع مقرهما في واشنطن. وكلاهما مؤسستة يتعين على القادة فيها أن يكونوا دبلوماسيين فطنين للفوز بوظائفهم والاحتفاظ بها على حد سواء، وهو ما يعني بشكل متزايد الحصول على موافقة بكين وواشنطن معاً.

"يستحق القراءة"

مع ذلك، يمكن أن تتعارض تلك السياسات الضرورية مع مهامهم ليكونوا مؤتمَنين مستقلّين بالكامل على البيانات والتحليلات المهمة. وقال رومر إن هذا يعني أن الحلقة الأخيرة سيكون لها تأثير سلبي في مصداقية، ليس فقط البنك الدولي ولكن صندوق النقد الدولي.

حسب التقاليد بموجب الاتفاقية غير المكتوبة للدول عبر المحيط الأطلسي، تختار أوروبا المديرين الإداريين لصندوق النقد الدولي، فيما تختار الولايات المتحدة رؤساء البنك الدولي. وجورجيفا هي ثاني امرأة تدير صندوق النقد الدولي، بعد كريستين لاغارد التي تشغل حاليّاً منصب رئيسة البنك المركزي الأوروبي.

من غير المرجح أن يزول الاهتمام بتقرير "ويلمر هيل" بسرعة، وفقاً لمراقبين مخضرمين لسياسات الصندوق.

وكتب ستان فيوجر، زميل أول في معهد "أميركان إنتربرايز"، وهو مركز أبحاث محافظ بواشنطن، على تويتر: "التقرير الكامل يستحق القراءة، إنه مهمّ بالفعل". واختتم: "بعض الإجراءات اللافتة" اتخذتها جورجيفا.