لماذا صُدِمت فرنسا من صفقة الغواصات الأمريكية لأستراليا؟

إيمانويل ماكرون مع سكوت موريسون أثناء زيارة رئيس الوزراء الأسترالي لفرنسا
إيمانويل ماكرون مع سكوت موريسون أثناء زيارة رئيس الوزراء الأسترالي لفرنسا المصدر: بلومبرغ
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بغض النظر عن صرخات باريس الغاضبة والحانقة، أو استنكار واستياء بكين، يُعدّ إلغاء أستراليا عقداً بقيمة 65 مليار دولار لشراء غواصات فرنسية، مقابل علاقات أقوى مع الولايات المتحدة وبريطانيا أمراً شديد الأهمية، لكنه ليس أمراً مزلزلاً.

تكمن الأهمية النسبية لهذا الحادث العارض المؤسف في تأكيده على المشكلات طويلة الأمد المتعلقة بالولاءات الأمنية والاقتصادية التي تهيمن على منطقة آسيا والباسيفيك. بل وقد تفتح مجالاً لفرص قليلة.

كان مشروع بناء أسطول من الغواصات التقليدية التي تعمل بالديزل لصالح أستراليا، والذي أوكلته إلى فرنسا في عام 2016، يعاني من صعوبات شديدة. وعلى مدى سنوات، تعالت شكاوى السياسيين في أستراليا من زيادة التكاليف وتأخير التنفيذ.

أثناء تلك الفترة، تدهورت العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين أستراليا والصين تدهوراً دراماتيكياً. وبلغ إحباط أستراليا من الصفقة الفرنسية حداً دفعها إلى الإعلان منذ شهور قليلة بأنها سوف تصلح قواربها القديمة بهدف إطالة أعمارها انتظاراً لوصول القوارب الجديدة. كان ذلك شبيهاً بتصويت على الثقة. فهل أنصت له أحد في باريس؟.

اقرأ أيضاً: أمريكا تحاصر الصين في المحيط الهادئ بصفقة غواصات نووية مع أستراليا

قال وزير خارجية فرنسا يوم الخميس الماضي إن بلاده تلقت "طعنة في الظهر" بخسارة هذه الصفقة. قبل ذلك بساعات، أعلن كل من رئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون، ورئيس الولايات المتحدة، جو بايدن، ورئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون أن "كانبيرا" سوف تحصل على غواصات نووية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وهي قفزة تكنولوجية كبيرة للبلاد جرّت عليها توبيخاً سريعاً من الصين.

تمت الصفقة في إطار من السرية والكتمان، لذا تسبب إعلانها في ردود فعل كثيرة ومتفرقة. فحتى شهر يونيو الماضي، بدا أن فرنسا تعتقد أن كل شيء على ما يرام، وقد التقطت صورة فوتوغرافية للرئيس إيمانويل ماكرون وهو يحيط موريسون بذراعية أثناء زيارة رئيس الوزراء الأسترالي لفرنسا.

إحباط لا صدمة

زادت العلاقات التي تربط بين كانبيرا وواشنطن، وهي علاقات وثيقة منذ 80 عاماً، قوة وحميمية. وتميل الصين إلى اعتبار أستراليا دولة عميلة للولايات المتحدة، ولكن يسهل كثيراً دفعها في هذا الاتجاه أو غيره بسبب أن اقتصادها أصغر بكثير. كذلك تعتمد أستراليا على واردات الصين من الخمور والخدمات التعليمية والمعادن، ومن ناحية دورها الاستراتيجي، فإنه يقتصر على أعمال الوساطة في أفضل الأحوال. أضف إلى ذلك التعبئة العسكرية لبكين في بحر الصين الجنوبي، علاوة على الشروخ التي اتسعت بينها وبين الولايات المتحدة، وسوف تستطيع أن تدرك إلى أي مدى بلغ انزعاج أستراليا.

اقرأ أيضاً: الصين تعلق المحادثات الاقتصادية مع أستراليا وسط تصاعد التوتر

يحق لفرنسا أن تُصاب بالإحباط، غير أنني أشك في أنها مصدومة. وربما أن الفرنسيين اعتبروا همهمات الغضب في كانبيرا مجرد جزء لا ينفصم عن اللعبة السياسية المحلية. ولكن إذا كان هناك أي شكوك في أن العقد في خطر، فإن تعيين بيتر دوتون وزيراً للدفاع في أستراليا في مارس الماضي كان من شأنه أن يزيلها. باعتباره شرطياً سابقاً، ذاعت شهرة دوتون كوزير للهجرة معروف بتشدده. وقد تولى منصبه الجديد بسمعة المحارب الثقافي، صاحب المواقف الموالية صراحة وبلا خجل للولايات المتحدة، والناقد للصين نقداً عنيفاً. كان على الفرنسيين أن يعتبروا "دوتون" حريقاً خطيراً يمشي على الأرض.

الدور البريطاني

كانت العلاقات بين كانبيرا وواشنطن تشهد صعوداً وهبوطاً، غير أنها كانت دائماً في إطار تبعية أسترالية، ونوبات ذعر شاذة من أن يتخلى عنها حليف قوي. ويعد استخدام تكنولوجيا أمريكية كي تصبح أستراليا نووية في الصناعات الدفاعية قفزة، لكنها ليست عظيمة تقريباً مثل قفزة ديسمبر عام 1941. فعند تقدّم القوات اليابانية في شبه جزيرة الملايو باتجاه سنغافورة، قال رئيس الوزراء آنذاك جون كيرتن: "بدون أي تحفظات من أي نوع، أعلن بوضوح تام أن أستراليا تتطلع إلى أميركا، خالصة تماماً من أي آلام تتعلق بروابطنا التقليدية أو صلة القرابة مع بريطانيا".

اقرأ أيضاً: أستراليا تلغي اتفاق الحزام والطريق الصيني مع إحدى ولاياتها

تعد المملكة المتحدة عنصراً أساسياً في هذه المعركة البحرية. وسنغافورة، التي أعيش فيها، مليئة بذكريات الحكم البريطاني وإخفاقاته. وما أن أخرجت اليابان المملكة المتحدة منها، لم تعد للبلاد أي أهمية تقريباً بالنسبة للأمن في منطقة آسيا والباسيفيك. وظلت عالقة لفترة بعد الحرب في دور تصريف الأمور. وكجزء من ترتيبات الحماية على ماليزيا وسنغافورة، وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "البريكست"، أصبحت المملكة المتحدة تبحث عن دور لها في آسيا. فهل يمكن أن يكون تسلقها على ظهر الولايات المتحدة، واعتمادها على مستعمرات سابقة مثل أستراليا هو سبيلها إلى تحقيق ذلك الدور؟.

من المبالغة أن نقول، كما تفعل الصين، إن مشكلة صفقة الغواصات تقوّض السلام الإقليمي. غير أن الواقعة تشير إلى أن الرهان على استمرار هذا السلام لا يشمل الجميع. وما يدفع إلى السخرية أن أستراليا فضلت الصفقة مع الفرنسيين بدلاً من صفقة منافسة تقدم بها اليابانيون، بسبب قلقها، على الأقل جزئياً، من رد فعل الصين. كان اختيار اليابان سيعزز الروابط الإقليمية، لكن التفكير اتجه في أستراليا إلى تفضيل عدم إغضاب أكبر عميل لصادراتها. إن المعركة الدبلوماسية الأخيرة قد تستدعي بعض الابتسامات على الأقل في طوكيو.