حي سونينالي المعروف باسم شارع العرب في ألمانيا المصدر: بلومبرغ

هنا "شارع العرب" الألماني... كيف أصبح إرث "ميركل" بعد 6 سنوات من اللجوء؟

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

التقط طارق حمد، آلة الحلاقة، وشرع في حلق رأس شاب من الخلف دون أن يستشيره. فبعد العمل في صالون الحلاقة في حي سونينالي في برلين لأكثر من ثلاث سنوات، قال حمد، إنه يعرف بالضبط ما يريده زبائنه – وذلك على غرار الكثيرين من المهاجرين من سوريا أمثاله.

قال حمد، البالغ من العمر 27 عاماً، وهو فلسطيني وُلِد وترعرع في مخيم للاجئين بدمشق: "الوضع هنا يشبه الوطن تماماً. ونحن نعرف كيفية تشذيب اللحى بشكل أفضل مما يعرفه الألمان. إلا أنهم أفضل منا في مجال صبغة الشعر والألوان".

في الواقع، قد يكون حي سونينالي، المعروف محلياً باسم "شارع العرب"، أقرب شيء إلى موطن العديد من السوريين؛ حيث يمكنهم شراء اللحوم الحلال، والفستق الحلبي الطازج، والحلويات المحشوة بالقشدة والجوز من البائعين الذين يتحدثون لغتهم. كما يمكن للسيدات أن تجدن الحجاب وصالونات تصفيف الشعر للسيدات فقط. علاوةً على ذلك، يمكن للرجال الصلاة في المساجد والاجتماع في المقاهي التي تعيد لهم إحساسهم بأحيائهم في أرض الوطن.

اقرأ أيضاً: كيف أدارت أنغيلا ميركل عقارب ساعة التاريخ الألماني إلى الوراء؟

مع ذلك، يتمتع حي "سونينالي" أيضاً بصدى سياسي، في ظل استعداد سكان برلين للرحيل الوشيك للمستشارة أنجيلا ميركل؛ والتي يجسّد الشارع أحد أبرز رموز إرثها، إلى جانب التحديات المستمرة لدمج مجتمع جديد.

وكان قرار ميركل بفتح حدود ألمانيا أمام مليون لاجئ في عام 2015، قد تسبّب في حدوث صدع في أوروبا، وأثبت أنه حافز للأحزاب المناهضة للهجرة؛ كما غيّر التركيبة الثقافية للعاصمة الألمانية بطريقة لم تشهدها منذ انتشار العمال الأتراك في الستينيات.

وفي حين أن حي سونينالي كان دوماً موطناً للأقليات العرقية، وخاصة اللبنانيين والأتراك، إلا أنه يبدو الآن وكأنه نسخة مصغرة عن سوريا. حيث وجد العديد من المهاجرين عملاً في المطاعم، والمتاجر، ووكالات السفر التي تصطف في الشارع الموّرق الذي كان يقسمه جدار برلين في يوم من الأيام. وبالنسبة لمن يفتقدون سوريا، فإن الزيارة السريعة لهذا الحي تقربهم من روائح ونكهات الوطن.

وقال يمان عظيمة، وهو فلسطيني يبلغ من العمر 21 عاماً، انتقل إلى برلين من مخيم اليرموك للاجئين في دمشق عندما كان طفلاً: "عندما تطأ قدمك الشارع، تنسى أنك في ألمانيا".

بالنسبة للكثيرين الذين يأكلون ويعملون ويتسوقون في الشارع الذي يبلغ طوله خمسة كيلومترات، فإن الانتخابات الفيدرالية في 26 سبتمبر – والتي ستقرر في نهاية المطاف مَن سيخلف ميركل – تأتي في المرتبة الثانية بعد المناقشات حول الأحداث في الشرق الأوسط.

ربما كانت ميركل هي القائدة التي أوصلتهم إلى هنا، إلا أن المفارقة هي أن المكائد السياسية بالكاد ما تُذكر. فعند السؤال عن التصويت، كان هناك شبه إجماع في الرد: "عن أية انتخابات تتحدثون؟"

اقرأ أيضاً: تحالفات معقدة.. سيناريوهات تشكيل الحكومة الألمانية بعد رحيل ميركل

وهيمنت سياسة ميركل بشأن اللاجئين على الحملة الانتخابية الأخيرة في عام 2017. وبالرغم من أنها فازت في النهاية، فقد تراجع التأييد لكتلتها المحافظة الحاكمة، مما ساعد حزب البديل من أجل ألمانيا المناهض للهجرة في الحصول على 13٪ من الأصوات.

كما عادت الهجرة لفترة وجيزة كموضوع رئيس في ظل سيطرة الرحيل الفوضوي من أفغانستان على الأخبار الشهر الماضي. ومنذ ذلك الحين، عادت الحملة إلى التركيز على الموضوعات الأساسية، مثل تغير المناخ وتعافي البلاد من الجائحة.

مع ذلك، يمكن لموضوع الهجرة أن يمثل تحدياً للإدارة القادمة. حيث أشار ماركوس زينر، أستاذ الصحافة بجامعة العلوم التطبيقية في برلين، إلى أنه ما تزال هناك مخاوف بشأن مناطق مثل حي سونينالي ومستوى المشاركة بين سكانه الجدد؛ حيث قال: "سيكون من الأفضل لو كان اللاجئون أكثر اندماجاً، وكانوا يتحدثون اللغة ويشعرون أنهم جزء من ثقافتنا الألمانية".

فضلاً عن ذلك، يوضح إبراهيم محمد، 49 عاماً، ومحمد مندو، 55 عاماً، الانقسام الثقافي. وبينما كانا يتجاذبان أطراف الحديث خارج متجر يبيع البقلاوة والحلويات السورية الأخرى، قال الرجلان إنهما أتيا إلى ألمانيا في عام 2015؛ حيث تعلم محمد اللغة الألمانية في حين لم يتعلمها مندو.

كما قال محمد إنه يأمل أن يصبح سائق قطار، وأضاف أن إتقانه للغة يسمح له بمتابعة السياسة الألمانية، ولديه آراء حول الأحزاب التي تخوض الانتخابات.

علاوةً على ذلك، قال إن الحزب الاشتراكي الديمقراطي جيد لأنه يريد رفع الحد الأدنى للأجور. كما أنه معجب بوعد حزب الخضر بفرض حدود للسرعة على الطرق السريعة. أما بالنسبة لحزب ميركل، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فقد قال عنه، بينما تنبعث رائحة الدجاج المشوي من مطعم قريب: "إنهم ليسوا سيئين، فبعد كل شيء، سمحوا لنا بالدخول".

من جانبه قال مندو، وهو نجار عاطل عن العمل بسبب مشاكل في الكلى، إنه قلق للغاية بشأن زوجته وأطفاله الأربعة الموجودين في الأردن، وليس لديه الجَلَد لتعلم اللغة أو الاندماج.

وكلما شعر بالوحدة، يزور حي سونينالي "لمجرد رؤية الناس"، ويقصد بذلك أصدقاءه الذين اكتسبهم على مدى السنوات القليلة الماضية من أجزاء مختلفة من سوريا. حيث قال: "هذا الشارع يذكرني بالأيام الخوالي في سوريا".

في الوقت نفسه، وعلى غرار العديد من السوريين، أصبح يقدر الأشياء العديدة التي تقدمها ألمانيا؛ والتي تشمل بالنسبة له، علاج غسيل الكلى الذي يحصل عليه وحرية التعبير، على الرغم من أن الأمر استغرقه ثلاث سنوات حتى يقتنع أخيراً بوجودها بعد نشأته في ظل نظام ديكتاتوري.

وفي متجر قريب، كانت امرأة سورية تتواجد في ألمانيا منذ عقود، مرتاحة في البداية بما يكفي لتتحدث عن عملها وكيف تطلب الآن المزيد من فساتين الزفاف ذات القماش المنفوش والعباءات اللامعة ذات الترتر لتلبية أذواق المهاجرين. إلا أنها سرعان ما التزمت الصمت بعد أن حذرتها أختها في سوريا، عبر مكبر الصوت، من التحدث إلى الصحافة.

بالنسبة للسوريين الآخرين في برلين، فإن القصة مماثلة، حيث إن برلين هي الملاذ، إلا أن جاذبية الوطن ليست بعيدة على الإطلاق.

وفي شارع تورمستراسي، على بعد ما يزيد قليلاً عن 10 كيلومترات شمال غرب حي سونينالي، يتذكر العديد من السوريين المركز الاجتماعي الذي كان عليهم التسجيل فيه عند وصولهم إلى المدينة لأول مرة. حيث أصبحت المنطقة الآن موطناً للعديد من المطاعم والمحلات التجارية السورية، على الرغم من أنها لا تطغى على ما يُقدّمه حي سونينالي.

يتذكر مصطفى نعيم، 28 عاماً، الذي يعمل في شركة أمنية، كيف شعر بالضياع عندما وصل لأول مرة. حيث قال وهو يتناول الكنافة - الحلوى المصنوعة من رقائق العجين والجبن – مع صديقين سوريين، إنها كانت فترة مظلمة.

كما صرّح نعيم أنه لا ينوي العودة إلى سوريا، وهو ممتن لما قدمته ألمانيا على الرغم من أنه لا يرى في برلين مستقبلاً لنفسه أو لعائلته المستقبلية، فهو يحلم بالحصول على الجنسية الألمانية والعيش في القاهرة. حيث قال: "هناك فرق بين الأطفال الذين يكبرون على صوت الآذان وأولئك الذين يكبرون هنا".

أما عبد الكريم العبسي، 26 عاماً، فقد أومأ بالموافقة، حيث يعتز بتجربته في ألمانيا، بما في ذلك التقدير المكتسب حديثاً للثقافات الأخرى وحقوق المرأة، إلا أنه يرسم الحدود بشأن تربية أسرة في بلد غير مسلم. حيث قال العبسي: "لقد ولدنا مرة أخرى هنا في ثقافة جديدة ولغة جديدة ونظام جديد. إلا أنني لا أريد لبناتي أن تخرجن في مواعيد غرامية أو أن يشرب أبنائي الكحول".

إذاً، هل يذهب إلى حي سونينالي عندما يشعر بالحنين إلى الوطن؟ قال العبسي: "مطلقاً. فالناس الذين يذهبون إلى هناك ما زالوا في سوريا ولبنان وفلسطين؛ وهم غير مندمجين".