ثروات البريطانيين زادت بـ1.2 تريليون دولار خلال "كورونا".. كيف؟

طفرة في أسعار العقارات السكنية تعيشها مدن وقرى المملكة المتحدة
طفرة في أسعار العقارات السكنية تعيشها مدن وقرى المملكة المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم تكد تمر بضعة أشهر على تسلّم سام والكينشاو لوظيفتها الجديدة قبطانة طائرة، حتى أدى انتشار فيروس كورونا إلى تعليق حركة الطيران في العام الماضي. ومنذ ذلك الحين وهي تعتمد على برنامج المساعدات الحكومية الذي سينتهي أجله قريباً.

كغيرها من مئات آلاف البريطانيين، لا تبدو الخطوة اللاحقة واضحة بالنسبة لوالكينشاو، حول ما الذي ستفعله لكسب قوتها، فهي تعلم أن قطاع الطيران عرضة لتخفيض أعداد الموظفين. إلا أن وباء كورونا ربما يكون قد نجح بتقديم منفعة واحدة لها، حيث أسهم في رفع سعر منزلها بشكل كبير.

أدى الوباء إلى مفارقة لافتة في بريطانيا، حيث كان الوقت الأسوأ على صعيد الصحة العامة والأمن الوظيفي والاقتصاد في البلاد، الوقت الأفضل لمراكمة الثروات إذا كنت تمتلك الأصول.

ورغم أن بريطانيا سجلت أعلى معدل وفيات في أوروبا الغربية، وتعاني من الركود الأكبر بين اقتصادات مجموعة الدول السبع، إلا أن إجمالي ثروات الأسر فيها ارتفع بواقع 890 مليار جنيه إسترليني (1.2 تريليون دولار) منذ بداية وباء كورونا، أي بمعدل 6%، بحسب تحاليل مكتب الإحصاءات الوطنية وبيانات "يو غوف" التابعة لمؤسسة "ريزولوشن".

يُعزى معظم هذا الارتفاع إلى طفرة في قطاع الإسكان حطمت للأرقام القياسية في المملكة المتحدة، وأدت إلى تضخم قيمة أصول الشخص البريطاني العادي إلى معدل لم يسبق أن حصل خلال أي ركود اقتصادي آخر، منذ خمسينيات القرن الماضي.

العالم يحتاج إلى تشييد مزيد من المباني المناسبة للجميع

تضخم الأصول

في ظلّ تضخم أسعار الأصول وتراجع تكلفة الاقتراض إلى معدلات قياسية، تعد مشكلة عدم المساواة بين المشاكل المالية التي يعاني منها بعض السكان، وتراكم الثروة لدى البعض الآخر ممن يمتلكون الأصول، ليس أمراً مقتصراً فقط على المملكة المتحدة فحسب. وكان تقرير صادر عن "كريدي سويس" في يونيو الماضي، قد أظهر أن ثروة الفرد البالغ ارتفعت إلى رقم قياسي بلغ 80 ألف دولار على الصعيد العالمي.

مع ذلك، تقف بريطانيا اليوم على مفترق طرق على الصعيدين السياسي والاجتماعي بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي. إذ إن سياسة الحكومة الأساسية تعتمد بأكملها على شعار "الارتقاء" (livil up) بالمناطق وبالنتائج الاقتصادية.

كانت أسعار المنازل قد ارتفعت مرة أخرى في أغسطس الماضي بحسب تقرير صادر في 7 سبتمبر، مدفوعة بانخفاض معدلات الفائدة ونقص الإمدادات في السوق، بالإضافة إلى تراكم المدخرات خلال فترات الإغلاق العام، وزيادة الطلب على المنازل الكبيرة الواقعة خارج المدن الكبرى، أي في أماكن مثل كوتسوولدز حيث تقيم والكينشاو.

أسعار المنازل في أغلى سوق بالعالم تُسجل رقماً قياسياً

كانت والكينشاو البالغة من العمر 49 عاماً اختارت منزلها في جنوب إنجلترا بسبب موقعه الريفي وقربه من المطار الذي تحلّق منه بطائرتها. وقد ارتفعت قيمة المنزل بنسبة 30% عن السعر الذي دفعته قبل خمس سنوات، بالأخص خلال الأشهر الـ18 الماضية. إذ بلغت قيمة منزلها حالياً 350 ألف جنيه إسترليني، بحيث إذا اضطرت لبيعه ستكون قد حققت 75 ألف جنيه.

تقول والكينشاو: "كان الأمر جنونياً قليلاً هنا، ولأننا في مكان قريب من المطار، أعتقد أن ذلك جعل الأمر جنونياً بشكل أكثر ". وتضيف: "المفارقة أني لم أكن لأستطيع تحمل تكلفة ثمن منزلي لو كنت أريد شراءه اليوم".

يذكر أن ثروة الأسر ارتفعت بمعدل يتجاوز 50 ألف جنيه إسترليني بالنسبة للأسر الأكثر ثراء في بريطانيا بحسب مؤسسة "ريزولوشن"، حيث حققت أسعار المنازل قفزة بـ13% فيما حافظت استثمارات معاشات التقاعد على ثباتها بفضل ارتفاع أسواق الأسهم.

على الجهة الأخرى، بالنسبة للأسر الأكثر فقراً، لم يرتفع هذا المعدل إلا بواقع 86 جنيهاً للفرد البالغ. وعلى سبيل المقارنة، كانت قيمة المنازل قد انخفضت بنسبة 15% عقب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، فيما مرّت ثروة الأسر بحالة من الركود.

الفجوة الاقتصادية

يسهم ذلك في مفاقمة القلق حيال اتساع فجوة عدم المساواة بين المواطنين التي كان رئيس الوزراء بوريس جونسون قد تعهد بمعالجتها. وهو قد نكث في وقت سابق هذا الشهر بالوعد الانتخابي الذي قطعه حزبه بعدم رفع الضرائب، حيث دفع من خلال البرمان باتجاه زيادة مساهمات الضمان الاجتماعي الخاصة بالتأمين الوطني، على أن يتم استخدام الـ12 مليار جنيه الإضافية التي سيتم جمعها سنوياً في تمويل الرعاية الاجتماعية وتحسين الخدمات الصحية.

إلا أن المنتقدين، ومن بينهم أشخاص من داخل حزب جونسون نفسه، يقولون إن هذه الخطوة تلقي بالثقل على العاملين الشباب، بدلاً من أصحاب المنازل الأكبر سنّاً والأكثر ثراء. يقول بول جونسون، مدير معهد الدراسات المالية "هذه ضريبة سوف يتحملها بالشكل الأكبر العمّال، بينما سيدفع المتقاعدون القليل جداً منها".

معركة إخلاء المنازل الأمريكية من مستأجريها تشتعل مجدداً

في صلب مشكلة عدم المساواة هذه في المملكة المتحدة، يكمن سوق الإسكان وقدرة الجيل الجديد على تجميع الثروات. ومع معدلات فائدة عند مستويات التضخم على المدخرات، بات شراء منزل يشكّل الطريقة الأضمن لتحقيق الرخاء، والخروج من أزمة مالية. وتتراوح أعمار 60% من أصحاب المنازل الذين تخضع منازلهم للرهون العقارية بين 35 و54 عاماً، وقد ارتفع متوسط دخل الأسر من مشتري المنازل للمرّة الأولى، إلى 55 ألف جنيه إسترليني في الربع الأول من العام.

أحد أصحاب المنازل في بريطانيا هو عامل متجر البقالة المتقاعد ديفيد ثورب، والذي كان من بين من استخدموا أصولهم التي ارتفعت أسعارها للحصول على المال خلال الوباء. كالكثيرين حول العالم، مرّ ثورب بعام صعب. بعد أن أُدخلت زوجته إلى المستشفى بسبب إصابتها بفيروس كورونا، وخاضت ابنته دعوى طلاق مكلفة جعلتها تحتاج للأموال بشكل عاجل. فاستعمل الرجل البالغ من العمر 74 عاماً من نوتينغهام في وسط إنجلترا بعض أصول العائلة لحل أزماتهم المالية. وقال: "حلّ ذلك المشكلة الطارئة".

إلا أن هذا الخيار ليس بمتناول الجميع. فحوالي 44% من الأشخاص الذين يعتزمون شراء منزل للمرّة الأولى اضطروا لتأجيل خططهم في عام 2020، بحسب استطلاع صادر عن مجموعة "سانتاندر". وقال المسؤول في بنك إنجلترا جون كونليف في خطاب خلال مايو الماضي إن 19% فقط من المستأجرين استطاعوا امتلاك ما يكفي من المدخرات لدفع الدفعة الأولى البالغة 5% بشراء منزل متوسط في المناطق التي يسكنون فيها، وهناك نسبة مماثلة من المستأجرين متخلفين عن دفع الإيجارات والفواتير.

كذلك، تظهر بعض الإشارات المقلقة عن عمليات إخلاء منازل أُقرت عبر النظام القضائي، بعد أن تم رفع الحظر عن إخلاء المنازل في وقت سابق من هذا العام، بحسب جاكي بيكوك التي تدير جمعية تقدم استشارات للمستأجرين تحمل اسم "أدفايس 4 رينتتز" تقع في مقاطعة برنت في لندن، والتي أعربت عن قلقها من اتساع رقعة عمليات الإخلاء مع انتهاء برنامج المساعدات.

حلم شراء منزل.. بات أصعب

أرتوراس ستانيفسكيس هو أحد الحاصلين على الدعم من منظمة بيكوك. وكان الرجل البالغ من العمر 55 عاماً، يبحث عن عمل حين فُرض الإغلاق العام، ويعد قلقه حول تكلفة المعيشة أكبر من قلقه حيال امتلاك منزل. وقد اكتشف أن صاحب المنزل الذي يستأجره غيّر طريقة احتساب استهلاكه للكهرباء، ما أضاف نحو 100 جنيه إلى فاتورته الشهرية، وذلك كان قبل أن يتمكن من إعادة التفاوض مع صاحب المنزل بمساعدة "أدفيس 4 رينترز".

يقول ستانيفسكيس: "لم يكن لديّ عمل أو مال، كان الوضع سيئاً جداً.. لقد كنت سابقاً أجني أموالاً جيدة أو لا بأس بها على الأقل، لكن الادخار ليس بالأمر السهل".يرى ستانيفسكيس أنه ليتمكن من شراء منزل، عليه ربح جائزة اليانصيب أولاً.

في عام 1983، حين بدأت جمعية الأبنية "نايشونوايد بيلدينغ" تسجل البيانات، كان سعر المنزل يوازي 3.4 مرات معدل دخل الفرد في المملكة المتحدة. وقد تضاعف تقريباً هذا المعدل منذ ذلك الوقت إلى 6.6 مرات، حيث شكل الربع الأخير من العام الفترة الأكثر تكلفة لامتلاك منزل في البلاد.

تحاول شركة الإقراض المتخصصة "جينيريشن هوم" التي تأسست في خلال فترة الوباء أن تساعد الراغبين في شراء منازل للمرّة الأولى على تخطي هذه العراقيل من خلال تقديم الاستشارات للعائلات حول الطرق الأسهل لمساعدة أبنائهم على دخول سوق العقارات.

يقول المؤسس الشريك للشركة، ويل رايس: "يحدث التخلّص من دوامة الإيجار تحولاً مالياً لدى الأشخاص". إلا أن أسعار المنازل الحالية لا تشجع على سلوك هذا الاتجاه بدون مساعدة من العائلة أو من الشريك. ويضيف: "إذا كنت فرداً واحداً، سيكون الأمر شبه مستحيل بدون أن تكون من النخبة الذين يجنون إيرادات عالية في البلاد".

مصير مجهول

تنتظر الربانة والكينشاو مصيرها مع انتهاء برنامج المساعدات في 30 سبتمبر، وهي تدرك أنها من المحظوظين. حيث تمضي وقتها في تمشية كلبها والعناية بحديقتها، حيث زرعت الكوسى والفراولة. كما تشغل منصب نائب رئيس رابطة طياري الخطوط الجوية في بريطانيا.

وعلى الرغم من أن امتلاك منزل لا يحميها من الضغوط المالية، إلا أنه يمنحها الأمان لعلمها أن بإمكانها استخدام الربح الذي ستحققه من بيعه للانتقال إلى منزل أصغر.

وتقول: "لو أن قيمته انخفضت وأنا في هذا الوضع لكان الأمر مدمراً روحياً, هكذا أفكر بالموضوع لأبقى متفائلة، حيث أدرك أن الكثيرين في وضع أسوأ من وضعي". وتضيف: "نعم، سأفتقد منزلي، لكن على الأقل سيبقى لديّ سقف فوق رأسي".