أزمة الغواصات أعمق بكثير من الكبرياء الفرنسية

إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، الثاني من اليسار، في زيارة سابقة لأستراليا
إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، الثاني من اليسار، في زيارة سابقة لأستراليا المصدر: غيتي إيمجز
Lionel Laurent
Lionel Laurent

Bloomberg Opinion. Writing my own views on Flag of European UnionFlag of FranceMoney-mouth face(Brussels/Paris/London) here: https://bloom.bg/2H8eH0P Hate-love-mail here: llaurent2 at bloomberg dot net

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يبدو أنَّ دول "الأنغلوسفير" سعيدة بمحوِّ الغضب الفرنسي بسبب عقد الغواصات الأسترالي الذي تمَّ إلغاؤه بقيمة 66 مليار دولار، لأنَّه مزيج من الغيرة، والتحرُّكات المسرحية لحفظ ماء الوجه أمام القاعدة الانتخابية.

واستدعت باريس سفراءها من الولايات المتحدة، وكانبر عاصمة أستراليا، وألغت فعاليات أحداث عدَّة، وطلبت من شركائها الأوروبيين الاستثمار في الدفاع. وردَّاً على ذلك؛ عرض الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إجراء مكالمة هاتفية، وأعرب رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، عن حب "لا يمكن محوه" لفرنسا، أما نائب رئيس الوزراء الأسترالي، فقد أشار إلى حصيلة قتلى دولته في الحربين العالميتين.

اقرأ أيضاً: فرنسا تشعر بخيبة أمل بعد إلغاء أستراليا صفقة غواصات ضخمة

صمت أوروبي

ولا شكَّ أنَّ الصمت الذي يصمُّ الآذان من الدول الأوروبية الأخرى بشأن هذه القضية في نهاية الأسبوع الماضي قد يطمئن التحالف الثلاثي "أوكوس" حول أنَّ غضب فرنسا سيكون قصير الأمد ورمزياً، ويمكن للمرء أن يسمع "دبة النملة" إثر الصمت الحقيقي في ألمانيا، إذ لا يوجد أي شيء يمكن أن يقدِّمه الجدل الدائر حول القادة قبل الانتخابات بشأن الغواصات، أو الجغرافيا السياسية الأوروبية.

في غضون ذلك، تحدَّث رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، بإيجابية عن لقائه مؤخراً مع جونسون في لندن كدليلٍ على "تعزيز" العلاقات مع دولة يعتبرها الفرنسيون العجلة الثالثة لتحالف "أوكوس".

وهو موقف يخاطر بأن يكون مؤيّداً، ويتجاهل القيمة الاستراتيجية طويلة المدى التي رأتها باريس في "عقد القرن" ذلك الذي جعل أستراليا، بجانب الهند، شريكاً رئيسياً في خطط فرنسا لتكون قوة استقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي لدى الدولة فيها حوالي 7 آلاف جندي، و أكثر من 1.5 مليون مواطن.

ولم يكن ذلك مجرد كلام؛ ففي وقتٍ سابق من العام الجاري، أرسلت فرنسا غواصة نووية إلى بحر الصين الجنوبي، ووصفتها بأنَّها استعراض للقوة بالتعاون مع الشركاء، بما فيهم أستراليا.

كما أنَّه يتجاهل الإذلال المزدوج المدمِّر الذي ألحقته حكومة بايدن التي أسعدها ضمان تمزيق هذا العقد بطريقة مخادعة هزلية، وتبدد الوعد بالعودة إلى بناء الإجماع والتعددية في العلاقات عبر الأطلسي بعد رئاسة دونالد ترمب، والانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان قبل بضعة أسابيع فقط هو مثال على ذلك، والذكريات التي خلَّفها ترمب ليست فرنسية فقط، بل أوروبية.

اقرأ أيضاً: لماذا صُدِمت فرنسا من صفقة الغواصات الأمريكية لأستراليا؟

قرن أكثر خطورة

وستصبح المرحلة التالية من هذا الخلاف أقبح، وتلعب فرنسا مرة أخرى دور المنبه الجيوسياسي للاتحاد الأوروبي، محذِّرةً من أنَّ الاتحاد يخاطر بالانجراف إلى قرن أكثر خطورة بدون وسائل حقيقية للدفاع عن مصالحه بخلاف التجارة، لكن هذا النوع من الخطاب عادةً ما يقع على آذان صماء، وتشكُّ دول البلطيق على وجه الخصوص في نوايا فرنسا في هذه المنطقة.

لكنَّ ربط الغواصات بأمن الاتحاد الأوروبي والعلاقات عبر الأطلسي أصبح أسهل، نتيجة تصرُّفات حكومة بايدن، وحتى مع قيام الولايات المتحدة بإلقاء غصن زيتون من نوع ما، عبر رفع حظر كوفيد- 19 المطول على المسافرين الأوروبيين يوم الإثنين، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، لشبكة "سي إن إن"، إنَّ الطريقة التي تمَّ بها التعامل مع فرنسا "غير مقبولة".

اقرأ أيضاً: بعد إلغاء صفقة الغواصات.. أوروبا تدرس طلب فرنسا تأجيل محادثات تجارية مع أمريكا

صراع مع أوروبا

وستستمر باريس في جعل هذا الصراع "أوروبياً"، في حين تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي بدرجات متفاوتة من النجاح، ومن المحتمل أن تصطدم المحادثات التجارية مع أستراليا بجدار من الطوب، ومن المرجح أن تتضرَّر شراكة جديدة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن التجارة والتكنولوجيا، وتشتعل توترات "بريكست" المتخمِّرة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

ولا شيء من ذلك سيُذهب النوم من عيون البيت الأبيض، بالنظر إلى تركيزه على سياسة خارجية يمكن تسويقها للطبقة المتوسطة الأمريكية، ولكن من الصعب أن تفضي إلى إحراز تقدُّم في القضايا العالمية، مثل تغير المناخ، والانتشار النووي، وصعود الصين، لأسباب أقلها أنَّ أستراليا ستضطر حالياً إلى الانتظار لفترة أطول لتجديد أسطولها من الغواصات، ويشير السفير البريطاني السابق لدى فرنسا، بيتر ريكيتس، إلى أنَّ "شقاقاً كبيراً" هناك الآن في قلب الناتو.

التعامل مع بكين

سيكون عامل الصين الآن اختباراً رئيسياً، إذا كانت فرنسا تمتلك حقاً قوة الإرادة والقدرة على حشد كتلة حرجة من الشركاء بعدها. وكان الاتحاد الأوروبي أكثر تناقضاً من الولايات المتحدة بشأن بكين، ووجد تحليل أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أنَّ استراتيجيات فرنسا، وألمانيا، وهولندا في المحيطين الهندي والهادئ قد صوَّرت الصين كشريك أكثر من كونها منافسة، مع تركيز ألمانيا بشكلٍ خاص على الفرص الاقتصادية بدلاً من الأمن.

ويمكن القول، إنَّ العديد من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى ما تزال تهدف إلى حياد هانئ، ومنخفض التكلفة، ويعتقد فريدريك ماورو، وهو زميل باحث مشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية "IRIS"، أنَّ هناك فرصةً لحشد مجموعة أصغر من البلدان في مشاريع دفاعية.

ولا أحد يتوقَّع انطلاق الألعاب النارية هنا، وكما يحب وزير الخارجية الفرنسي السابق، هوبرت فيدرين، أن يقول، يميل الأوروبيون إلى التصرف مثل الدببة الراعية في عالم يبدو بشكل متزايد مثل حديقة الديناصورات، وهذا لن يتغيّر بين عشية وضحاها، لكنَّ "أوكوس" يبدو كأنَّه زئير آخر في الخلاء.