من المسؤول عن عدم تعامل تحالف "أوكوس" وروسيا والصين مع أوروبا بجدية؟

الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أثناء الإعلان عن اتفاقية "AUKUS" الأمنية بين بلاده وبريطانيا وأستراليا بحضور رئيس الوزراء البريطاني جونسون ورئيس الوزراء الأسترالي موريسون
الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أثناء الإعلان عن اتفاقية "AUKUS" الأمنية بين بلاده وبريطانيا وأستراليا بحضور رئيس الوزراء البريطاني جونسون ورئيس الوزراء الأسترالي موريسون المصدر: غيتي إيمجز
Andreas Kluth
Andreas Kluth

Columnist at Bloomberg Opinion. Previously editor-in-chief of Handelsblatt Global; 20 years at The Economist. Author of "Hannibal and Me."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لو يتطلَّب الأمر استخدام تورية لفظية رخيصة من أجل تبليغ المعنى المراد، فليكن ذلك. في العام الماضي، حذَّر أبرز المنتديات العالمية للعلاقات الدولية، وهو مؤتمر ميونيخ للأمن، من "النزعة اللاغربية"، أو "تفتيت مفهوم الغرب". ومنذ صدور تقرير المؤتمر، بات كل شيء ينطوي على هذا الخطر بسبب أنَّ وتيرة تحوُّل العالم إلى عالم "لاغربي" –وبالتالي غير مستقر– مستمرة في تسارعها.

أحدث الدلائل على ذلك هو تحالف "أوكوس" (AUKUS)، ذلك التحالف الجيوسياسي الجديد بين أستراليا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الذي يقوم بوضوح في مواجهة الصين. وهاهو الواقع مرة أخرى؛ عبر قيام المجال الإنجليزي القديم ككيان منفصل يتميز عن الغرب بمفهومه الأوسع. إنَّ تكوين التحالف على هذا النحو ينطوي على فكرة أنَّ روابط اللغة والثقافة القديمة هي ما تجمع بين الدول في القرن الواحد والعشرين، مثلما كانت في القرن العشرين، إذا تعلَّق الأمر بتوجيه تحذير قوي ضد خطر حقيقي.

نستطيع أن نتوقَّع أن تكون فرنسا في ظل الرئيس إيمانويل ماكرون غاضبة ومستفزة بسبب نبذها أو تجاهلها، كما كانت دائماً في ظل الرئيس شارل ديغول، أو أي ديك آخر من ديكة بلاد الغال. ففي إطار تحالف "أوكوس"، ستشتري أستراليا غواصات تعمل بالوقود النووي من أقرانها من الدول الناطقة بالإنجليزية، ولن تلتزم باتفاقها السابق على شراء غواصات تقليدية من فرنسا. وهكذا استدعى ماكرون سفيري فرنسا في واشنطن، وفي كانبيرا، ويستعد حالياً لفترة طويلة من العبوس والمخاصمة.

ماكرون لا يكظم غيظه بعد مذلة صفقة الغواصات

حان الوقت لكي تكون باريس واقعية فالسرية ضرورية في فن الحكم والإدارة

نستطيع كذلك أن نتوقَّع أن نسمع من الرئيس الفرنسي خلال الأسابيع المقبلة عناوين وشعارات مبهمة على غرار "السيادة الأوروبية"، و"الاستقلالية" التي كان يرددها إلى جانب اجتراره العبارة الموحية حول "الموت الدماغي" المزعوم لحلف شمال الأطلسي، وهو أكثر التجليات وضوحاً للتحالف الاستراتيجي الغربي. في تصور ماكرون، ينبغي أن يتحوَّل الاتحاد الأوروبي في النهاية، وقد تخلَّص حالياً من العقبة البريطانية المزعجة، إلى قوة عسكرية جيوسياسية مستقلة ومتميزة على مستوى الولايات المتحدة نفسه، وتحت قيادة فرنسية مفترضة.

درس ليتوانيا

يتلقف صرخة ماكرون الحاشدة العديد من المتشككين عادةً في قليل من العواصم الأوروبية الأخرى، خاصةً بعد انسحاب القوى الغربية انسحاباً مخزياً ومهيناً من أفغانستان. فهنا أيضاً يشعر الأوروبيون أنَّ الأمريكيين قد خانوهم، ولم يكترثوا حتى بمشاورة حلفائهم، والتنسيق معهم تنسيقاً حقيقياً وهم ينسحبون. فمن المنطقي أن تعود الدعوة إلى تشكيل "جيش أوروبي". وتقوم هذه الفكرة المتكررة على أن يبدأ الجيش بوحدة أوروبية من خمسة آلاف جندي باسم "EU 5000"، تتشكِّل من أفراد القوات الخاصة التي كان يمكنها أن تؤمن مطار كابول دون مساعدة أمريكية. فلتغفروا لي نزوعي إلى الشك؛ لكنَّ فكرة "الإسبرطيين الثلاثمائة" لن تتحقَّق أبداً.

مفهوم تماماً أن يشعر الأوروبيون بالإحباط، فلا أحد يأخذهم على محمل الجد، سواء كانوا من أعدائهم مثل روسيا والصين، أو من أصدقائهم مثل الولايات المتحدة وأستراليا. غير أنَّ الأفضل لهم أن يراجعوا أنفسهم بأمانة لاكتشاف أسباب ذلك، بدلاً من حالة الهياج العاجز التي لا تفضي إلى شيء.

وقد يبدأون بتوجيه السؤال إلى ليتوانيا، هذه الدولة التي كانت ذات يوم ضحية للإمبريالية السوفيتية، وأصبحت الآن تفخر بعضوية الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي. وهي كذلك آخر دولة أوروبية تتعرَّض لمعاملة فظة من الصين، بسبب أنَّ فيلنيوس سمحت لتايوان، التي تعتبرها الصين مقاطعة مارقة، بتأسيس مكتب تمثيل لها في ليتوانيا. وفي ردِّ فعل انتقامي، إذا صحَّ التعبير، قامت الصين بسحب سفيرها من ليتوانيا، وفرض قيود على تجارتها معها، وضيَّقت عليها الخناق بشكل عام.

بادرت الولايات المتحدة على الفور إلى تقديم الدعم لليتوانيا. فماذا فعل الاتحاد الأوروبي؟ لم يعرف أعضاء الاتحاد ماذا يفعلون؟. ففي النهاية، بين الدول الأعضاء، و الصين علاقات تجارية ومصالح كثيرة –وألمانيا هي أكبر شركائها التجاريين. وتشعر دول الاتحاد أنَّ ليتوانيا كانت تستطيع انتهاج أسلوب أكثر دبلوماسية. فانتهى الأمر إلى أن يوجه رئيس وزراء سلوفينيا، الذي يتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي في دورتها الحالية، نداءً إلى أقرانه لمساندة ودعم ليتوانيا في اجتماع ينعقد خلال أسبوعين.

الأوروبيون متباعدون

وهكذا تسير الأمور، كل بلد على حدة، وكل أزمة بمفردها، وكل خطر بذاته. فالأوروبيون لاينظرون إلى العالم ومخاطره من المنطلق نفسه، كما أنَّهم لا يشعرون أنَّ مشكلات الغرب شأن مشترك بينهم. فقد أقدمت برلين -بعد أن رفضت جميع التماسات الولايات المتحدة وبولندا ودول أخرى لها- على مدِّ خط أنابيب يربط بينها وبين روسيا، بما تمثِّله كأخطر تهديد مباشر للسلم في القارة. وتعتزم موسكو أن تبدأ ضخ الغاز في خط الأنابيب خلال عدة أسابيع.

وقطعاً؛ فإنَّ صدمة الترمبية في الولايات المتحدة كانت واحدة من أسباب الاتجاه نحو "النزعة اللاغربية". لم يدرك الرئيس دونالد ترمب أبداً مفهوم "الغرب" الذي يتعاون من أجل دعم المجتمع المفتوح والنظام العالمي، ولم يقدِّر ذلك حق قدره. غير أنَّ الأوروبيبن أيضاً يتحمَّلون قدراً مساوياً من المسؤولية عن ذلك. فلم يجهزوا جيوشهم حتى تكون قادرة على خوض حروب حقيقية دون مساعدة الأمريكيين. ولم يتحمَّلوا المسؤولية في إدارة المخاطر الجيوسياسة الكبرى التي تشمل الصين في الوقت الحاضر.

أفضل مثال على ذلك هو ألمانيا. وبفضل وزنها الاقتصادي الكبير، ربما تكون ألمانيا هي الدولة الوحيدة التي تستطيع أن تحفز الاتحاد الأوروبي لكي تصبح أقوى من وضعه الحالي، وبالتالي؛ "مستقبلا". لكنَّها لا ترى مصلحة لنفسها في ذلك. بل وتقوم بالتقتير في الإنفاق على جيشها، وتتظاهر أنَّ مشاكل العالم من شأن الآخرين التعامل معها، ومن شأن الولايات المتحدة بشكل رئيسي. ومن الأمور المشينة والمخزية أنَّ السجالات بين المرشَّحين لمنصب مستشار ألمانيا في انتخابات الأحد القادم لم تتطرَّق للحديث عن السياسة الخارجية، أو السياسة الأمنية على الإطلاق.

اقرأ المزي: بوتين: "نورد ستريم 2" يقترب من خط النهاية

إنَّ الغرب –بمعناه المعياري لا بمعنى المركزية العرقية– يجعل من العالم إجمالاً مكاناً أفضل طالما ظلَّ قائماً، ولذلك؛ فإنَّ تفتيته الذي يجري حالياً يشكِّل خطراً على الاستقرار والسلم. وينبغي على الولايات المتحدة الاستمرار في محاولة إنقاذ الغرب، حتى مع قيام دول أخرى مثل المملكة المتحدة وأستراليا بتجهيز الخطة البديلة. ولكن، في نهاية المطاف، يجب على الأروبيين أن يقرروا ماذا يريدون؛ وبعدها يفعلون ما ينبغي لدعم مصداقيتهم.