شركات أوروبية تحث الصين على الانفتاح وتجنب الانعزالية

الصين تتخذ إجراءات تصعيدية ضد توريد الشركات الأجنبية لأسباب تصفها بـ "الأمن القومي"
الصين تتخذ إجراءات تصعيدية ضد توريد الشركات الأجنبية لأسباب تصفها بـ "الأمن القومي" المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

طلبت شركات أوروبية من الصين أن تنأى بنفسها عما اعتبرته توجهاً للاقتصاد نحو الداخل بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي، مما تسبب في عرقلة نشاطها وفرص نموها داخل السوق الصينية.

قامت الصين بتصعيد سيطرتها على توريد الشركات الأجنبية مكونات ومنتجات تكنولوجية لعملائها في البلاد لأسباب تتعلق بالأمن القومي، بحسب تقرير صدر عن الغرفة التجارية للاتحاد الأوروبي في الصين.

وذكر التقرير أن ذلك يدفع الشركات الأوروبية إلى الاعتماد على السوق المحلية في أعمال التطوير وسلاسل التوريد، ويشكل بيئة تزداد فيها صعوبة ممارسة النشاط.

تمثل الغرفة التجارية للاتحاد الأوروبي ما يزيد على 1700 شركة أوروبية تعمل داخل الصين.

تقييد الابتكار

وتقول الغرفة إن تركيز بكين على بناء صناعة تكنولوجية أساسية مثل صناعة أشباه الموصلات في السوق المحلية في إطار استراتيجية الدوران المزدوج التي تتبناها قد ينتج عنها اختلال كبير في تخصيص الموارد.

وقد يؤدي كذلك عدم التوسع في الانفتاح الاقتصادي وعدم إجراء الإصلاح الهيكلي إلى تباطؤ الابتكار ومعدلات النمو، حسب التقرير الذي صدر اليوم الخميس.

أثناء مؤتمر صحفي عقد مؤخراً، قال رئيس الغرفة جورج واتكه: "أصبح العمل في الصين أكثر صعوبة وتحدياً مما كان منذ عامين أو ثلاثة أعوام. وتواجهنا حالياً مشكلة التناقض بين الاعتماد على الذات الذي تنشده الصين وبين الانفتاح الاقتصادي الذي تتحدث عنه دائماً".

في مارس الماضي، أعلنت حكومة الصين خطة خمسية للنشاط الاقتصادي وضعت على رأس أولوياتها زيادة الإنفاق في مجال البحث والتطوير حتى تتحول البلاد إلى قوة عظمى في صناعة التكنولوجيا.

وتشير الغرفة الأوروبية إلى أن هذه الخطة تثير مخاوف من أن اعتبارات الأمن القومي ربما أصبحت القوة الدافعة في صناعة السياسة الاقتصادية، كما فصلت في تقريرها نحو 930 توصية موجهة إلى الحكومة الصينية.

الأهداف البيئية

يقول التقرير إن الشركات الأجنبية العاملة في مختلف الصناعات تتلقى معاملة تختلف كثيراً فيما بينها.

فمثلاً، تميل الحكومة في سياستها إلى تقديم معاملة تفضيلية للشركات التي تعمل في صناعة الآلات والمواد الكيميائية وأشباه الموصلات وأنشطة توليد الطاقة الخضراء التي تمتلك تكنولوجيا تحتاجها الصين في تحديث القطاعات الصناعية أو تدعيم أهدافها البيئية.

وتعتبر السلطات وجود شركات إنتاج السلع الاستهلاكية ضرورياً لأن وجود المنتجات الأجنبية يحافظ على التنافسية ويزيد المعروض من هذه السلع.

ويستطرد التقرير قائلاً إن عمل الشركات الأجنبية في مجال معدات الشبكات والاتصالات ومعظم الأنشطة الرقمية لا يلقى ترحيباً من الحكومة.

أضاف التقرير أن لائحة تنظيم البنية الأساسية للمعلومات الحساسة التي أصدرتها "إدارة الفضاء السيبراني" في أغسطس على أساس قانون الأمن السيبراني "لها تأثير سلبي كبير".

تشترط اللائحة على شركات توفير معدات وخدمات الاتصالات الأوروبية، وكذلك الشركات التي تنتج برمجيات معينة، أن تخضع لمراجعة أمنية أمام نحو 12 هيئة حكومية قبل أن تعرض خدمات أو معدات جديدة لعملائها.

ويؤكد التقرير أن كثيراً من الشركات تنقل إنتاجها وبحوثها إلى السوق المحلية حتى تتواءم مع المراجعة الأمنية، وبعض الشركات لا تجد بداً من الخروج من السوق.

زيادة الضغوط

قالت الغرفة التجارية إن الشركات الأوروبية تواجه ضغوطاً متزايدة من توجيهات الحكومة التي تشجع الشركات الصينية على اقتناء "تكنولوجيا مستقلة ويمكنها السيطرة عليها" حتى تتجنب الاعتماد على الموردين الأجانب.

وذكر واتكه مثلاً شركة الاتصالات السويدية العملاقة "تليفوناكتيبولاغيت إريكسون" التي فازت بحصة 2% فقط في صفقتها الأخيرة لتوفير حزمة ترددات بقدرة 700 ميجا هرتز لتطوير شبكة الجيل الخامس التابعة لشركة "تشاينا موبايل"، متراجعة عن نسبة 11% حصلت عليها في جولة سابقة، بعد أن منعت السويد شركة "هواوي تكنولوجيز" وشركة "زي تي إي" الصينيتين من المشاركة في مناقصة شبكة الجيل الخامس عندها.

ومنعت الحكومة أيضاً بيع بعض معدات إطفاء الحريق الأوروبية ومعدات الرعاية الصحية إلى عملاء في الصين في بعض المقاطعات، بحسب تصريحات واتكه.

وأضاف: "نأمل أن لا تؤثر هذه السياسة القائمة على الاعتماد على الذات واعتبارات الأمن القومي تأثيراً سلبياً على الابتكار، غير أننا نرى تراجعاً في التنوع، وهو أمر ضروري في تحفيز الابتكار".

انخفاض أعداد الأجانب

ذكر التقرير بيانات أخرى تتعلق بالتعداد كدليل إضافي على اتجاه الصين نحو الانعزالية عن العالم، أوضحت أن عدد الأجانب الذين يعيشون حالياً في بكين وفي شنغهاي انخفض بنسبة 28% إلى نحو 227 ألف نسمة في عام 2020 مقارنة بعام 2010.

ربما يعود جانب من هذا الانخفاض في عدد المقيمين الأجانب في الصين إلى أن كثيراً منهم لم يتمكنوا من العودة بسبب القيود التي فرضت خلال فترة انتشار الجائحة.

يقول تقرير منفصل صدر اليوم الخميس من غرفة التجارة الأمريكية في شنغهاي إن الشركات الأمريكية التي تعمل في الصين كشفت أنها تواجه صعوبات بسبب سياسة البلاد الصارمة في محاصرة فيروس كورونا (سياسة صفر- كوفيد).

وأوضح التقرير أن قيود محاصرة الفيروس عند محاولة دخول الصين سوف تضر بالقدرة التنافسية للبلاد إذا لم تقم الحكومة ببعض المواءمات، مطالباً أن تسمح السلطات للعاملين الأجانب بانضمام أفراد عائلاتهم إليهم في الصين.