هل استعادت نيويورك عافيتها؟ بيانات الجريمة والتوظيف تشير إلى أن الطريق طويل

نيويورك
نيويورك المصدر: بلومبرغ
Justin Fox
Justin Fox

Justin Fox is a Bloomberg Opinion columnist covering business. He was the editorial director of Harvard Business Review and wrote for Time, Fortune and American Banker. He is the author of “The Myth of the Rational Market.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من خلال قراءة عناوين الأخبار هذه الأيام يمكن للمرء أن يشكِّل انطباعاً بأنَّ مدينة نيويورك قد عادت إلى الحياة. يرفع أصحاب العقارات إيجارات الشقق بنسبة تصل إلى 70% من أدنى مستوياتها أثناء الوباء. قالت "غوغل" للتو، إنَّها ستشتري مبنى في وسط مانهاتن مقابل 2.1 مليار دولار، وهي أكبر صفقة مكتبية في الولايات المتحدة منذ بدء انتشار الإصابات بوباء كوفيد-19. كما بلغ عدد ركاب مترو الأنفاق مستويات جديدة في حقبة الوباء.

اقرأ أيضاً: "دويتشه بنك" في نيويورك يشترط اللقاح لدخول مقره

جنون قطاع الإسكان يشعل الأسعار من نيويورك إلى شينزين

في الواقع، قطعت المدينة شوطاً بعيداً عن أيام ربيع 2020 الفظيعة. وفقاً لبضعة مقاييس، مثل إيجارات الشقق بشكل أساسي، فقد عادت المدينة حقاً إلى ما كانت عليه قبل الوباء. ومع ذلك؛ فإنَّها إلى جانب معظم المدن الأخرى، ما تزال على بعد أميال من الشفاء التام.

أكتب هذا، وقد أعترف أيضاً، بأنَّه ردٌّ على ادعاء زميلي نوا سميث في رأي بلومبرغ في سان فرانسيسكو، في الأسبوع الماضي بأنَّ نيويورك "تبرز كواحدة من أكثر مدن العالم مرونة في أعقاب الوباء". بالتأكيد، تبدو حيوية جداً مقارنة بسان فرانسيسكو، إذ لم يعد أحد تقريباً إلى العمل من المكاتب، و ماتزال المناطق السياحية مثل المنطقة المحيطة بميدان يونيون مهجورة (أو على الأقل كان الوضع هكذا عندما كنت هناك قبل بضعة أسابيع). وهي لا تنزلق في الدوامة إلى الأسفل، في تكرار لما حدث في فترة السبعينيات الرهيبة، كما كان يخشى بعضهم ذلك الصيف الماضي. لدرجة أنَّ هناك تلميحات محيرة إلى أنَّها قد تعود أفضل مما كانت عليه -على الأقل هذا ما قلته لنفسي أثناء ركوب الدراجة إلى المنزل عند غسق يوم الأحد بعد أن نزلت من شاحنة "يو هاول" في شرق هارلم (هذه قصة طويلة)، وقابلني مشهد جميل لسكان نيويورك يتناولون الطعام في الهواء الطلق، ويلعبون ويتواصلون مع الآخرين في الشوارع المغلقة، ويتجوَّلون على مركبات ذات عجلتين من أنواع مختلفة.

اقرأ المزيد: فوضى في "وول ستريت" مع إعاقة "دلتا" العودة إلى المكاتب

برغم ذلك، ستواجه مدينة نيويورك صعوبةً في تحقيق المزيد من التقدُّم، من دون تعافي الوظائف، وبشكل أكبر بكثير مما شهدته حتى الآن. انخفضت الوظائف في المدينة بنسبة 19.5% في الأشهر الثلاثة الأولى من الوباء، و ماتزال منخفضة بنسبة 11% تقريباً عن فبراير 2020 على أساس معدل بشكل موسمي. على الصعيد الوطني؛ يبلغ الانخفاض الآن 3.5% فقط، ويُظهر العرض الطويل غير المعدل موسمياً (الأرقام المعدلة موسمياً فقط منذ عام 1990) كيف تبدو الضربة الأخيرة لنيويورك من منظور تاريخي.

نيويورك هي المدينة الوحيدة التي يصدر عنها مكتب إحصاءات العمل بيانات الوظائف الشهرية في الوقت المناسب. إنَّها، وبدلاً من ذلك، توفِّر الأرقام حسب المنطقة الحضرية. ومن بين أضخم خطوط المترو في البلاد، كان مترو مدينة نيويورك الكبرى الأكثر تضرراً، فقد شهدت المدينة خسائر في الوظائف أكبر من ضواحيها.

يقدِّم التعداد الفصلي للتوظيف والأجور الخاص بمكتب إحصاءات العمل، بيانات وظائف أقل دقة زمنياً، وغير معدلة موسمياً بحسب المقاطعة، مما يسمح بمقارنات بين الاثنين، لأنَّ سان فرانسيسكو تحتل مقاطعة بأكملها، فيما تحتل مدينة نيويورك خمس مقاطعات. اعتباراً من فبراير، أظهرت هذه البيانات انخفاضاً في التوظيف بنسبة 14.1% في سان فرانسيسكو مقابل 13.3% في مدينة نيويورك. لكن في مانهاتن كان الانخفاض 16.4%.

في تلك الأثناء، تجاوز معدل ركاب قطارات الأنفاق خلال أيام الأسبوع في مدينة نيويورك أكثر بقليل من50% من معدل ما قبل الجائحة. وهو أعلى بكثير مما شهده النقل عبر "باي إيريا رابيد ترانزيت" (Bay Area Rapid Transit) في سان فرانسيسكو وضواحيها، ومترو واشنطن حتى الآن، وهو مؤشر على مدى اعتماد سكان نيويورك على وسائل النقل العام. لكنَّها تشبه ما يشهده مترو أنفاق لندن تقريباً، وهي أقل بكثير من نسبة أنظمة مترو باريس، وأنظمة السكك الحديدية للركاب في أوائل الصيف.

تقدِّم إحصاءات تنقل المجتمع من "غوغل" طريقة أخرى لمقارنة عدد الأشخاص الذين يخرجون من مكان إلى آخر في جميع أنحاء العالم. في الوقت الحالي، ما تزال الزيارات إلى مؤسسات البيع بالتجزئة والترفيه في مانهاتن (لا يتوافر تقدير على مستوى المدينة لنيويورك) أقل بنسبة أكثر من 36% عن قاعدة ما قبل الجائحة، وهو انخفاض أكبر بكثير مما هو عليه في هونغ كونغ، وبرلين، ومكسيكو سيتي، أو أمستردام.

في غضون ذلك، تُظهر إحصاءات "أوبن تابل" (OpenTable) حول روّاد المطاعم الذين يتناولون طعامهم في المطاعم التي تستخدم خدمة الحجز في نيويورك، حتى مع وجود سان فرانسيسكو بالقرب من الجزء السفلي من المجموعة.

في وتيرة مماثلة، يُظهر مؤشر "بلومبرغ بريت" الخاص بأحجام المعاملات في متاجر "بريت إيه مانجر" (Pret a Manger) للشطائر في المراكز المالية العالمية الكبرى، أنَّ نيويورك متأخرة كثيراً عن لندن، وهونغ كونغ، وباريس. تبدو الصورة أسوأ بالنسبة إلى صناعة السكن في المدينة، إذ توقَّع تقرير حديث من "الجمعية الأمريكية للفنادق والسكن"، و"كاليبري لابز" (Kalibri Labs) انخفاضاً بنسبة 88.4% في عائدات السفر بغرض الأعمال إلى نيويورك في عام 2021 مقارنة بعام 2019. ومن المتوقَّع أن تشهد بوسطن وسان فرانسيسكو فقط انخفاضاً أكبر في النسبة المئوية. في إحصاءات إشغال المكاتب الأسبوعية التي تحتفظ بها "كاستل سيستمز" (Kastle Systems)، بدت نيويورك متقدِّمة على سان فرانسيسكو وسان خوسيه بعدد تمريرات البطاقات الأمنية للمكاتب فقط، و بنسبة 28.1% من القاعدة السابقة للوباء في الأسبوع الذي يقع فيه يوم 15 سبتمبر.

تعدُّ إيجارات الشقق مسألة أخرى بالطبع، إذ يُظهر تقدير قائمة الشقق لمتوسط ​​الإيجارات التي دفعها الذين انتقلوا للسكن مؤخَّراً، أنَّ نيويورك تجاوزت مستويات ما قبل الوباء للمرة الأولى في أغسطس. على عكس سان فرانسيسكو وواشنطن، إذ لم تتعافَ الإيجارات بالكامل. من ناحية أخرى، ارتفعت الإيجارات في مدينة بوكا راتون الساحلية بفلوريدا من 11% أقل من نيويورك إلى 7% أعلى منها خلال فترة الوباء.

إذا كان متوسط ​​الإيجار في نيويورك يبدو منخفضاً بالنسبة إليك، فتذكَّر أنَّها مدينة كبيرة بها خمس مقاطعات، وهناك طرق مختلفة لقياس الإيجارات. تقدِّر "رينت كافيه" (RentCafe) متوسط ​​إيجار الشقق من جميع الأحجام في مانهاتن عند 4072 دولاراً، و مايزال هذا أقل بقليل من الرقم الذي كان عليه قبل الوباء. في الوقت ذاته، تُظهر بيانات سعر الطلب لشركة "زومبر" (Zumper) أنَّ متوسط ​​إيجار غرفة نوم واحدة في نيويورك وصل إلى 2810 دولارات أمريكية في أغسطس، لتتجاوز سان فرانسيسكو كأغلى سوق في البلاد.

عودة الثقة

تعدُّ الإيجارات المتزايدة علامةً على عودة الثقة في مستقبل المدينة، لكنَّها أيضاً مأساوية إلى حدٍّ ما، نظراً لأنَّ معظم سكان نيويورك لا يستطيعون تحمُّل تكاليف شقق بغرفة نوم واحدة تبلغ 2810 دولارات أمريكية. على عكس سان فرانسيسكو وضواحيها (وأكثر من ذلك، منطقة مترو سان خوسيه-سونيفيل-سانتا كلارا إلى الجنوب مباشرة)؛ فإنَّ نيويورك ليست ثرية بشكل خاص. كان متوسط ​​دخل الأسرة في المدينة أعلى بقليل من متوسط الدخل على مستوى الأمة في السنوات الأخيرة، وربما انخفض إلى ما دونه في عام 2020. كانت هناك مؤشرات على أنَّ ارتفاع أسعار العقارات كان يدفع الناس بعيداً عن المدينة قبل انتشار الوباء، واعتبر بعضهم أنَّ تعداد السكان المرتفع بشكل مفاجئ في تعداد 2020 دليل على أنَّ تقديرات التعداد السابقة التي تظهر انخفاضاً في عدد السكان بداية من عام 2016 كانت خاطئة، وأعتقد أنَّ هذه قراءة خاطئة؛ ربما كان الانخفاض السكاني حقيقياً، لكنَّه بدأ للتو من قاعدة أعلى مما كان يُعتقد.

تشكِّل موجة الجرائم العنيفة التي بدأت الصيف الماضي مشكلة أخرى. إنَّها أسوأ في أماكن أخرى بخلاف نيويورك، إذ تتجه جرائم القتل الآن نحو الانخفاض، وتوقُّف معدل جرائم إطلاق النار عن الارتفاع مقارنة بالعام الماضي، لكنَّ المدينة ما تزال أكثر خطورة مما كانت عليه قبل الوباء. كما أنَّها أصبحت أكثر قذارة بسبب التخفيضات في إدارة الصرف الصحي ونقص العمال. وهذا ليس أمراً فريداً من نوعه بالنسبة إلى نيويورك مرة أخرى، ولكنَّه يمثِّل تحدياً كبيراً بشكل خاص هنا. أخيراً، في حين أنَّ عمليات تحصيل الضرائب أصبحت أقوى بكثير مما كان متوقَّعاً في العام الماضي، وأوائل هذا العام، إلا أنَّها ما تزال أقل بمليارات مما ستحتاجه المدينة لدفع فواتيرها عندما تنفد المساعدات الفيدرالية لمواجهة الأوبئة.

مقارنة مع أحداث سبتمبر

أتاحت الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية فرصة للتعجب من قدرة نيويورك على الصمود في الماضي. في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بدت المدينة متضررة بشكل دائم. تكهن بعضهم أنَّ المدن الكبيرة، ومباني المكاتب الشاهقة ستصبح عتيقة الطراز. وبدلاً من ذلك؛ عادت أكبر مدينة في البلاد لصخبها مرة أخرى.

هل ستفعل ذلك مرة أخرى؟ نعم أعتقد ذلك. لكن كوفيد-19 قتل عدداً أكبر من سكان نيويورك، وتسبَّب في أضرار اقتصادية أكثر بكثير من أحداث 11 سبتمبر، كما أنَّ ثورة العمل عن بُعد التي أحدثها كانت بالفعل أوسع مدى ودواماً من رهاب المباني الشاهقة بعد 11 سبتمبر. سيكون طريق نيويورك طويلاً وصعباً نحو التعافي والتصرف، كما لو أنَّنا وصلنا إلى هناك بالفعل، يبدو هذا خطأ كبيراً.