خفض التحفيز لا يعني تضييق الخناق على طابعات نقود البنوك المركزية

أكوام نقود من 50 ورقة لفئة 1 دولار لعام 2017 غير مقطوعة تحمل اسم وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين في آلة في مكتب النقش والطباعة الأمريكي في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة
أكوام نقود من 50 ورقة لفئة 1 دولار لعام 2017 غير مقطوعة تحمل اسم وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين في آلة في مكتب النقش والطباعة الأمريكي في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يبدو أنَّ السياسة النقدية العالمية ستظل مُيسرة للغاية بحلول عام 2022 حتى مع اقتراب البنوك المركزية من تخفيض برامج الدعم الطارئة في مواجهة ضغوط التضخم المتزايدة.

قال بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسبوع الماضي، إنَّه سيبدأ تقليص مشترياته الضخمة من السندات في شهر نوفمبر المقبل، وألمح بنك إنجلترا المركزي للمرة الأولى إلى أنَّه قد يرفع أسعار الفائدة هذا العام. أصبحت النرويج أول اقتصاد متقدِّم يرفع تكاليف الاقتراض، كما تمَّت زيادة تكاليف الاقتراض في البرازيل، وباراغواي، والمجر، وباكستان.

اقرأ المزيد: الوباء مازال ينهش الاقتصاد.. هذا ما سمعه باول في جلسات استماع الاحتياطي الفيدرالي

يأتي وراء هذا المحور شعور بأنَّ التضخم يثبت أنَّه أكثر عناداً، مع رفع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توقُّعاتها لتظهر ارتفاع أسعار المستهلك بنسبة 3.7% في مجموعة العشرين في عام 2021، و3.9% العام المقبل.

عوامل مؤثرة

ترهق سلاسل التوريد كل شيء، بداية من قطاع أشباه الموصلات، ووصولاً إلى قطاع السيارات، كما أنَّ أسعار المواد الغذائية والطاقة آخذة في الارتفاع، وتظهر بعض أسواق العمل بالفعل نقصاً في المهارات، ويصعد الطلب بعد عمليات الإغلاق.

في الوقت نفسه؛ فإنَّ الانتعاش العالمي ليس آمناً، مما يعقِّد مهمة رؤساء البنوك المركزية لدرجة أنَّ بعضهم يواجه احتمال الركود التضخمي المحدود، إذ يرتفع التضخم، ويتباطأ التوسُّع وسط انتشار سلالة متحوِّل "دلتا"، ومع استمرار عدم تطعيم الكثيرين. أعلنت الشركات المصنِّعة العالمية الأسبوع الماضي استمرار تباطؤ النشاط.

تباين

هناك تباين أيضاً. لم يقدِّم بنك اليابان الأسبوع الماضي أي مؤشر على سحب خطط التحفيز المالي، في حين ضخَّ بنك الشعب الصيني أكبر قدر من السيولة قصيرة الأجل في ثمانية أشهر في النظام المالي، إذ أبقت مجموعة "إيفرغراند"، العملاقة الصينية العقارية المحاصرة، الأسواق في حالة توتر.

عارض البنك المركزي الأوروبي اقتراحات الخفض التدريجي، بل أثار أحد المسؤولين إلى احتمالية زيادة مشترياته المنتظمة من الأصول بمجرد إنهاء برنامج الجائحة. خالفت تركيا الاتجاه العالمي الأسبوع الماضي بخفض أسعار الفائدة، وإن كان ذلك وسط ضغوط من حكومتها.

التضخم البريطاني يسجل في أغسطس أكبر زيادة شهرية في 24 عاماً

كما أنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد غَيَّر استراتيجيته منذ أن كان يرفع أسعار الفائدة في آخر مرة، مجادلاً الآن أنَّه من المقبول السماح للاقتصاد الأمريكي بالعمل بطريقة أكثر توهجاً من المعتاد، على أمل أن يؤدي ذلك إلى انخفاض معدل البطالة، وجلب المزيد من العمالة إلى القوة العاملة.

وبالتالي..

النتيجة هي أنَّه في حين أنَّ بعض رؤساء البنوك المركزية في الدول الغنية قد يستعدون للضغط على المكابح، كما أنَّ العديد من الأسواق الناشئة، تقوم بالفعل بتشديد سياستها؛ فإنَّ السياسة النقدية الميسرة للغاية ستستمر على مستوى العالم لفترة من الوقت.

يتوقَّع الاقتصاديون في "مورغان ستانلي تشيس آند كو" أن تواصل البنوك المركزية في الأسواق المتقدِّمة إضافة صافي أصول بقيمة 1.5 تريليون دولار إلى ميزانياتها العمومية في العام المقبل، وتصعد المعدلات العالمية 11 نقطة أساس فقط خلال العام المقبل إلى متوسط 1.48%، وما يزال حوالي 80 نقطة أساس أقل من مستوى ما قبل وباء فيروس كورونا .

مايزال الارتفاع التراكمي في معدلات الفائدة الأساسية العالمية حتى الآن أقل من دورات الصعود السابقة، مما يعني أنَّ معظم البنوك المركزية ستظل داعمة في العام المقبل، وفقاً لتحليل أجراه الاقتصاديون في "يو بي أس غروب".

الفيدرالي يرجح رفع معدلات الفائدة في 2022 والاقتراب من تقليص شراء الأصول

قال جيروم جان هيجيلي، كبير الاقتصاديين في "سويس أر إي أيه جي" في زيورخ، وصندوق النقد الدولي سابقاً: "سياسات البنك المركزي ماتزال قائمة على المنشطات".

ومع ذلك؛ يتجه المستثمرون إلى تغيير في النغمة وسط مخاوف من أنَّ ارتفاع الأسعار الذي تمَّ رفضه سابقاً باعتباره أمراً مؤقتاً، يبدو الآن أنَّه يتمتَّع بقدرة أطول على البقاء.

وفقاً للمقياس المفضَّل لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي؛ كان التضخم في الولايات المتحدة 4.2% في 12 شهراً حتى شهر يوليو الماضي، وهو أعلى بكثير من هدف البنك المركزي البالغ 2%. يتوقَّع بنك إنجلترا المركزي الآن أن يتجاوز التضخم هدفه أيضاً، ويسجل 4%.

توقَّع محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في "أليانز أس أيه"، وكاتب عمود في قسم "رأي بلومبرغ"، أنَّ البنوك المركزية الأخرى ستضطر قريباً إلى اتباع بنك إنجلترا المركزي من خلال قبول تقييم أكثر واقعية لما ينتظره التضخم في المستقبل.

ماذا يقول خبراء "بلومبرغ إيكونوميكس"

قال كلٌّ من آنا وونغ، وتوم أورليك، وديفيد دبليو ويلكوكس: "قد يؤدي توجيه ضربة للتوقُّعات الاقتصادية إلى تأجيل رفع أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأجل غير مسمى، مع نقل التوقُّعات من عام 2023 إلى عام 2024 أو ما بعده. يعدُّ اختبار الخفض التدريجي أقل تشدداً، ويبدو أنَّ البداية في نهاية هذا العام قريبة من تحقيقها. ومع ذلك؛ إذا تعثَّر الانتعاش الاقتصادي، فقد يتعيّن على بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إجراء تصحيح للمسار، مع إدخال قدر من التحفظ في عملية تتوقَّع الأسواق حدوثها بطريقة طبيعية".

قد يتبدَّل موقف آخرون قريباً. من المقرر أن ترفع المكسيك وكولومبيا أسعار الفائدة هذا الأسبوع، في حين قد تبدأ نيوزيلندا، وجنوب إفريقيا في تشديد سياستها النقدية قبل نهاية العام.

من المحتمل أن يعتمد مسؤولي البنك المركزي إزالة خطر التضخم في محاولة لاحتواء التوقُّعات. ولن يؤدي التحذير من معدل أسعار فائدة أساسية أعلى هيكلياً إلا إلى ترسيخ التوقُّعات، وفقاً لتريزا كونغ، مديرة محفظة في شركة "ماثيوز إنترناشونال كابيتال مانجمنت إل إل سي" في سان فرانسيسكو.

قالت تريزا: "هذا في حد ذاته يمكن أن يؤدي إلى توقُّعات تضخم أعلى، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى نبوءة تتحقَّق من تلقاء نفسها". تابعت: "الخطر هو أنَّ البنوك المركزية ستتحوَّل إلى تشديد السياسة النقدية في وقت أقرب مما تشير إليه".

المركزي الأوروبي يبقي الفائدة صفرية ويستمر بشراء السندات

مهما فعلت، ستحتاج البنوك المركزية إلى السير بحذر، بسحب ما ذكر جيمس روسيتر، رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي العالمية في شركة "تي دي سيكيوريتيز". من بين المخاطر التي حدَّدها في تقرير حديث للعملاء، هناك المبالغة في ردِّ الفعل تجاه تجاوزات التضخم المؤقتة، مما يؤخِّر تشديد السياسة النقدية جراء مخاوف النمو حتى فوات الأوان، والمضي قدماً في اللحظة نفسها التي تشدِّد فيها الحكومات السياسة المالية.

قال: "يحوِّل رؤساء البنوك المركزية اهتمامهم الآن إلى إزالة التحفيز النقدي المرتبط بوباء مرض كوفيد". أضاف: "في حين أنَّ هذه العملية معروفة جيداً، فمن غير المرجح أن تسير هذه العملية بسلاسة، كما تأمل البنوك المركزية والأسواق".