قيمتها تريليونا دولار.. معركة السيطرة على سوق العملات المشفرة تشتعل

مهندسان يقومان بأعمال صيانة وضبط إحدى المنصات في مزرعة تعدين العملات المشفرة في روسيا
مهندسان يقومان بأعمال صيانة وضبط إحدى المنصات في مزرعة تعدين العملات المشفرة في روسيا المصور: أندريه روداكوف / بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا يتعلَّق حظر الصين للعملات المشفَّرة بتوقُّعها فشل هذه الأصول الرقمية، بل يعود ذلك لرغبة بكين بأن تكون ممسكة بزمام الأمور بنشاطٍ يبلغ حجمه تريليونات الدولارات.

من خلال خطوتها المتشدِّدة الأخيرة، انضمَّت الصين إلى قائمة صغيرة من الدول التي تحظر العملات المشفَّرة، على عكس السلفادور التي اعتمدت "بتكوين" عملةً رسميةً هذا العام، وهي خطوة حظيت بإشادة "مؤيدي التحرر"، والمؤمنين بعملة "بتكوين".

أمّا في الولايات المتحدة، حيث يُسمح بتداول العملات المشفَّرة تحت أنظار الجهات التنظيمية، فيرى بعضهم فرصة في حملة إجراءات الصين الصارمة.

اقرأ أيضاً: بعد الحظر الأخير... هل وجّهت الصين الضربة القاضية للعملات المشفرة؟

فقد جاء في تغريدة للسيناتور بات تومي: "تُعدُّ حملة الصين السلطوية على العملات المشفَّرة، بما في ذلك عملة "بتكوين"، فرصة كبيرة للولايات المتحدة، إذ إنَّها تذكِّر بتفوُّق ميزتنا الهيكلية الضخمة على الصين".

سيكون فهم الأبعاد العديدة لهذه المعركة متعددة الجوانب للسيطرة على السوق أمراً أساسياً لملايين المستثمرين الذين يأملون في الاستفادة من هوس العملات المشفَّرة.

ومن المقرر أن يتردد صدى المعركة عبر النظام المالي العالمي، إذ ترد كل يوم أخبار منتجات مالية، مثل الصناديق المتداولة في البورصة لعملة "بتكوين"، والرموز المشفَّرة ذات الأسماء الغريبة، وأصول عملات الرموز المشفَّرة غير القابلة للاستبدال (NFT). ويشارك في تلك العمليات الأثرياء، كما تتبنّاها مؤسسات مالية كبرى.

معدّنو "بتكوين" يجوبون العالم بحثاً عن "مأوى" ومصادر طاقة

على نطاقٍ أوسع؛ ستؤثِّر المعركة أيضاً على المناقشات الاجتماعية والثقافية حول كل شيء، بدءاً من تغيّر المناخ وصولاً إلى عدم المساواة، ومن التجارة وصولاً إلى العملات الورقية. من المحتمل أن يكون لأداء أكبر اقتصادين في العالم - الولايات المتحدة والصين - تأثير بعيد المدى في جهودهما لمراقبة هذه السوق.

ويَعتبر مات هوغان، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "بيتوايز أسيت مانجمنت" (Bitwise Asset Management)، أنَّ "العملات المشفَّرة أصبحت أكبر من أن نتجاهلها". مُضيفاً: "قبل خمس سنوات، على الأقل في أذهان الجهات التنظيمية؛ كان الأشخاص المعنيون بالعملات المشفَّرة يرتدون سترات ذات قلنسوة، و يلعبون لعبة "دانجيونز أند دراغنز"، ويتداولون فيما بينهم. أما اليوم؛ فإنَّها صناعة تصل قيمتها إلى تريليوني دولار، ويساعد كل بنك رئيسي في "وول ستريت" المستثمرين على الانكشاف عليها. وبالتالي؛ على الجهات التنظيمية الآن التعامل معها ".

قوانين العملات المشفرة

أزعجت الصين الأسواق المالية هذا الأسبوع بإعلانها أنَّ جميع المعاملات المتعلِّقة بالعملات المشفَّرة ستُعدُّ غير قانونية، مردّدةً صدى معايير أقل حسماً، يعود تاريخها إلى عام 2013، إذ تمَّ اتخاذ إجراءات ضد تداول العملات الأولية، وعمليات تبادل العملات المشفَّرة، وتعدين العملات المشفَّرة، قبل أن تصبح فيها البلاد الرائدة عالمياً.

كما تهدف الحكومة الصينية إلى إطلاق العنان لعملتها الرقمية بدلاً من ذلك.

إنَّها واحدة من 81 دولة تستكشف عملاتها الرقمية الخاصة، وهي قائمة بدأت مع فنزويلا وإستونيا، و تضمُّ القائمة ​​الآن دولاً أكبر، بما في ذلك الصين البالغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، ومن المرجح أن تبدأ بطرح العملة الرقمية "اليوان" على نطاق عالمي في الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين في عام 2022، وهو احتمال جعل بعض السياسيين الأمريكيين يرغبون في حظر الرياضيين الأمريكيين من استخدام العملة الإلكترونية أثناء وجودهم هناك.

معركة "كوين بيس" مع "هيئة الأوراق المالية" ترفع تكلفة حرب التشفير في واشنطن

نيكولاس كريستين؛ الأستاذ المساعد في جامعة كارنيغي ميلون: "بالنسبة للصين، يعتقد أنَّه "من الواضح تماماً أنَّهم يريدون الترويج لعملة اليوان الرقمي، وأنَّهم ببساطة يتولّون أمر المنافسين لها".

قالت الصين، إنَّ 10 وكالات تنظيمية، بما في ذلك البنك المركزي، ستعمل معاً لتعقُّب النشاط المرتبط بالعملات المشفَّرة. حتى أنَّه بموجب الحظر يُمنع على البورصات الخارجية تقديم الخدمات لمستثمري البر الرئيسي الصيني.

بدوره، قال راندال كروسزنر، نائب عميد كلية الأعمال بجامعة شيكاغو بوث، والرئيس السابق لمجلس نظام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إنَّ تحرُّكات الصين على مدى السنوات القليلة الماضية كان لها بالفعل ذلك التأثير عبر تقليل أحجام التجارة المحلية، مضيفاً "حتى مع استخدام خدمة شبكة الإنترنت الخاصة الافتراضية (VPN)؛ قد يكون الاتصال بالإنترنت صعباً للغاية، ويمكن أن يتباطأ".

في حين يشير هوغان من شركة "بيتوايز" إلى أنَّ الحكومات تتخذ إجراءات صارمة ضد العملات المشفَّرة لسببين؛ أولهما: هم يريدون كبح تعدين العملات المشفَّرة، وهي عملية الحوسبة كثيفة الاستهلاك للطاقة التي ينطوي عليها توليد العملة المشفَّرة، والتحقق من المعاملات. والسبب الآخر، وربما الأهم، ومردُّه إلى أنَّهم يريدون أن يكونوا قادرين على مراقبة هذه العملات، وإلغاء أي تحدٍّ لعملاتهم الرقمية المحلية.

نهج غاري غينسلر

في الولايات المتحدة، كانت الاستراتيجية التنظيمية للحكومة مختلفة. إذ يهدف نهجها إلى محاولة تجنُّب المشكلات، وفقاً لكريستين من جامعة "كارنيغي ميلون". على سبيل المثال؛ عرقلت الحواجز العالية تاريخياً الدخول لأنواع معينة من المعاملات في السوق المالية، ولكن لا توجد مثل هذه الضوابط الصارمة لتداول العملات المشفَّرة. وهذا يترك الباب مفتوحاً للمستثمرين عديمي الخبرة للقيام بصفقات عالية الائتمان، يمكن أن تؤدي إلى خسائر مالية كارثية محتملة.

ويتابع كريستين: "الآن بالطبع هناك منهجية فكرية، مفادها أنَّ الناس يجب أن يكونوا قادرين على فعل ما يريدون، لأنَّها في النهاية؛ أموالهم الخاصة. لكن السؤال هو ما إذا كان الكثير من الأشخاص من المستثمرين الأفراد، و من المنخرطين في هذه الأسواق مؤهلين بالفعل للحكم على المخاطر بشكل عقلاني، بدلاً من الانخراط في سلوك شبيه بالمقامرة".

هل يقضي اعتماد السلفادور "بتكوين" على مستقبل العملات المشفرة؟

يشير رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية ، غاري غينسلر، الذي أطلق على العملة المشفَّرة اسم "غرب متوحش"، إلى وجود نظام رقابي قوي على القطاع. وكان برنامج الإقراض المزمع لشركة "كوين بيز غلوبال" (Coinbase Global)، الذي كان من شأنه أن يتيح للمستخدمين كسب 4% من خلال إقراض الرموز المشفَّرة الخاصة بهم، نقطة مضيئة في التوترات المتزايدة بين الجهة المنظِّمة والقطاع.

الرئيس التنفيذي لشركة "بلوك في زاك" (BlockFi Zac) زاك برينس، أعلن مؤخَّراً أنَّ "لجنة الأوراق المالية، والبورصات الأمريكية، والجهات التنظيمية الأخرى بحاجة إلى توضيح ماهو المسموح به.

في الواقع؛ كان غينسلر مهتماً بعالم العملات المشفَّرة على مدى سنوات، ودرَّس فصلاً متصلاً بها بكلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، و يسمى "سلسلة التوريد والأموال". حتى أنَّه أشار إلى مسار للجنة الأوراق المالية والبورصات للموافقة على صندوق متداول في البورصة لتتبُّع عقود عملة "بتكوين" الآجلة.

يعدُّ الحذر من قبل الجهات التنظيمية أمراً مفهوماً، خاصة بعد أن نهب المحتالون مليارات الدولارات في مخططات ضخِّ العملات المشفَّرة وإغراقها، باستخدام تكتيكات لا تعدُّ، ولا تحصى لجذب المستثمرين الجاهلين.

أما برأي جيمس سيفارت، المحلل في شركة "بلومبرغ إنتليجنس"؛ فإنَّ "الحكومة قلقة بشأن حماية المستهلك"، مضيفاً أنَّ "الولايات المتحدة لا تحظر في العموم التكنولوجيا الجديدة، فهي عادة ما تتبنّى الابتكار، وستكون هناك لائحة تنظيمية جديدة، لكنَّهم يحتاجون فقط إلى إعطاء التوجيه للناس".

يقول وزير الخزانة الأمريكي السابق، لورانس سمرز، إنَّه بدلاً من مقاومة عمليات التنظيم؛ يجب على قطاع العملات المشفَّرة أن يتبنَّاها لمصلحته.

سامرز أضاف في مقابلة على تلفزيون بلومبرغ، أنَّه نظراً للمبالغ المالية الكبيرة التي تنطوي عليها سوق العملات المشفَّرة؛ فمن غير الواقعي أن يتوقَّع القطاع العمل في سرية دون إشراف حكومي، موضِّحاً أنَّ قطاع العملات المشفَّرة يجب أن يتخلى عن فكرة أنَّها ستعمل كـ"جنة للتحرر"، إذ لا يمكن فرض القواعد الحكومية.