"إيفرغراند".. واحدة من نقاط الصين العمياء

المباني السكنية والمرافق الترفيهية لمجموعة Evergrande في مقاطعة جيانغسو، الصين. انزلقت أسهم المجموعة في أسواق الأسهم والائتمان، مما أثار مخاوف بشأن انتشار العدوى بعد أن قالت وكالة S&P إن المطور على وشك التخلف عن السداد.
المباني السكنية والمرافق الترفيهية لمجموعة Evergrande في مقاطعة جيانغسو، الصين. انزلقت أسهم المجموعة في أسواق الأسهم والائتمان، مما أثار مخاوف بشأن انتشار العدوى بعد أن قالت وكالة S&P إن المطور على وشك التخلف عن السداد. المصدر: بلومبرغ
 Anjani Trivedi
Anjani Trivedi

Anjani Trivedi is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies in Asia. She previously worked for the Wall Street Journal.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حتى أكثر المستثمرين حِذقاً فوجئوا بسرعة تفكك مجموعة "إيفرغراند". لم يكن يجب عليهم أن يكونوا كذلك: فلطالما كانت المتاعب تختمر في الشركات المسجلة في الصين، حيث ضعفت الميزانيات العمومية في ظل التعافي الاقتصادي الصعب. قد تكون هذه بمثابة أسوأ نقطة عمياء لدى بكين حتى الآن.

في أكثر من 1100 شركة مدرجة في قطاعي الصناعة والتصنيع في الصين، تتراكم المستحقات؛ أصبحت دورات تحويل النقد أطول (أي الوقت المستغرق لتحويل استثمارات المخزون إلى نقود)؛ وأظهر تحليل "رأي بلومبرغ" أن مستويات صافي الديون قصيرة الأجل أصبحت متقلبة بشكل متزايد.

"فيتش" تخفض تصنيف "إيفرغراند" من جديد مع اقتراب مواعيد دفع كوبونات السندات

رأس المال العامل

دون شك، يمثل الوباء تحدياً. إذ استخدم المسؤولون إجراءات تحفيزية ضخمة لإبقاء المكاسب قادرة على الأقل على تغطية التكاليف التشغيلية الأساسية، وللحفاظ على سريان عمل خطوط الإنتاج التابعة للشركات المسجلة في الصين. ومع ذلك، كان الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لما يقرب من 40 مليون شركة صغيرة ومتوسطة الحجم. إذ كانت الصعوبات التي واجهتها - بما يشمل ضعف الوصول إلى النقد، وتأزم رأس المال العامل – ترجع إلى ما قبل حقبة كوفيد-19. الأمر المثير للقلق هو كيفية وصول شركات بر الصين الرئيسي إلى هذا الموقف عالي الخطورة في المقام الأول.

الأسهم العالمية المتضررة من أزمة ديون "إيفرغراند" الصينية

ينتظر الموردون الصينيون وقتاً طويلاً للحصول على دفعاتهم من عملائهم، مما يقلص رأس مالهم العامل. حتى في الأوقات الجيدة التي سبقت الوباء في عام 2019، استغرق الأمر ما يقرب من 92 يوماً في المتوسط، مقارنة بـ 51 يوماً في الولايات المتحدة. ولسد فجوة التمويل هذه، لجأت الشركات بشكل متزايد إلى تمويل سلسلة التوريد – أي بدلاً من انتظار الحصول على أموال، تذهب الشركات إلى طرف ثالث يسلمها النقود في وقت أقرب. ومن الفوائد الكبيرة أن الشركات التي تكافح من أجل الاقتراض يمكنها استخدام أصولها كضمان، مما يساعد على كسر الحلقة المفرغة لضعف الجدارة الائتمانية.

تمويل سلاسل التوريد

لكن في اللحظة التي يصبح السداد فيها مشكلة، يتقلص الائتمان. وتظهر التشققات بسرعة في أعلى وأسفل سلسلة التوريد. (فكر في: كارثة "غرينسيل كابيتال").

هذا ما حدث في النهاية مع "إيفرغراند". يشكل المخزون جزءاً كبيراً من رأس المال العامل، ومع تدهوره، تراكمت الفواتير. (وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فإن الضغوط التمويلية ضربت مطور العقارات في وقت مبكر من أبريل). وبالإضافة إلى الديون التي أخذتها الشركة من قنوات التمويل السائدة، اعتمدت "إيفرغراند" على البائعين وأجزاء أخرى من سلسلة التوريد الخاصة بها - مشتري الشقق والعملاء. حتى أنها ضغطت على موظفيها، الذين طُلب منهم الاستثمار في منتجاتها لإدارة الثروات. ففي مقابلة لصحيفة نيويورك تايمز، قالت الإدارة إن استثمارات الموظفين كانت جزءاً من "تمويل سلسلة التوريد" وستسمح لمجموعة "إيفرغراند" بتسديد مدفوعات لمورديها.

بدورها، تحولت الشركات في المشهد الصناعي الصيني إلى ترتيبات مماثلة للتخفيف من مشاكل التمويل. وانفجر تمويل سلسلة التوريد على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث تضخم إلى 17.4 تريليون يوان (2.69 تريليون دولار) بحلول عام 2019، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 10.6% منذ عام 2015. وقد نشطت البنوك، إلى جانب شركات الائتمان، وشركات التأمين وغيرها من المؤسسات المالية غير المصرفية الأخرى.

لماذا سمحت الصين لـ"إيفرغراند" بالاستمرار لفترة طويلة؟

حدث هذا النمو جزئياً لأن المنظمين شجعوه. إذ وضع صانعو السياسات إرشادات لتعزيز تمويل سلسلة التوريد في وقت مبكر من عام 2017. وعندما كانت بكين تتخذ إجراءات صارمة تجاه "الظل المصرفي"، لجأت الشركات إلى مورديها وعملائها. فوفقاً لـ"تشاينا انسايتس للاستشارات" صعد إجمالي الحسابات المستحقة الدفع لأقوى الشركات الصينية بين عامي 2015 و2019، إلى 30.2 تريليون يوان من 17 تريليون يوان، بمتوسط 5-6.7 مليار يوان للشركة الواحدة.

ساهمت قيود بكين المالية ومحاولاتها في اتباع نهج أكثر انضباطاً تجاه الائتمان في زيادة عملية الدفع هذه. وحتى بالنسبة لتلك الشركات التي لديها إمكانية الوصول إلى رأس المال، كان الأمر مكلفاً.

قيود بكين التنظيمية ستدوم حتى 2025

من الناحية النظرية، فإن هذا الشكل من التمويل قصير الأجل لديه إمكانات في الصين، التي هي موطن لبعض الشركات الحكومية الكبيرة والمتماسكة، وللمقترضين من الدرجة الممتازة. تعتمد الممارسة على ما يسمى بـ"المؤسسات الراسخة" التي تقدم الدعم للموزعين والموردين في أسفل السلسلة. لكن السوق بدأت تبدو كبيرة وغير عملية. في العام الماضي، أصدر المنظمون توجيهاً لتكثيف التدقيق. ففي شهر يونيو، قالت وسائل الإعلام الحكومية، نقلاً عن البنك المركزي، إن الصين ستعزز التنمية الموحدة لتمويل سلسلة التوريد لتوسيع القنوات للشركات الصغيرة والمتوسطة "وضمان تدفق المزيد من الأموال إلى الاقتصاد الحقيقي".

في ظل هذه الخلفية، يتعرض المصنعون للضغط. وعلى الرغم من أن هذا الضغط ربما ليس على نطاق "إيفرغراند". لكن حتى لو كان لدى نصف الشركات الصغيرة والمتوسطة في الصين فقط مشكلات في رأس المال العامل التي أثرت على تمويل سلسلة التوريد، فقد ينتهي الأمر ببكين في مواجهة أزمة ملاءة. إذ إن السداد يعتمد في النهاية على صحة مبيعات الشركات: ولا يبشر انخفاض الطلب وتباطؤ الأرباح الصناعية بالخير.

بنك الشعب الصيني يواصل ضخ السيولة مع تفاقم المشكلات بين أقران "إيفرغراند"

إن حل هذه التحديات ودعم الميزانيات العمومية ليس في صدارة ما يدور في ذهن بكين حتى الآن. وعندما سيفكرون ملياً للتوصل إلى حل، فإن ضخ الائتمان لن يكون خياراً - وهذا ما كان المسؤولون يفعلونه لسنوات، ولم يملأ الثغرات الصحيحة أبداً. يتعين على الشركات القيام بدورها أيضاً.

إذا كان هناك درس واحد يستخلص من "إيفرغراند"، فهو أنه بشكل أكبر من مستويات الديون المتضخمة في الصين، أصبح رأس المال العامل ذا مخاطر أكثر وغموض أشد.