لا يمكن لأمريكا هزيمة التكنولوجيا الصينية من خلف ستار حديدي

شعار عملاقة تكنولوجيا الاتصالات الصينية هواوي
شعار عملاقة تكنولوجيا الاتصالات الصينية هواوي المصدر: بلومبرغ
Noah Smith
Noah Smith

Noah Smith is a Bloomberg Opinion columnist. He was an assistant professor of finance at Stony Brook University, and he blogs at Noahpinion.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لن يُنهي انتخاب جو بايدن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. فقد تعهد الرئيس الأمريكي المنتخب بالإبقاء على التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب كوسيلة ضغط خلال المُفاوضات، مما يشير إلى فجر حقبة جديدة دائمة من المُنافسة الاقتصادية بين القوتين العُظمتين.

ولكن بعيداً عن مسألة التعريفات الجمركية والصفقات التجارية البرّاقة التي تتصدر عناوين الصحف، هناك صراع اقتصادي آخر أكثر أهمية يجري خوضه، وهو معركة السيطرة على الصناعات التكنولوجية، حيث تنشر الولايات المتحدة بعض الأسلحة شديدة الخطورة كي تفوز في هذه المعركة.

المال لم يعُد سلاحاً

بينما تقترب الصين من التكافؤ التكنولوجي مع الولايات المتحدة في مجموعة مُتنوعة من الصناعات عالية القيمة، عملت الولايات المتحدة للحفاظ على سيادتها. حيث صعّدت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS) جهودها بشكل كبير لعرقلة عمليات الاستحواذ الصينية على الشركات الأمريكية في عهد ترمب، والتي كانت وسيلة الصين الرئيسية للحصول على التكنولوجيا المُتقدمة. وعلى الرغم من أن الأمن القومي هو المُبرر الرسمي لذلك، فإن الاحتفاظ بالهيمنة التجارية للولايات المُتحدة يُشكل دون أدنى شك هدفاً إضافياً.

وعلى الأغلب فإن النهج الصارم المُتّبع من قِبل لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة سيستمر في عهد بايدن. وربما تكون هذه خطوة ذكية، حيث لا يملك المُستحوذون الصينيون الكثير ليقدموه لصناعة التكنولوجيا الأمريكية باستثناء رأس المال، الذي هي فعلاً مغمورة فيه، بفضل أسعار الفائدة المُنخفضة والتدفُقات المُستمرة للأموال الأجنبية والمحلية. ولكن الأمر الأقل ذكاءً هو سلاح ترمب الكبير الآخر ضد صناعة التكنولوجيا الصينية، ضبط التصدير.

إذ تمنع ضوابط التصدير الشركات الأمريكية من بيع التكنولوجيا للشركات الصينية. وعلى الرغم من أن الصين تقدّمت في هذا المجال، إلا أن شركاتها الرئيسية لا تزال تعتمد على العديد من مُنتجات الأجهزة والبرامج المُتخصصة التي يتم إنتاجها فقط من قبل واحدة أو اثنتين من الشركات عالية التخصص في الولايات المتحدة أو الدول المُتقدمة الأخرى. وأبرز مثال على ذلك، المُعدات المُستخدمة في صناعة أشباه الموصلات، إذ يمكن من أن يؤدي منع تدفق هذه المنتجات من أمريكا إلى الصين لإعاقة أعمال العديد من الشركات الصينية بشدّة.

نموذج كبح هواوي

تم استخدام هذا السلاح لأول مرة ضد شركة "هواوي"، الشركة الرائدة في مجال تصنيع مُعدات الاتصالات في الصين والمُنافسة القوية في السباق لتزويد تقنية الجيل الخامس (5G)، ولفترة من الزمن بدا الأمر كما لو أن ترمب قد رضخ، لكنه اتخذ إجراءات أكثر صرامة هذا الخريف.

ونجحت هذه الضوابط في الإضرار بأعمال "هواوي" بشكل كبير، على الأقل على المدى القصير. ومن الواضح أن ذلك شجع ترمب على مضاعفة تكتيكه.

وكانت إدارة ترمب قد وسّعت مؤخراً ضوابط التصدير إلى أكثر من 60 شركة صينية، بما في ذلك صانعة أشباه الموصلات SMIC وشركة صناعة الطائرات بدون طيار DJI"، حيث كان التبرير الرسمي هو علاقة هذه الشركات بالجيش الصيني.

لكن يبدو أن الجولة الأخيرة من الضوابط تهدف أيضاً إلى منع الصين من السيطرة على أي صناعة عالية القيمة وذات تكنولوجيا مُتقدمة.

إن هذه لعبة خطيرة للغاية، فمنع الأسرار التجارية من التسرب من الولايات المتحدة إلى الصين شيء، لكن محاولة تحطيم صناعة التكنولوجيا الصينية هي مهمة أًصعب وأطول بكثير، ويبدو أنه من غير المرجح نجاحُها.

فالدول تعتمد التخصص عندما تُتاجر مع بعضها بعضا، فالولايات المتحدة عظيمة فيما يتعلق بالبرمجيات، واليابان في تصنيع السيارات، أما تايوان ففي صناعة أشباه الموصلات، وما إلى ذلك. إن تكامل الصين مع الاقتصاد العالمي مع عدم تخصصها في أي من المُنتجات ذات التكنولوجيا العالية وذات التنافسية على الصعيد الدولي سيكون أمراً غريباً للغاية.

تغيّرت قواعد اللعبة

لم تعد الصين منصة التجميع ذات التكلفة المُنخفضة كما كانت عليه في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث جمّعت أجهزة "آي فون" من مُكوّنات مصنوعة في كوريا واليابان. لقد أصبحت المواهب التقنية والمعرفة المُتراكمة لديها الآن من المُستوى العالمي. وسيرغب شخص ما، في مكان ما، في شراء مُنتجات التكنولوجيا الصينية، ولن تتمكن الولايات المتحدة من إيقافه.

وفي غضون ذلك، تضر ضوابط التصدير بالشركات الأمريكية، فإذا لم تتمكن الصين من شراء معدّات عالية التقنية وأشباه الموصلات والبرامج من الولايات المتحدة، فستذهب لشرائها من اليابان أو أوروبا أو أي مكان آخر.

وإذا تمكنت الولايات المتحدة من منع ذلك أيضاً، فستتعلم الصين ببساطة كيفية صنع هذه المُنتجات بنفسها. وستكون النتيجة الدائمة والثابتة هي خسارة في الإيرادات للمُصنعين الأمريكيين، الذين سيتم استبعادهم بشكل دائم من السوق الصينية.

وبالتالي، يُمكن أن تؤدي ضوابط التصدير بسهولة إلى الإضرار بالولايات المتحدة أكثر من الصين. حيث أفاد معهد "بيترسون للاقتصاد الدولي" أنه حتى شهر يوليو، كانت الصين تمثل ربع عائدات الشركات المُصنّعة لأشباه الموصلات في الولايات المتحدة، لكن منذ ذلك الحين حصلت الصين على 5% فقط من أشباه الموصلات من الولايات المتحدة، ويعني هذا أن استبدال المُوردين الأمريكيين أسهل من استبدال السوق الصينية.

ويضيف التقرير أيضاً أن صانعي المعدات الأمريكيين سيخسرون أعمالهم في أماكن أخرى أيضاً، لأن دولاً أخرى تخشى أن تحاول الولايات المُتحدة منعهم من بيع المُنتجات المصنوعة بمعدات أمريكية إلى الصين. كما أن ضوابط التصدير تُعيق المُصنعين الأجانب من الاستثمار في الولايات المتحدة، حيث قد لا يتمكنون في الوقت ذاته من البيع للصين.

أداة خطيرة

بعبارة أخرى، تعد ضوابط التصدير مُحاولة لإجبار صناعة التكنولوجيا العالمية على الانقسام بعناية إلى مجالين أحدهما صيني والآخر أمريكي. ولكن نظراً لأن السوق الصينية ضخمة جداً، فقد تكتشف أمريكا بسهولة أن مجالها أصغر بكثير وأكثر إثارةً للشفقة من المجال الصيني.

وعبر إغلاقها على نفسها خلف ستارها الاقتصادي الحديدي، تُخاطر الولايات المتحدة بتكرار الأخطاء التي ارتكبها مُنافسها المهزوم في الحرب الباردة، الاتحاد السوفياتي.

ضوابط التصدير هي ببساطة أداة خطيرة للغاية للمُنافسة الاقتصادية. حيث إن هُناك طرقا أخرى للحد من مدى التكنولوجيا العسكرية الصينية، مثل الجهود المُتزايدة والناجحة لإبعاد العالم عن تقنية "هواوي" للجيل الخامس (5G). وعلى الولايات المتحدة الالتزام بأدوات كهذه، مع ترقية صناعة التكنولوجيا الخاصة بها وإنفاق المزيد على البحوث.