كيف استطاعت فرانسيس هوغن أن تسكت مارك زوكربيرغ؟

مارك زوكربيرغ، مؤسس فيسبوك
مارك زوكربيرغ، مؤسس فيسبوك المصدر: بلومبرغ
Parmy Olson
Parmy Olson

Parmy Olson is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. She previously reported for the Wall Street Journal and Forbes and is the author of "We Are Anonymous."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

السيدة التي كانت وراء أخطر عملية تسريب لوثائق داخلية في شركة "فيسبوك" هي: فرانسيس هوغن.

ظهرت معلومات تفصيلية عن هوغن يوم الإثنين قبيل تعرُّض منصة "فيسبوك" بكاملها إلى أسوأ عطل فني استمر فترة من الوقت. فقد كانت تعمل مديرة منتجات ضمن فريق "السلامة المدنية" بالشركة عندما قامت بانتظام بنسخ عشرات الآلاف من الوثائق الداخلية ومشاركتها مع "هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية"، وأعضاء الكونغرس، وصحيفة "وول ستريت جورنال" قبل مغادرة الشركة في مايو الماضي. وربما صارت هذه القصة ذات يوم أهم مشهد في تاريخ شركة "فيسبوك".

اقرأ المزيد: واشية "فيسبوك" تتهمها بجعل الأرباح أولوية فوق المستخدمين

لم يكن تصرفها عملاً مندفعاً ومتهوراً، فقد اعتمدت هوغن التي تبلغ من العمر 37 عاماً على فريق من المحامين، وحصَّنت نفسها من خلال توفير كمية كبيرة من هذه الوثائق لسلسلة تحقيقات حول أضرار "فيسبوك" في صحيفة "وول ستريت جورنال". وخلال أوَّل مقابلة تليفزيونية لها يوم الأحد الماضي، شرحت بإيجاز ووضوح الأضرار في خوارزميات "فيسبوك"، وفي مقابلة أخرى مع نشرة "وول ستريت جورنال" المرئية يوم الإثنين؛ قدَّمت وصفة واضحة بشأن ما يمكن عمله: "لا لتفكيك منصة فيسبوك"، بل يجب تعيين المزيد من الموظفين لمراجعة وتوجيه المحتوى الذي تعرضه المنصة على أكثر من 1.6 مليار إنسان يستخدمونها يومياً.

لا شكَّ أنَّ هوغن معها تسونامي من ردود أفعال الشركات والإجراءات القانونية في طريقها. لكن ستعاني "فيسبوك" في محاولتها نزع المصداقية عن شخصية لا تجيد الحديث فحسب؛ وإنما هي حاصلة أيضاً على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفارد، ولديها معرفة جيدة بكيفية صياغة الخوارزميات إلى حدِّ حصولها على براءات اختراع مسجَّلة باسمها في هذا المجال.

تمهيد الطريق

كشفت الوثائق التي سرَّبتها هوغن ما كان كثيرون يشكُّون بوجوده، دون أن يستطيعوا البرهنة عليه؛ ومفاده أنَّ "فيسبوك" وضع قواعد سرية أكثر تساهلاً لصفوة من المستخدمين، وأنَّ "إنستغرام" تسبَّب في تفاقم مشكلة الجسد عند واحدة من كل ثلاث فتيات مراهقات، وأنَّ "فيسبوك" كان يحفِّز على العنف، وإثارة مشاعر الكراهية على موقعه الرئيسي عبر تغيير في الخوارزمية عام 2018، و ربما هي التي أدت إلى اقتحام مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة في 6 يناير.

كانت الأجهزة الرقابية والتنظيمية تفشل في التعامل مع "فيسبوك" حتى الوقت الراهن، غير أنَّ الاقتراحات الهادئة والرصينة التي قدَّمتها هوغن مدعومة بتفاصيل ومعلومات داخلية على طريقة هيكلة نظم "فيسبوك" بإمكانها أن ترسم طريقاً واضحاً للتعامل معها مستقبلاً. وتؤكِّد هوغن على خطأ تفكيك منصة "فيسبوك" لأنَّ ذلك سيحرم إدارات المؤسسة المختلفة من الموارد الضرورية التي تحتاجها لمواجهة المحتوى الضار. وبدلاً من ذلك، تحتاج الشركة إلى تعيين المزيد من الموظفين لمراجعة وتوجيه المحتوى على المنصة كلها.

منها واتساب وإنستغرام.. شبكات تواصل "فيسبوك" خارج الخدمة لعطل فني

وبرغم أنَّ "فيسبوك" تزعم أنَّها تضخ موراد حقيقية في عملية المراقبة تحديداً، يشير حسابها إلى عكس ذلك. توضِّح هوغن أنَّ وحدة السلامة المدنية التي كانت تعمل بها، وتضمُّ 200 موظف، كانت تعاني نقصاً شديداً في الموارد، وأنَّ إدارة "فيسبوك" قامت بتفكيكها في النهاية.

إنَّ تأكيد هوغن على أنَّ أداء الخوارزميات ضعيف حجة تكررت كثيراً، غير أنَّها تمتلك كمية هائلة من الوثائق تدعم فكرتها. وقد لاحظت أنَّ هذه المشكلة لا تخص "فيسبوك" فقط؛ إنَّما هي مشكلة تتعلَّق "بتصنيف المستخدمين وفق التفاعل" عموماً.

تقول هوغن، إنَّ أمنيتها الكبرى هي بلوغ الشفافية الحقيقية. تخيل لو أنَّ "فيسبوك" قام بنشر بيانات يومية حول المحتوى الأكثر انتشاراً على منصته، "سترى أنَّ مقدّمي المحتوى على (يوتيوب) يقومون بتحليل هذه البيانات وشرحها للناس". ينبغي أن توفر هذه النقطة مادة للقواعد التي سيتم إقرارها، مثل قانون الذكاء الاصطناعي الخاص بالاتحاد الأوروبي، الذي وضع لإجبار الشركات على تحليل الأكواد التي تقوم عليها خوارزميات الذكاء الاصطناعي لديها وتقديمها للجهات الرقابية.

مارك زوكربيرغ يخسر 7 مليارات دولار في ساعات بسبب عطل منصات "فيسبوك"

برغم انتهاء تسريبات "كامبريدج أناليتيكا" عام 2018 إلى فرض غرامة على الشركة، إلا أنَّ الأجهزة الرقابية تركت في نهاية المطاف عملاق التواصل الاجتماعي دون مساس، وقفزت أسعار أسهمه بشكل منتظم. غير أنَّ هذه المرة ربما تكون مختلفة، على الأقل بسبب التغيير في البيت الأبيض والكونغرس. وقد قام المشرِّعون الأمريكيون بتقديم خمسة مشروعات بقوانين ضد الاحتكار تستهدف كبرى شركات التكنولوجيا التي تضخَّمت أحجامها. وعلاوةً على كنز من الوثائق، تقدِّم هوغن لأعضاء الكونغرس والأجهزة الرقابية معرفة واسعة بالمعلومات الداخلية عن الشركة.

الذهاب إلى العلن

تصف هوغن نفسها أنَّها متخصصة في تصنيف الخوارزميات، وقد عملت لدى أربع شبكات للتواصل الاجتماعي – من بينها "غوغل" التابعة لـ "ألفابيت"، وشركة "بنترست" (Pinterest) – وتفهم التعقيدات الدقيقة في كيفية اختيار أكواد الكمبيوتر للمحتوى الذي يعرض على الناس. ويكتسب بلاغها قوة إضافية بسبب خلفيتها وخبراتها الخاصة، وكذلك الطريقة الرصينة والحكيمة التي اتبعتها. فذهابها في البداية إلى صحيفة تتبنَّى سياسة متوازنة في تقاريرها عن قطاع الشركات يحصِّنها ضد أي اتهامات بأنَّها مدفوعة بأهداف إيديولوجية.

تقول هوغن، إنَّها حضرت اجتماعات دورية في "فيسبوك" تشارك فيها العاملون معاناتهم في محاولة منع منشورات ضارة واسعة الانتشار تعرض مشاهدَ قطع الرؤوس، أو أخرى تقارن بين بعض الجماعات العرقية والحشرات. وانتهى بها الأمر إلى الاقتناع بأنَّ ضعف الاستثمار في السلامة والتأمين مكوِّن أساسي في "فيسبوك"، ويستحيل تغييره من الناحية الفعلية.

في مذكرة داخلية مؤخراً، حذَّر نيك كليغ، رئيس التواصل والسياسة العامة في "فيسبوك"، العاملين بالشركة في مذكرة داخلية قائلاً: "ستتلقون أسئلة من أصدقائكم، ومن عائلاتكم حول هذه الأمور". وربما ينطوي ذلك على استهانة بالمشكلة على الطريقة البريطانية.

ألَّفت كاريسا فيليز كتاباً بعنوان "الخصوصية قوة" يتناول اقتصاد التجسس، ويتحدَّث عن المخبرين عن المخالفات من الداخل باعتبارهم عصافير الكناريا الأخلاقية في مناجم فحم شركات التكنولوجيا العملاقة. وتؤكِّد فيليز أنَّ ما يميّز هوغن هي الطريقة التي تصرَّفت بها مع ذلك التوتر. وتوضِّح فيليز أنَّ المبلغين عندما يدركون عدم قدرتهم على إصلاح ممارسة خاطئة داخل الشركة التي يعملون بها؛ يصبح التشتت المعرفي الذي يتعرَّضون له عنيفاً إلى حدٍّ لا يطاق.

شبكات التواصل التابعة لـ"فيسبوك" تعود للخدمة تدريجياً بعد انقطاع 6 ساعات

تضيف فيليز أنَّ "معظم الناس يحاولون أن يجدوا تبريرات وتفسيرات مختلفة، لكن سيقرر المبلغ عن المخالفات أنَّه لا يستطيع أن يصمت ويستمر في عمله، ثم يقوم بتضحية كبيرة، ويخرج بهذه المعلومات إلى العلانية".

الخطوة التالية هي بالتأكيد مرعبة. يضطر المبلغون غالباً إلى التعامل مع الاتهامات المضادة من أصحاب العمل، وكذلك خطابات التهديد التي تأتي من المحامين. (ما لاينبغي أن نفقده في أيِّ نجاح مقبل تحققه هوغن، هو ذلك العدد الكبير من المبلغين عن المخالفات الذين أجبرتهم هذه التهديدات على السكوت).

خلال فترة انتشار الجائحة؛ غادرت هوغن منطقة خليج سان فرانسيسكو، وذهبت لتعيش مع والديها. ونصحتها أمها، وهي كاهنة أسقفية، أن تخرج إلى العلن بمخاوفها إذا كانت تعتقد أنَّ هناك أضراراً تهددها.

ومع تحدُّث هوغن في العلن؛ فإنَّ صمت الرئيس التنفيذي لـ"فيسبوك" مارك زوكربيرغ، ورئيس العمليات شيريل ساندبيرغ هو الذي يعلو رنينه. وقد تركا الأمر إلى كليغ لمحاولة شرح وجهة نظر "فيسبوك". إنَّ أكثر ما يزعج مَن يستثمر هو التفكير في أنَّ هوغن تتوجَّه إلى "هيئة الأوراق المالية والبورصات" ببلاغ يقول، إنَّ "فيسبوك" كذبت على حاملي الأسهم بشأن الأثر الذي تحدثه خوارزمياتها.

"فيسبوك" ملك وسائل التواصل الاجتماعي أمام تحديات مقلقة للمستثمرين

يبدو أنَّ زوكربيرغ قد دفن رأسه في الرمال. فخلال الأسابيع الأخيرة نشر سلسلة غريبة من الرسائل الخفيفة والمرحة على صفحته على "فيسبوك" حول رياضات المبارزة، و التزلج، ومساعدة أطفاله في جمع الأموال للأعمال الخيرية.

ومع ذلك؛ سينبغي عليه أن يقدِّم تبريراً لما تحتويه التسريبات. غير أنَّ موظفيه سينخرطون في صراع مع فكرة أنَّهم يعملون في شركة تبثُّ سموماً كما تقول فيليز. وربما يميل الكثير منهم إلى أنْ يصبحوا مبلغين. وهي مسألة لن تكون هينة ولطيفة.