هل ترفع تدفقات السيولة أسعار الأسهم؟

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حاول جان فيليب بوشود، الفيزيائي الذي تحوَّل إلى مدير مالي في باريس، أن يقنع أقرانه من أصحاب الفكر التقليدي على مدار سنوات بفكرة جامحة، مفادها أنَّ شراء الكثير من الناس لواحد من الأسهم، يدفع سعره إلى الارتفاع.

مهلاً. هل هذا واضح؟ ليس صحيحاً. فعلى مدار عقود من الزمن؛ تأسست النظرية المالية على أساس أنَّ سعر السهم يعكس كل شيء معروف في لحظة ما عن قيمة الشركة. فعندما تعلن الشركة عن تحقيق أرباح معينة، يرى بعض المتداولين أنَّ في ذلك إشارة إلى صعود السهم، لكنَّ بعضهم الآخر يرى العكس. وهنا، يُحدث التداول بينهم، والذي يؤدي إلى ثبات السعر. لكن ذلك النموذج لا يأخذ في الاعتبار حجم الأموال المتدفِّقة، إن كانت مليون دولار أو هي مليار. فمع نهاية الأمر؛ يكون هناك بائع مقابل كل مشتر. وفي حالة تدفُّق المشترين، ودفع السعر إلى الارتفاع بشكل كبير، سيكون هناك في المقابل بائعون يتدخَّلون بسرعة للاستفادة من ذلك.

اقرأ أيضاً: لماذا لم تستشعر "وول ستريت" الظهور الملحمي لجيش "ريديت"؟

لكن وجهة نظر بوشود البديهية ترى أنَّ التدفقات النقدية تحرِّك الأسعار بالفعل إلى أعلى، وتحظى تلك النظرية باهتمام المستثمرين المهتمين بالبيانات، والمعروفين باسم "مؤيدي التحليل الكمي". وقد ظهر ذلك الأمر بشكل جزئي، عندما قدَّم الأكاديميان كزافييه غابيكس من "جامعة هارفارد"، ورالف كويجن من "جامعة شيكاغو"، ورقة بحثية مؤثرة عام 2020، طرحت مسألة توقيت الشراء، فقد ركَّزت على الارتفاعات الحادة في أسعار الأسهم بسبب تدفُّق المستثمرين الجدد، بعد المناقشات التي شهدتها منصة "ريديت" (Reddit).

اقرأ المزيد: جيوش "ريديت" تناقش نظرية التدفقات الكمية واحتدام الصراع على الحسابات المدارة

يقول بوشود، رئيس مجلس إدارة "كابيتال فاند مانجمنت" (Capital Fund Management): "من المهم حدوث الأمر كما وقع مع أسهم (ريديت) بشكل مفاجئ"، فقد ألقت تلك الواقعة الضوء على فكرة أنَّ "الأسعار تتحرَّك وفقاً لأفعال الناس بشكل مستقل، بعيداً عن قيمة الأشياء".

كان هناك العديد ممَن يكرهون النظرية الاقتصادية التقليدية التي تفسر حركة أسعار الأسهم، والمعروفة باسم فرضية الأسواق الفعالة. فهي لم تقدِّم تفسيراً لتعامل الأسواق بهدوء مع كل البيانات في أمثلة كثيرة من فقاعة الدوت كوم، وأزمة الرهون العقارية عالية المخاطر، كما أضافت حالة زخم أسهم "الميم" الأخيرة مزيداً من الشكوك بشأن النظرية.

تشرح الورقة البحثية لـ"غابيكس"، و"كويجن" وعنوانها: "البحث عن أصول التقلُّبات المالية: فرضية الأسواق غير المرنة"، التأثير الكبير لتدفُّق السيولة للأسواق على أسعار الأسهم، بغضِّ النظر عن العوامل الأساسية للشركة، مثل الأرباح والإيرادات أو النمو.

ترى فرضية الأسواق غير المرنة أنَّ العديد من المستثمرين ليس لديهم حساسية لتغيُّر السعر - هم ليسوا مرنين للغاية كما يقول الاقتصاديون – ولن يُقدموا على البيع عندما يريد الآخرون الشراء. كما يلتزم المستثمرون المؤسسيون، مثل صناديق التقاعد، بقواعد صارمة مثل الاحتفاظ بنسبة ثابتة من بعض الأصول في محافظها، بالإضافة إلى استراتيجية الأهداف المتغيِّرة، لذلك يكونون غير قادرين على الاستجابة بسرعة لتغيُّر الأسعار. في المقابل قد لا يملك لاعبون أكثر مرونة، مثل صناديق التحوُّط، كمية الأسهم الكافية لمواجهة ذلك التغيُّر.

تشير نظرية الأسواق غير المرنة إلى أنَّ مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" يمكن أن يحافظ على تسجيل مستويات قياسية لفترة طويلة، وهو ما يرى المؤيدون للارتفاعات أنَّه شيء منطقي. كما ترى النظرية أنَّ عمليات إعادة شراء أسهم الشركات - التي زادت بنحو 370 مليار دولار في الولايات المتحدة هذا العام – قد يكون لها تأثير كبير على الأسعار، على عكس بعض النماذج الاقتصادية الأخرى. وكذلك تفسِّر النظرية ظاهرة أسهم "الميم".

يقول كوري هوفستين، كبير مديري الاستثمار في شركة "نيوفاوند ريسيرش لإدارة الأصول" (Newfound Research): "قد تقدِّم تفسيراً لبعض المستثمرين عن سبب عدم تأثر بعض الأسهم التي تحظى بمؤيدين متحمِّسين بخطورة الأساسيات".

دراسة قيّمة

جاءت دراسة غابيكس وكويجن، من بين أكثر الدراسات التي تمَّت مشاهدتها وتحميلها على "شبكة أبحاث العلوم الاجتماعية"، التي تضمُّ مجموعة كبيرة من الأوراق البحثية على الإنترنت، إذ تشهد الدراسة زخماً في البحث من مؤيدي نظرية التحليل الكمي الساعين إلى الوقوف على أحدث الأفكار الكمية. كما فازت الدراسة بجائزة شركة "إيه كيو آر كابيتال مانجمنت" (AQR Capital Management). وأصبحت محل جدل ونقاش، حول الدور المتزايد لصناديق المؤشرات، التي تقضي طبيعة عملها بعدم التفاعل مع تغيُّر الأسعار.

تحاول الورقة البحثية تحديد قيمة لمقدار التغيُّر في أسعار الأسهم، الأمر الذي سيدفع البائعين إلى بيع أسهمهم، عندما يندفع المشترون للحصول على السهم. وقد أحرزت النظرية الكثير في ذلك الشأن، إذ تتوقَّع أنَّه عندما يقوم صندوق ببيع سندات على سبيل المثال بقيمة مليار دولار، ويضخ المبلغ في الأسهم خلال الربع، قد يؤدي ذلك إلى رفع أسعار الأسهم بمقدار 5 مليارات دولار. ولكن عندما تمَّ استطلاع رأي العديد من الاقتصاديين عن توقُّعاتهم لتغيُّر الأسعار في مثل هذا السيناريو، كان رد الغالبية بأنَّ الأسعار تستقر دون تغيّر.

يقول غابيكس: "المتداولون أكثر حماساً من الاقتصاديين. فإذا تحدَّثت لأي متداول سترى أن َّلديه شعوراً بأنَّ التدفُّقات تؤثر على الأسعار".

كان بوشود أحد المتداولين على مدار عقدين من الزمن، وقد ترأس خلال تلك الفترة صندوق تحوط كمي يدير أصولاً بقيمة 8 مليارات دولار. كان متحمِّساً بشدَّة لدراسة غابيكس وكويجن، لدرجة أنَّه كرَّس مؤخراً جزءاً من وقت العطلة لكتابة ورقة تربط عملهما بأبحاثه الخاصة حول آلية عمل السوق.

يتفق أي متداول على أنَّ عمليات شراء الأسهم لها "تأثير على السعر"، إذ تميل الأسهم إلى الارتفاع عند شراء كميات كبيرة منها، مما يقلل من العوائد. (يحدث العكس عند البيع) ولكن هناك من يعتقد أنَّ هذا التأثير يزول سريعاً. وقد وجد بوشود أنَّ بعض هذه المكاسب ثابتة، وأنَّ تقديرات المستثمرين للقيمة العادلة للسهم تنتهي بالقرب من السعر الجديد.

ردّ المشكِّكين

يردُّ المشكِّكون على الفرضية الجديدة بأنَّها متطرِّفة في تحليلها، إذ تقول سافينا ريزوفا رئيسة الأبحاث في "دايمنشنال فاند أدفيزورز" (Dimensional Fund Advisors) التي تضمُّ في مجلس إدارتها، يوغين فاما، الاقتصادي في "جامعة شيكاغو"، والحائز على جائزة نوبل عن عمله المتعلِّق بالأسواق الفعَّالة، إنَّ غالبية الأسهم الأمريكية ببساطة، شديدة السيولة، ويتمُّ تنفيذ معظم التداولات بالقدر الكافي، من أجل أن تحدث تأثيراً كبيراً على الأسعار، مضيفةً أنَّ غابيكس وكويجن أنفسهما ليسا مستعدين لرفض النظرية الكاملة للأسواق الفعالة، التي ترى أنَّه من الممكن أن تحرِّك التدفُّقات السوق، كما يقولون.

يوافق بوشود أيضاً على أنَّ أسعار الأسهم تعود إلى قيمتها الأساسية على المدى الطويل.

يشهد هذا الموضوع زخماً في التناول، في حين بدأ العديد يؤيد فكرة عدم مرونة الأسواق. وقد ظهرت ورقة بحثية في أغسطس لكلٍّ من صمويل هارتزمارك من "جامعة شيكاغو"، وديفيد سولومون من "كلية بوسطن"، أوضحا فيها أنَّ عوائد الأسهم تكون أعلى في الأيام التي يكون فيها الكثير من توزيعات الأرباح بسبب تدفُّقات الأموال المعاد استثمارها. ويعدُّ ذلك أمراً صحيحاً، برغم أنَّ تلك التدفُّقات يمكن توقُّع دخولها، وأن يتداولها الآخرون، وفقاً لتلك التوقُّعات، ويبدأوا في البيع.

عندما قدَّم غابيكس وكويجن الورقة البحثية الخاصة بهما للمرة الأولى؛ يتذكَّر غابيكس أنَّ العديد من الاقتصاديين قالوا له، إنَّه ليست هناك جدوى من الربط بين ارتفاع الأسهم والتدفُّقات الوافدة، إذ يقول: "أصبح الآن من الأسهل قليلاً العثور على اقتصاديين للحديث عن مثل هذه الأشياء، بعد أنْ أصبح هناك معيار نظري واضح".