هل بدأت المدن الأمريكية الكبرى تفقد نفوذها؟

بالرغم من مرور كل هذه السنوات، لا تزال المدن الأمريكية الكبرى تواصل نموها
بالرغم من مرور كل هذه السنوات، لا تزال المدن الأمريكية الكبرى تواصل نموها المصدر: غيتي إيمجز
Justin Fox
Justin Fox

Justin Fox is a Bloomberg Opinion columnist covering business. He was the editorial director of Harvard Business Review and wrote for Time, Fortune and American Banker. He is the author of “The Myth of the Rational Market.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تضمن أول إطلاق للبيانات الضخمة عن تعداد الولايات المتحدة السكاني لعام 2020، الصادر في شهر أغسطس الماضي، بعض الأخبار الإيجابية حول المدن الأمريكية الكبرى، وكان بينها تفوّق عدد سكان نيويورك، أكبر المدن الأمريكية، بمئات الآلاف عن التقديرات السنوية للسكان التي توقعها مكتب الإحصاء السكاني.

وللمرة الأولى منذ عام 1940، لم يتناقص عدد السكان في أي من مدن البلاد العشرة الكبرى بين الأعوام 2010 وحتى 2020، وللمرة الأولى على الإطلاق بات يقطن في كل منها أكثر من مليون فرد أيضاً.

مع ذلك، تقلّص نصيب المدن العشرة الأكبر، من عدد السكان الإجمالي في الولايات المتحدة، وهو أمر يحدث بشكل متواصل منذ العام 1930، لكن الانخفاض الذي سجل في عام 2020 عند 7.87% هو أقل من الانخفاض بـ7.94% في عام 2010، ويكون بذلك الانخفاض الأقل بعدد السكان فيها منذ العام 1930.

العمل عن بُعد يسحق محدودي المهارات المتروكين في المدن الأمريكية

بيد أن تفسير هذه البيانات هو أمر معقد إلى حد ما، فقد تم ترسيم حدود المدن الكبرى بشكل اعتباطي نوعا ما، حيث تمتد حدود بعضها لتشمل مناطق شاسعة لتشمل حتى ما يصفه معظمنا بالضواحي، بينما تم تقييد حدود بعضها الآخر بشكل كبير للغاية. كما لم يتم تمثيل 4 من أكبر 10 مناطق حضرية أمريكية في قائمة المدن العشر الكبرى، وهذه المناطق الأربعة هي: واشنطن، وميامي، وأتلانتا وبوسطن.

كذلك فإنه من الممكن أن تتغير حدود المدن مع مرور الوقت، وقد حدثت أكبر هذه التغييرات التي أثرت على المدن العشر الكبرى منذ فترة طويلة، وهي عمليات دمج فيلادلفيا في عام 1854، ونيويورك في عام 1898.

تشير عبارة "الأماكن الحضرية الأخرى" في الرسم البياني إلى الضواحي الشمالية غير المُسجّلة سابقاً في فيلادلفيا، وهي ليبرتيز، وساوث وارك، وسبرينغ غاردن، وقد صُنّفت كلها من بين المدن العشرة الكبرى مرة أو أكثر، خلال الفترة بين عامي 1800 و1850. (كانت منطقة بروكلين في نيويورك تعد رابع أكبر مدينة في البلاد في عام 1890).

كذلك يُمكن أن تتغير المدن في المراكز العشرة الأولى، وكان أحد الأسباب الرئيسية وراء استمرار الاتجاه التنازلي لأعداد السكان في المدن خلال العقود الأخيرة، يتمثل بالخسارة المستمرة للسكان في مدن: بالتيمور، وكليفلاند، وديترويت، وسان لويس، والتي خرجت جميعها من القائمة.

تغيّر مستمر

ومن جهة أخرى، تتغير حدود المناطق الحضرية طوال الوقت (تعد البديل الرئيسي للمدن في مثل هذه التصنيفات). ويقوم مكتب الإدارة والميزانية التابع للبيت الأبيض بتعديل هذه المناطق كل عامين، بشكل يعكس التحوّلات التي تحدث في أنماط التنقل، والتي تعيد أحياناً تعريفها بشكل كامل.

عادة، تضيف هذه التغييرات مناطق إلى المناطق الحضرية، ولكنها في أحيان أخرى تفصل بينها، كما حدث في عام 2003 عندما قسّمت التعريفات الجديدة لمكتب الإدارة والميزانية المنطقة الحضرية (فرانسيسكو-أوكلاند-سان خوسيه) إلى ست مناطق مختلفة، بعد أن كانت خامس أكبر منطقة حضرية في البلاد حينها، ولم تحصل أي من التقسيمات على مكانة في قائمة العشرة الأوائل. كما تم تقسيم منطقة (واشنطن-بالتيمور)، رابع أكبر منطقة حينها، إلى ثلاثة مناطق. وليس من قبيل المصادفة أن نسبة سكان الولايات المتحدة في أكبر 10 مناطق حضرية، انخفضت من 31.5% في تعداد عام 2000 إلى 26.1% في عام 2010، ووصلت إلى 26.4% في عام 2020.

من لندن إلي لوس أنجلوس..خطة لإنشاء مراكز للتاكسي الطائر في 65 مدينة

اتجاه التمدن

يُقسّم مكتب الإحصاء السكاني الولايات المتحدة كذلك إلى مناطق حضرية وريفية، وتشهد حصة المناطق الحضرية من السكان تزايداً مُطّرداً بمرور الوقت، بارتفاع بنسبة 80.7% في عام 2010 (لم يتم إصدار أرقام العام 2020 بعد). ويضم تعريف مكتب الإحصاء السكاني للمناطق الحضرية أماكن واسعة، بما في ذلك أي تجمع بعدد سكان يعادل ألفين و500 فرد أو أكثر، وهو أمر قد يتغير من وقت لآخر (مثلاً عدد الـ2500 فرد على وشك أن يُرفع إلى 10 آلاف).

ويشير كل هذا إلى أن التعداد السكاني للمدن العشرة الأكبر يعد مقياساً تشوبه بعض العيوب للتمدّن الجاري في الولايات المتحدة، إلا أن كافة المقاييس الأخرى تشوبها العيوب أيضاً.

ومع ذلك، فإن التعداد السكاني الإجمالي للمدن العشر الكبرى، المتواجد منذ عام 1790، يحوي بعض المعلومات المفيدة، أولها يتعلق، كما ذكرنا سابقاً، بأن العقد الأول للقرن الحادي والعشرين لم يكن عقداً من التدهور الحضري. كما أضافت المدن العشر الكبرى نحو 1.6 مليون نسمة، في ثالث أكبر زيادة من هذا النوع منذ العام 1930.

يبدو أن حقبة تدهور المدن الكبيرة، التي بدأت في الثلاثينيات من القرن العشرين وانطلقت في ضواحي الولايات المتحدة الأمريكية بعد 1950، انتهت بشكل نهائي. مرة أخرى، يعود هذا جزئياً إلى صعود المدن المترامية الأطراف ذات الطراز الجديد في منطقة الحزام الشمسي الأمريكي (المنطقة الممتدة عبر جنوب الشرق وجنوب الغرب من الولايات المتحدة)، لكن الكثير من المدن القديمة عادت إلى النمو أيضاً. في قائمة العشرة الأوائل، نما الخاسرون السابقون في التعداد السكاني من عام 2010؛ وهم نيويورك، وشيكاغو، وفيلادلفيا. بينما أضافت المدن العشر الأولى السابقة؛ وهي بوسطن، و بافالو، وسينسيناتي، ونيو أورليانز، وواشنطن، سكاناً جددا. وأصبحت هذه المدن حالياً في أسفل القائمة.

مع ذلك، تركت تلك الحقبة الطويلة من التراجع على المدن تأثيرها. حيث إنه بالرغم من تواصل نمو المدن العشرة الكبرى، إلا أنها تمثل حالياً أقل من 7.9% من سكان البلاد، في الوقت الذي تضم فيه لندن وحدها 13.4% من سكان بريطانيا، وتورونتو 7.9% من سكان كندا. بين عامي 1930 و1940، عاش 5.6% من الأمريكيين في مدينة نيويورك (بينما وصلت النسبة إلى 2.7% في عام 2020).

بالتالي، أصبحت الولايات المتحدة دولة لا مركزية نظراً لاستمرار نمو الأطراف المترامية بشكل أكبر عن المراكز، بالرغم من الانتعاش الحضري في السنوات الأخيرة. كما أن المناطق الريفية لا تنمو، وفقدت معظم المقاطعات الأمريكية سكانها فعلياً في عام 2020. لكن أقاليم الضواحي منخفضة الكثافة والمرتبطة بالمناطق الحضرية الكبرى نمت بشكل أسرع من الضواحي عالية الكثافة أو المقاطعات الحضرية، وفقاً لحسابات الاقتصادي جيد كولكو مؤخراً. في حين أن المناطق الحضرية الرئيسية، مثل أوستن، وأورلاندو، ورالي، وناشفيل، كانت الأسرع نمواً، إلا أنها لم تكن ضمن المناطق الأكبر.

السياسية

نوعاً ما، يصعب التوفيق بين هذه البيانات وبين الادعاءات القائلة إن المدن الكبرى ما تزال تمارس نفوذاً سياسياً كبيراً في البلاد، ووفقاً لبعض الآراء التي تسمع بشكل متكرر فقد اختار الناخبون في نيويورك، ولوس أنجلوس و/أو شيكاغو كل رئيس في تاريخ أمريكا. بيد أن كيفية قيامهم بهذا، في ظل نسبة 4.7% فقط من التعداد السكاني للبلاد، تبقى مسألة غامضة. صحيح أن سكان المناطق الحضرية في المدن الثلاث أضافوا ما يصل إلى 13% من إجمالي سكان الولايات المتحدة في عام 2020، لكن النسبة تقلّصت من 13.3% في عام 2010.

تقليدياً، ألغت الضواحي والمدن بعضها بعضا إلى حد كبير من الناحية السياسية، رغم تغيّر ذلك مؤخراً.

أما الحجة الأقوى فتتعلّق بتمركز القوة الاقتصادية والنفوذ الثقافي في أماكن قليلة. وقد نما إجمالي الناتج المحلي في عموم البلاد ببطء أكبر من المناطق الحضرية العشر الأكبر بالمجمل، في الأعوام من 2010 وحتى 2019 ( لم يتم الكشف عن بيانات عام 2020 بعد)، ونما نصيب الفرد من الدخل الشخصي بشكل أكبر بها أيضاً. ولا تزال نيويورك تهيمن على القطاع المالي ووسائل الإعلام، بينما تسيطر واشنطن على الحكومة، وتسيطر لوس أنجلوس على قطاع الترفيه، وتهيمن كل من سان خوسيه وسان فرانسيسكو على التكنولوجيا.

هذا ما يقوله التاريخ على الأقل، لكن التشتت الكبير الذي أحدثه الوباء، والتحوّل إلى العمل عن بعد بات يهدد بتغيير الوضع الحالي، ولا ينعكس هذا بشكل حقيقي في بيانات التعداد السكاني، التي من المفترض أن تحصي عدد الأفراد في أماكن إقامتهم الدائمة فقط اعتباراً من أبريل 2020. وكان هذا على وشك الحدوث فعلياً، لو لم يبدأ انتشار الوباء حينها. وإن لم تنذر هذه التطورات بالضرورة بتدهور المدن الكبرى في الولايات المتحدة، إلا أنها تشير بالتأكيد إلى تحديات جديدة، لكن مرة أخرى، فقد واجهت المدن الأمريكية الكبرى بعض أكبر التحديات أثناء القرن الماضي، وهي لا تزال قائمة.