بعد سنوات من الرفض.. بوتين يقتنع بأخذ مخاطر المناخ على محمل الجد

فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد سنوات من رفضه العلني لتغير المناخ، أخيراً حثّ الرئيس فلاديمير بوتين المسؤولين على التعامل مع التهديد الذي يمثله ذلك على الاقتصاد الروسي بجدية أكبر.

يعني هذا التحول في التفكير أن الكرملين من المرجح أن يحضر قمة تغير المناخ التي ستُعقد في جلاسكو، نوفمبر المقبل، تحت عنوان "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021"، وبجعبته مقترحات لمزامنة جهوده لقياس انبعاثات الكربون مع تلك الموجودة في أوروبا، وفقاً لأربعة أشخاص مطلعين على تلك الخطط.

وفي حين أن هذه التحركات لا تكاد ترقى إلى نوعية الهدف الجديد الطموح لخفض الانبعاثات لروسيا، الذي كانت تأمل فيه العواصم الغربية، فإنها خطوة مهمة لبوتين كقائد لواحد من أكبر منتجي الهيدروكربونات في العالم، وكان حتى وقت قريب يقلل من شأن قضايا المناخ.

مستثمرون بقوة 29 تريليون دولار يطالبون بأهداف مناخية تستند إلى العلم

التعاون مع الغرب

يقول المسؤولون إن النهج الجديد مدفوع بإدراك متأخر بأن الاتحاد الأوروبي، أكبر شريك تجاري لروسيا، جادّ في تنفيذ لوائح حدود الكربون التي من المحتمل أن تجبر الشركات الروسية على دفع تكاليف الانبعاثات الزائدة في الصناعات الرئيسية.

بالإضافة إلى ذلك، يرى الكرملين أن قضايا المناخ من بين المجالات القليلة للتعاون المحتمل مع الولايات المتحدة وأوروبا بعد سنوات من تدهور العلاقات.

وقال اثنان من الأشخاص المطلعين إن الوفد الروسي سيركز في القمة على موضوعات تشمل معايير حساب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والقدرة الاستيعابية للغابات الروسية الضخمة، بالإضافة إلى اقتراح لتصنيف الطاقة النووية على أنها طاقة "خضراء" لأغراض حساب الكربون.

لماذا يعيش "بوتين" الآن لحظته الأوروبية؟

انبعاثات الكربون

تعدّ روسيا رابع أكبر دولة ملوثة بالغازات المسببة للاحتباس الحراري، إذ إنها تصدر كل عام نحو 5% من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

يأتي ما يقرب من 90% من إجمالي الطاقة التي تستهلكها روسيا من مصادر عالية الكربون، أي أعلى من المتوسط العالمي البالغ نحو 80%، ويمكن للنشر السريع للطاقة المتجددة أن يوفر للبلاد ما يصل إلى 11 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.

في قمة المناخ التي عقدها الرئيس الأمريكي جو بايدن عبر الإنترنت في أبريل، التزم بوتين أهدافه غير الطموحة المتعلقة بالانبعاثات، تاركاً روسيا واحدة من دول "مجموعة العشرين" القليلة التي لا تستهدف تحقيق صافي صفر.

يفترض سيناريو الحالة الأساسية لاستراتيجية الكربون لعام 2050 الذي تحضره الحكومة الروسية زيادة في الانبعاثات بمقدار 8.2%على مدى العقود الثلاثة المقبلة، ويعتمد على مضاعفة القدرة الاستيعابية المقدرة لغاباتها لتعويض هذا الارتفاع.

التكيف مع الخطط العالمية

تقول إيرينا بومينوفا، رئيسة قسم المناخ والطاقة الخضراء في "مركز البحوث الاستراتيجية" المدعوم من الحكومة الروسية، خلال مقابلة أجريت معها في موسكو: "إن روسيا لا تحاول أن تصبح زعيمة الأجندة الخضراء، إنها بالأحرى تكيف نفسها مع العملية العالمية لانتقال الطاقة وإزالة الكربون".

رغم ذلك يعدّ هذا مختلفاً عما كانت عليه الحال قبل عامين، عندما سخر بوتين من جهود التحول إلى الطاقة المتجددة من خلال إثارة المخاوف من تأثير توربينات الرياح في الطيور والديدان.

وفي ديسمبر 2019، على الرغم من الإجماع العلمي حول دور البشرية، قال للصحفيين إنه "لا أحد يعرف حقاً أسباب تغير المناخ".

الكرملين لديه كثير على المحك، إذ إن بوتين بنى قاعدة سلطته السياسية على إحياء روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي باعتبارها "قوة عظمى في مجال الطاقة".

وتعتمد 35% من ميزانية روسيا على مبيعات النفط والغاز، فيما تعتمد مناطق بأكملها في أكبر دولة في العالم على إنتاج النفط والفحم من ناحية التوظيف، مع وجود بدائل قليلة إن وُجدت.

ذوبان الجليد

وبينما ترى روسيا مكاسب محتملة ضخمة من ذوبان الجليد في القطب الشمالي، مما يسمح بزيادة حركة الشحن على طول طريق البحر الشمالي الذي يربط بين آسيا وأوروبا، فإنّ الاحتباس الحراري العالمي نفسه يكلف اقتصادها مليارات الدولارات من الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية كل عام، إذ يضع ذوبان الجليد السرمدي في سيبيريا كلاً من المباني والطرق وخطوط الأنابيب في خطر.

من جانبها، شددت محافظة بنك روسيا إلفيرا نابيولينا على هذا التهديد خلال مؤتمر صناعي عقد في 17 سبتمبر، قائلة إن الجهات المنظمة انتقلت من "الحياد" بشأن القضايا الخضراء إلى الضغط على المؤسسات المالية والشركات لمراعاة مخاطر المناخ.

لا يتفق الجميع في الدوائر السياسية الروسية مع ذلك، إذ قال مكسيم ميدفيدكوف، كبير المفاوضين الروس السابق في منظمة التجارة العالمية، الذي يعمل حالياً مستشاراً في مركز خبراء منظمة التجارة العالمية المدعوم من الحكومة، الذي يتخذ من موسكو مقراً له، إنه في حين أن هدف الاتحاد الأوروبي المتعلق بالكربون يعدّ هدفاً أخضر من الناحية "الأيديولوجية"، فمن غير الواضح ما إذا كان سيؤثر بشكل كبير في المناخ.

وقال: "الاتحاد الأوروبي محروم من الموارد، ونحن نعيش فوقها. هل من الحكمة التخلي عن هذه الميزة؟".

تطوير تجارة الكربون

يقول جوناثان الكيند، كبير الباحثين في "مركز سياسة الطاقة العالمية" بجامعة كولومبيا، إن روسيا "تحتاج إلى اتخاذ إجراءات جادة" للمنافسة في السوق العالمية للسلع والخدمات منخفضة الكربون.

ويضيف أنه "حتى الآن لم يتضح ما إذا كانت التصريحات الجديدة الصديقة للمناخ من موسكو مجرد كلام أم أنها شيء أكثر جدية".

قبل عامين، صدّقت روسيا على اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، لكنها لم تتخذ سوى القليل من الإجراءات حتى أمر بوتين بتطوير استراتيجية الكربون في يونيو الماضي.

وقّع الرئيس الروسي قانون المناخ في يوليو لإنشاء إطار عمل للمشاريع الخضراء وتطوير تجارة الكربون.

من جهته، حذّر رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستينأكبر شركات المعادن والتعدين في روسيا في سبتمبر من أنها قد تواجه ضريبة كربون محلية، فيما حث بوتين على تطوير محطات للطاقة الشمسية واستخدام الهيدروجين الأخضر وقوداً جديداً خلال الانعقاد السنوي لـ"المنتدى الاقتصادي الشرقي في روسيا فلاديفوستوك" الشهر الماضي.

سياسة جديدة تجاه المناخ

قال شخصان مقربان من الكرملين إن المناخ يتصدر جدول أعمال بوتين حالياً. وقال أحدهما إن المسؤولين، بمن فيهم ميشوستين ورئيس "سبيربنك" هيرمان جريف، لعبوا دوراً في تطور آرائه، إذ رأى بوتين أن الشركات الكبرى تزيد من تركيزها على سياسات "الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات".

وخلال اجتماع عُقد في ديسمبر 2019 لمجلس المجتمع المدني التابع لبوتين، حذره أحد مستشاريه، إيفان زاسورسكي، من أن مدينة سانت بطرسبرغ، مسقط رأس الرئيس، مهددة بسبب تغير المناخ.

وفي تقرير صدر هذا العام حثت اللجنة البيئية بالمجلس، بقيادة زاسورسكي، على "التحول التكنولوجي" للاقتصاد الروسي كجزء من السياسة الجديدة للدولة تجاه المناخ.

وقال المسؤولون المطلعون الأربعة إن الكرملين اعتبر تعيين بايدن لوزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري مبعوثاً للمناخ بمثابة إشارة إلى أهميته المتزايدة في السياسة الدولية.

وردّ بوتين، الذي تحدث إلى كيري خلال زيارته لموسكو في يوليو، بتعيين أناتولي تشوبايس صاحب الوزن السياسي الثقيل ممثلَهُ الخاص للتنمية المستدامة.

وفي حين أن السياسة تسير في الاتجاه الصحيح، فإن السلطات الروسية تنظر إلى أجندة المناخ على أنها وسيلة للمساعدة في نزع فتيل الصعوبات السياسية و"التغلب على العقوبات" من خلال جذب الاستثمار الأجنبي، على حد تعبير فلاديمير تشوبروف، رئيس "برنامج الطاقة الروسي غرينبيس".

ويوم الخميس الماضي قال وزير الاقتصاد الروسي مكسيم ريشيتنيكوف إنه يجب على الدول ألا تستخدم محادثات جلاسكو لمحاولة فرض تكاليف إضافية من خلال تنظيم الكربون "تحت شعار المناخ"، الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى حواجز تجارية جديدة واتهامات متبادلة. وأضاف: "نحن بحاجة إلى التغلب على الاختلافات الموجودة بيننا".