كيف تخلق سياسة "الرخاء المشترك" ذوقاً جديداً للأزياء في الصين؟

هل تكون إطلالة كيم كاردشيان في حفل "ميت غالا" مستوحاة من أزياء المستقبل؟
هل تكون إطلالة كيم كاردشيان في حفل "ميت غالا" مستوحاة من أزياء المستقبل؟ المصدر: أ.ف.ب
Andrea Felsted
Andrea Felsted

Andrea Felsted is a Bloomberg Opinion columnist covering the consumer and retail industries. She previously worked at the Financial Times.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

سياسة "الرخاء المشترك" التي يتبعها الرئيس شي جين بينغ، لن تخفي السلع الفاخرة من مراكز التسوق الصينية بشكل تام، ولكنها ستحرص على بدء عصر جديد، حيث تتزين ساعات اليد الفاخرة المُباعة في الأسواق بأحجار ألماس أقل، ولا تظهر شعارات العلامات التجارية على السترات وقطع الحلي بعد الآن.

منذ بداية العام الجاري، عقدت الصين عزمها على بناء مجتمع يتسم بتوزيع أكثر إنصافا للثروات وصفته بـ"الزيتوني الشكل". أعقب ذلك تطبيق إجراءات تنظيمية ورقابية صارمة ضمت قطاعات كبيرة مثل شركات التكنولوجيا الاستهلاكية وقطاع التعليم عبر الإنترنت.

وفي حين يتحدث مسؤولو التخطيط في الدولة منذ فترة طويلة عن تمتع سكان الصين بمستوى معتدل من الرخاء والازدهار، تركز الحكومة حالياً على مسألة واحدة، وهي توجيه البلاد بعيدا عن الاقتصاد الذي يتسم بتجمع الثروات في أيدي القلة.

تزايد تبرعات أثرياء الصين لدعم حملة "الرخاء المشترك"

وبينما تفعل البلاد ذلك، يبدو أن جزءاً كبيراًِ من خطاب الرخاء المشترك يرتكز على تحسين الرعاية الصحية وزيادة دخل الأسرة والمزايا المالية، بالإضافة لاستخدام الضرائب بهدف ضبط عملية توزيع الدخل. هذه البيئة التي تتحدث عنها الحكومة ليست من النوع الذي يشجع على اقتناء المشتريات الفاخرة والمُبهرجة. وعلى شركات السلع الفاخرة الكبيرة، التي انتعشت بفعل خمسة أعوام متواصلة من صعود طلب المستهلكين في الصين، أن تعيد تقييم معاييرها ومنتجاتها وسياسة التسويق الخاصة بها.

نحو البساطة والإتقان

في ظل هذه الأوضاع، من المُرجح أن تتسم السلع الفاخرة بمهارة ودقة التصميم مع تقليل التفاصيل المُبهرجة للحد الأقصى، وقد نرى عودة إلى الروح التي اجتاحت الصين منذ ما يقرب من عقد مضى، خلال سياق إجراءات مكافحة الفساد، عندما كان المستهلكون لا يميلون إلى السلع الاستهلاكية الفاخرة التي تلفت الأنظار كثيراً، وكانت سلع مثل الساعات والمشروبات الكحولية الفاخرة، أموراً من الأفضل تجنبها.

وبالفعل، توقف بعض الشباب الصينيين عن الإقبال على السلع الفاخرة والغرام بها، فقد أجرت شركة "لوك-لوك" للاستشارات والبحوث دراسة خلال شهر سبتمبر الماضي شملت 100 امرأة صينية، تقل أعمارهن عن 40 عاماً، تنفق كل منهن 10 آلاف دولار سنوياً على الأقل على شراء السلع الفاخرة، ووجدت الدراسة أنهن يحجمن عن الإنفاق انتظاراً لفتح السفر والتسوق خارج الصين مرة أخرى.

غير أن 10% منهن قلن إنهن تأثرن بموقف الحكومة المناهض للمبالغة في استعراض الثروات. وقالت جيا لين، وهي محللة لدى شركة "لوك-لوك"، إنها دهشت عندما سمعت بعضاً من الشابات يقلن إنهن يردن الظهور بمظهر بسيط.

في ظل هذه الروح الجديدة، يبدو أن بيوت الأزياء التي تتميز بتصميمات رزينة، مثل "برادا"، و"سان لوران" و"بوتيغا فينيتا" التابعة لمجموعة "كيرينغ"، لديها ما يحميها في المستقبل.

بينما يقوم أليساندرو ميتشيل، مدير الابتكار في "غوتشي"، بإعادة هيكلة علامته التجارية التي تتبع منهج "الماكسيماليزم" (الفوضى البصرية الخلاَّقة)، لجذب فئات جديدة عدا عن قاعدة المعجبين بعلامته من جيل الألفية. وهذا ليس بالأمر المستغرب، غير أن التوافق مع روح العصر الجديدة قد يحتاج من "غوتشي" إلى بذل المزيد من الجهد، فما زال اسم العلامة وشعارها لافتين للنظر بشكل كبير. وتهتم الشركة الأم "كيرينغ" بالتوصل لضبط في الإيقاع من أجل التوصل إلى نموذج ملائم.

ففي عام 2019، استحوذت علامة "غوتشي" على نحو 60% من إجمالي مبيعات المجموعة، وعلى نحو 80% من إجمالي أرباح التشغيل.

غير أن هناك أموراً جيدة يجب على الصناعة أن تتأقلم معها أيضاً.

الموضة الرقمية.. عوالم افتراضية وأموال حقيقية

إذا كانت خطة "الرخاء المشترك" تتسبب بقلق في أوساط طبقات المجتمع العليا، فهي بالوقت ذاته توسع حجم الطبقة الوسطى، ما قد يرفع الطلب على حقائب اليد الفاخرة من الفئات الأقل ثمناً، والتي تبلغ تكلفة الواحدة منها حوالي ألف دولار، عوضاً عن الحقائب من الفئات الأعلى مثل تلك المصنوعة من جلود نادرة والتي يتجاوز سعرها 10 أضعاف هذا الرقم على الأقل.

يقول ماريو أورتللي، وهو مستشار سلع فاخرة، إنه بات يتحتم على العلامات التجارية الآن "أن تعتني بالزبائن الذين يزورونها للمرة الأولى عوضاً عن المليارديرات".

في المقابل، قد تلقى المنتجات الجلدية الصغيرة رواجاً، وكذلك الأمر بالنسبة للسلع الكمالية الأقل تكلفة، مثل أدوات التجميل والعطور. وقد حققت شركة "باندورا"، الشهيرة بمنتجاتها الأقل ثمناً، نمواً قوياً مع بداية حملة مكافحة الفساد في الصين.

أكبر شركة مجوهرات في العالم تتخلى عن ألماس المناجم.. لماذا؟

بالنسبة للعلامة التجارية الفرنسية الشهيرة "لوي فيتون" التابعة لشركة "إل في إم إتش موت هينيسي لوي فيتون"، قد تكون إزالة الشعارات الشهيرة أمراً يطرح تحدياً كبيراً، خاصة مع شعارها المحفور بالذاكرة والذي يميز منتجاتها. غير أنها تستطيع أن تعوض ذلك من خلال تنوع منتجاتها، التي تبدأ بحقيبة "نيفرفول" (Neverfull) منخفضة التكلفة نسبياً، على سبيل المثال.

كذلك، فإن "إل في إم إتش" تحقق ربع مبيعاتها من أسواق الولايات المتحدة، حيث مازال المستهلكون يتدافعون على شراء ساعات "رولكس" ومعاطف "مونكليه".

هذا العصر الجديد في الأزياء جعل العلامات الفاخرة تبدو أكثر إغراء لبعض المستهلكين الصينيين، من الشباب ذوي الأفكار الحداثية. غير أن الوصول إلى هؤلاء المشترين ليس سهلا، فلم يعد ممكناً ببساطة جذبهم من خلال طرح إعلان جرئ أو التواجد والانتشار الواسع على وسائل التواصل الاجتماعي. فستحتاج العلامات التجارية الكبرى إلى شحذ تقنياتها للتسويق وتطويرها، مثل التعاون مع المؤثرين، أو قادة الرأي العام، والبث الحي على منصات التسوق، واستخدام قادة الرأي في العالم الافتراضي. كما سيجب عليها أن تقدم عروضا تخصها على شبكة الإنترنت.

وقد وصلت قيمة سوق التجارة الإلكترونية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي في الصين إلى نحو 1.2 تريليون يوان (168 مليار دولار) خلال العام الحالي، مقابل 961 مليار يوان في عام 2020، حسب محللي مصرف "إتش إس بي سي هولدينغز".

ترويج مُبتكر

تمتلك الصين اقتصادا مليئاً بالشخصيات المؤثرة، لكن انتقاء قادة الرأي الأنسب للتعاون معهم، أصبح يشكل أمراً أكثر أهمية. وذلك لأن بكين تضغط للابتعاد عن ثقافة دوائر المعجبين، وتجنب أنواع معينة من الصور النمطية المرتبطة بنوع الجنس في الإعلانات.

تقوم العلامات التجارية بتجربة أنظمة متنوعة للإعلان بعيداً عن شبكة الإنترنت أيضاً، فمثلاً قامت شركة "برادا" بحركة مبتكرة من خلال تواجدها في أحد أسواق الأطعمة المحلية في شنغهاي، وقامت بتغليف السلع الغذائية الأساسية في عبوات تقدمها الشركة، وهو ما أثار إعجاب السكان المحليين في المنطقة.

بينما تتعامل علامات تجارية أخرى مع القضايا الاجتماعية، ولكي تفعل ذلك بكفاءة عليها أن تتأكد من دقة معرفتها بالمجتمع المحلي.

غير أن الخطر الأكبر ربما يتمثل في أن الروح السائدة حالياً تستهدف تحويل اهتمام المشترين في الصين بعيداً عن الشركات العالمية العملاقة وتركيزه نحو السلع الفاخرة المنتجة محلياً. ومن المرجح أن تظل بيوت الأزياء الأوروبية مسيطرة على سوق حقائب اليد. لكن شركات محلية مثل "سيندي تشاو" (Cindy Chao) أصبح لها جاذبية في مجال الحلي والمجوهرات. وتقول شركة "لوك-لوك" إن علامات تجارية صينية تحقق تقدماً كذلك في سوق منتجات التجميل والأزياء.

لا يرجح أن يظهر تأثير هذه التحولات في نتائج أعمال هذه الشركات للربع الثالث من العام الحالي. لكن ما سيظهر تأثيره هو عودة الارتفاعات في حالات "كوفيد-19" وتباطؤ الاقتصاد الصيني. وعلى الأقل سيتيح ذلك وقتاً إضافياً لعمالقة السلع الفاخرة لإعادة إنتاج وابتكار منتجاتهم في حال سيطرت موضة إطلالات الثروة في الخفاء، على إطلالات بريق الحلي اللافت للأنظار في الصين مستقبلاً.