الدخل الشامل قد يغير لعبة الانتخابات العراقية المقبلة.. كيف؟

ماذا ستحمل الانتخابات العراقية المقبلة للمواطنين؟
ماذا ستحمل الانتخابات العراقية المقبلة للمواطنين؟ المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يحتوي برنامج الكوميديا السياسية الساخرة "البشير شو"، الأكثر شعبية في العراق، على فقرة ثابتة حول الفساد تسمى "الفهكان" (السرقة)، تتحدث عادةً عن مناقصة احتيالية لعقد ما، أو تسليم مشروع دون المستوى المطلوب، وأشكال أخرى من الاحتيال الذي يرتكبه الأفراد أو الأطراف المرتبطون سياسياً. الأمر محزن ومضحك وواقعي في آنٍ واحد.

إن الفساد متجذر في العراق بعمق، وقدّر الرئيس برهم صالح مؤخراً أن 150 مليار دولار قد هربت من البلاد منذ عام 2003 بسبب الاختلاس، وهو رقم على الأرجح أقل من الحجم الفعلي للمشكلة.

يعمل النظام بشكل هرمي:

- على رأس القمة الحكومة التي تحصل على معظم عائداتها من النفط قبل توزيعها على الوزارات.

- الأحزاب السياسية "تكسب" هذه الوزارات (نعم، هم يستخدمون هذا الفعل) بناءً على الأصوات التي تحصل عليها والسلطة التي بحوزتها، ثم يطالبون بالأموال الحكومية ويكتسبون النفوذ من خلال منح العقود وتوزيع كشوف المرتبات، كتعيين المؤيدين، وفي كثير من الأحيان تعيين الموظفين "الوهميين" أو الزائفين، إذ يقدر مسؤول يدير وزارة أن هذه الممارسات استهلكت نصف ميزانيته.

- يتدفق الباقي إلى المواطنين من خلال وظائف القطاع العام، ويصاحب ذلك استبعاد البعض (معظمهم من الشباب والمهمشين) من النظام تماماً.

اقرأ أيضاً: وزير المالية العراقي لـ"الشرق": الأموال المنهوبة تصل إلى 150 مليار دولار

من المرجح أن تُعيد الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر فرض نظام الفساد هذا بدلاً من تغييره، ففي المحصلة، لماذا تُغيّر النخبة السياسية نظاماً يمولها بسخاء؟

يمكن لسياسة واحدة أن تُغير ذلك الأمر وتعمل على "تسطيح" الهرم، عبر إعطاء الناس المال مباشرة من خلال الدخل الشامل. إليك دليلاً تقريبياً حول كيفية عمل ذلك:

يحصل كل عراقي بالغ على 150 دولاراً شهرياً في حسابه المصرفي، بغضّ النظر عن الجنس أو الارتباط السياسي أو الوضع الوظيفي. قد يبدو المبلغ صغيراً مقارنة بمتوسط راتب موظف الخدمة المدنية (نحو 800 دولار شهرياً)، لكن هذا الراتب هو راتب لكل شخص، لا لكل أسرة. لذا، غالباً ستحصل الأسرة المكونة من أم وأب وطفلين مراهقين على 600 دولار شهرياً، وهذا ليس بالمبلغ الضئيل.

اقرأ أيضاً: خفض قيمة الدينار العراقي ليس "العصا السحرية" لإنقاذ الاقتصاد الغارق في المشكلات

كيف ستمول الحكومة ذلك؟ تنفق الحكومة حالياً نحو 90 مليار دولار سنوياً، معظمها على رواتب القطاع العام. إعادة توجيه نصف هذه الأموال نحو الدخل الشامل سيكون كافياً لتمويله، ويمكن استخدام الباقي للاحتفاظ بموظفي الخدمة المدنية المتميزين في مجالات الدفاع والأمن والرعاية الصحية والإدارة العامة والقطاعات الأخرى. بالنسبة إلى بقية القوى العاملة، يمكن للحكومة أن تعرض عليهم الاختيار بين الاحتفاظ بوظائفهم وتلقي الدخل الشامل بهدف تشجيعهم على الانخراط فيه.

سيادة العراق

إن إعطاء الناس المال بشكل مباشر من شأنه أن يقلل من مجموع الأموال المتاحة للأحزاب السياسية للتصرف بها بحرّية، ما يحدّ من نطاق فسادها. السؤال هو: لماذا يوافقون على ذلك؟ حسناً، إنّ موافقتهم مفيدة، ولكنها ليست ضرورية، فمصدر الدخل خارجيّ، من أموال تدفعها دول مثل الصين والهند مقابل النفط، ويمكن للمجتمع الدولي إقناع هذه الدول وغيرها من مستوردي الخام العراقي بتحويل الأموال مباشرة إلى 25 مليون حساب (عدد البالغين في العراق)، متجاوزين النخبة السياسية.

قد يحتجّ البعض بدعوة أن هذا يعدّ تعدياً على سيادة العراق. إذا احتجّوا، فيمكن للعراق إجراء استفتاء يطرح على سكانه سؤالاً بسيطاً: "هل تريد تلقي الأموال مباشرة في حسابك المصرفي أم تريد أن يكون السياسيون مسؤولين عن التوزيع مثل السنوات الـ18 الماضية؟".

اقرأ أيضاً: وزير النفط العراقي لـ"الشرق": سنصل إلى اكتفاء ذاتي بنسبة 80% من الغاز في 2025

وللدخل الشامل -الذي يجب ألا يكون أساسياً بالمناسبة- فوائد أخرى، فهو يوفر توزيعاً أكثر عدلاً للثروة من التدبير الحالي. لقد طالب معظم الانتفاضات الأخيرة في العراق، بما في ذلك "مظاهرات تشرين" التي اندلعت عام 2019، بتوفير فرص عمل للمحتجين الشباب وللمهمشين. إنهم يشعرون أن النظام مُتلاعَب به لصالح الفئة العمرية الأكبر، وخصوصاً لأولئك المرتبطين بالسياسة. لن يكون ذلك مشكلة في ظل الدخل الشامل، إذ سيتمتع الجميع بفرص متساوية للوصول إلى الثروة النفطية، كما سيرفع هذا النظام الإنتاجية والنمو في القطاع الخاص عن طريق إلغاء خيار الوظائف الحكومية.

أسعار النفط

ألا ينبغي للعراق أن ينفق أمواله على تحسين البنية التحتية القديمة والاستثمار في تقديم الخدمات العامة بدلاً من إعطاء الناس الأموال مباشرة؟ بالتأكيد. لكن هذا من شأنه أن يضع رهاناً على حسن النية والإدارة الفعالة لطبقته السياسية، وهو رهان لم يؤتِ ثماره في السنوات الـ18 الماضية، ومن غير المرجح أن يدر أرباحاً في المستقبل.

ألن يكافح العراق لتمويل الدخل الشامل إذا انخفضت أسعار النفط؟ بلى، لكن العراق كافح أيضاً لدفع رواتب القطاع العام عندما انخفض النفط في عام 2014، إذ إنه ذهب وقتها بكل تواضع إلى صندوق النقد الدولي طالباً المساعدة. في عام 2020 كان التراجع في أسعار النفط الخام حاداً لدرجة أنه أجبر الحكومة على خفض قيمة العملة لتغطية نفقاتها.

إن الدخل الشامل يقلل الفساد، ولديه فرصة تنفيذ أفضل من الحلول الأخرى التي تتطلب من النخب إصلاح نفسها ضد مصالحها، وهو أكثر عدلاً، ويطور اقتصاداً بشكل صحي أكثر. الدخل الشامل ليس مثالياً، لكنه يتفوق بكثير على الوضع الحالي، وعلى الأقل يستحق أن يُختبر عند تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات.