دليل "الواشية" لإصلاح "فيسبوك"

هوغن (في الوسط) في أثناء شهادتها أمام الكونغرس
هوغن (في الوسط) في أثناء شهادتها أمام الكونغرس المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في وقت سابق من هذا العام، سلّمت مديرة المنتجات التي عملت في شركة "فيسبوك"، رزماً من المستندات الداخلية للمسؤولين الحكوميين وصحيفة "وول ستريت جورنال"، لأنها -على حد قولها- توصلت إلى استنتاج مفاده أن الشركة لم تكن قادرة على التغيّر من تلقاء نفسها. عندما كان "تضارب في المصالح بين الأرباح والمصلحة العام والسلامة العامة، اختارت (فيسبوك) باستمرار إعطاء الأولوية لأرباحها". هكذا قالت فرانسيس هوغن أمام الكونغرس، في جلسة استماع عامَّة عُقدت في الخامس من أكتوبر، مستطردةً: "أدركت أننا بحاجة إلى مساعدة خارجية، بحيث أصبح السبيل الوحيد لحلّ هذه المشكلات من خلال حلّها معاً، لا منفردة".

اقرأ أيضاً: البيت الأبيض يطالب "فيسبوك" بإصلاحات لحماية خصوصية المستخدمين

جاءت جلسة الاستماع هذه، بعد أسابيع من الكشف عن الأسرار المدمّرة لسمعة الشركة، بناءً على الوثائق التي شاركتها هوغن مع الصحيفة الأمريكية، إذ عُقدت في اليوم التالي لوقوع مشكلة فنية تسببت في تعطل منصات "فيسبوك" الأساسية لساعات، مما زاد الشعور بالأزمة داخل الشركة. وخلال الجلسة أخبرت هوغن الكونغرس بما تعتقد أن على "فيسبوك" أن تفعله لجعل شبكتها الاجتماعية الرئيسية، ومنصة مشاركة الصور التابعة لها "إنستغرام"، أفضل، وأكثر أماناً، وأقلّ استقطاباً. وحول هذا الموضوع كثير من الأفكار، فقد أمضى الكونغرس ووكالات إنفاذ القانون الفيدرالية السنوات العديدة الماضية، في صياغة خططهم الخاصة لمحاسبة "فيسبوك"، غير أن مقترحات هوغن لم تتوافق دائماً مع مقترحات أقسى منتقدي الشركة.

اقرأ المزيد: "سناب شات".. الرابح الأكبر من تعطّل "فيسبوك"

تتلخص نقطة هوغن الرئيسية في أن "فيسبوك" بحاجة إلى إجراء تغييرات كبيرة على منتجاتها، التي ستؤدِّي، على الأرجح، إلى مشاركة أقل، وتراجع في عوائد الإعلانات، وفي النهاية ربح أقلّ، كما قالت مديرة المنتجات السابقة. وقد أشارت هوغن إلى أحد الجوانب الأساسية لتجربة الشبكة الاجتماعية، وهو نظام "التصنيف المستند إلى المشاركة" الذي يحدّد ما يراه الأشخاص في أيقونة خلاصة الأخبار خاصتهم. في عام 2018 أعطت "فيسبوك" الأولوية للمشاركة في إطار التحوُّل نحو "تفاعلات اجتماعية هادفة"، قالت الشركة إنها ستؤدي إلى ظهور مزيد من مشاركات الأصدقاء والعائلة من جهة، وظهور أقلّ للعلامات التجارية والناشرين من جهة أخرى. كان التأثير، وفقاً لهوغن، هو تأكيد المحتوى الذي أثار ردود فعل عاطفية قوية، ولو كان بغيضاً أو مثيراً للاستقطاب.

إعدادات الأخبار

من ثم، تفضّل هوغن أن يعرض موقع "فيسبوك" المحتوى وفقاً للترتيب الزمني، في الغالب، بدلاً من عرضه استناداً إلى المشاركة. ورغم أن الشبكة الاجتماعية توفّر هذا الخيار بالفعل، فإنها لا تسمح للمستخدمين بتعيينه كإعداد افتراضي. من جانبهم، قال المسؤولون التنفيذيون في الشركة إن خلاصات الأخبار المرتبة زمنياً، ستكون أقلّ صلة بعديد من المستخدمين، من تلك التي تختار خوارزمياتها المحتوى الشخصي.

فكرة أخرى نفّذتها "فيسبوك" جزئياً، هي إزالة "عدد الإعجابات" التي توضح عدد الأشخاص الذين تفاعلوا مع المنشورات على "إنستغرام"، وهي خاصية رُبطَت بالقلق الاجتماعي الذي يسبّبه المنتج، خصوصاً لدى المراهقين. وبعد التلاعب بالفكرة لسنوات، قالت الشركة مؤخراً إنها ستسمح للأشخاص بخيار إخفاء عدد الإعجابات. وفي هذا السياق دعت هوغن إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات الشاملة، قائلةً إنه ينبغي رفع الحد الأدنى لسِنّ الانضمام إلى الشبكات الاجتماعية إلى 18 عاماً، لأن صغار السنّ يفتقرون إلى مهارات الرقابة الذاتية لضبط سلوكهم. وأضافت هوغن أن خوارزمية المنصة الأساسية لديها "حلقات من ردود الأفعال، يستخدم فيها الأطفال (إنستغرام) لتهدئة أنفسهم، ولكنهم بعد ذلك يتعرضون لمزيد ومزيد من المحتوى الذي يجعلهم يكرهون أنفسهم".

شكّل بحث أجرته "فيسبوك" بنفسها حول أضرار استخدام صغار السن "إنستغرام" أحد أكثر الجوانب الصادمة في سلسلة تقارير "وول ستريت جورنال"، التي نُشرت استناداً إلى ما كشفت عنه هوغن. وقال نيك كليغ، نائب رئيس "فيسبوك" التنفيذي للشؤون العالمية، في بيان، إن التقارير تحتوي على "توصيفات خاطئة متعمَّدة"، بلا تفاصيل محددة. وقالت الشركة في بيان آخر إن هوغن لم تشغل درجة وظيفية رفيعة المستوى تجعلها أحد أعمدة "فيسبوك"، بحيث تفهم نهجها لمعالجة القضايا التي أدلت بشهادتها بشأنها. وكررت الشركة دعوتها إلى إصلاح قانون مهمّ صدر عام 1996 لتنظيم مواقع التواصل الاجتماعي.

من جانبهم، قدّم المشرعون عديداً من مشاريع القوانين التي تستهدف شركات التكنولوجيا الكبرى، والتي يعالج بعضها جوانب تصميم المنتج. وبينما يتفق أعضاء من كلا الحزبين على الحاجة إلى إجراءات أكثر صرامة لحماية الخصوصية، فإنهم يختلفون حول القضية المشحونة سياسياً والمتعلقة باعتدال المحتوى، إذ يركز الديمقراطيون على انتشار المعلومات المضللة، فيما يتهم الجمهوريون شركات التكنولوجيا بالتحيز ضد الآراء المحافظة.

التفكيك لن يساعد

إضافة إلى ذلك، تحظى مشاريع القوانين التي تواجه القوة السوقية لـ"فيسبوك"، بالإضافة إلى حفنة من شركات التكنولوجيا الضخمة الأخرى، بدعم كلا الحزبين بالفعل. كما طعنت لجنة التجارة الفيدرالية على صفقات استحواذ الشركة على "إنستغرام"، ومنصة الرسائل الفورية "واتساب". وقالت هوغن إن تفكيك "فيسبوك" لن يساعد. وتابعت بأن ذلك من شأنه أن يؤدي فقط إلى ظهور شركات أصغر تعاني مشكلات الخصوصية والشفافية ذاتها. ومن دون "إنستغرام" لتحفيز نموها، فإن "فيسبوك" ستعاني الركود، و"ستستمر في كونها فرانكنشتاين الذي يهدِّد حياة الناس في جميع أنحاء العالم".