جائزة نوبل تذكّرنا بأنه لا وجود للسلام من دون حرية تعبير

ريسا وموراتوف الفائزان بجائزة نوبل للسلام للصحافيين
ريسا وموراتوف الفائزان بجائزة نوبل للسلام للصحافيين المصدر: أ.ف.ب
Clara Ferreira Marques
Clara Ferreira Marques

Columnist for Bloomberg Opinion in Hong Kong. Commodities, ESG, Russia & more. Via Singapore, Mumbai, London, Milan, Moscow, Paris, Cape Town, Lisbon.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا يمكن لـ"جائزة نوبل للسلام" حل مشكلات سياسية شائكة. فهي لم ترسم نهاية نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، عندما حاز عليها الناشط الجنوب أفريقي ألبرت لوتولي في عام 1960، كما لم تجلب الحرية للاتحاد السوفيتي السابق عندما فاز بها عالم الفيزياء والناشط الحقوقي في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان إندريه ساخاروف في عام 1975. لكن يمكنها، على نحو دائم، تسليط الضوء على أسباب المشكلات التي تحتاج إلى إيلائها اهتماماً على الصعيد العالمي.

إقرأ أيضاً: عالمان يتقاسمان جائزة نوبل للكيمياء لعملهما على تطوير الخلايا الشمسية

يعتبر فوز ماريا ريسا يوم الجمعة -وهي صحفية فلبينية لا تعرف الكلل، والشريكة المؤسسة لشركة "رابلر" (Rappler) للوسائط الإعلامية الرقمية والمعارضة التي تعتبر كابوساً بالنسبة إلى الرئيس الفلبيني، رودريغو دوتيرتي- وشريكها بالجائزة ديمتري موراتوف -وهو المؤسس المشارك ورئيس تحرير صحيفة "نوفايا غازيتا" الروسية الذي يمثل صوت المعارضة في روسيا التي لا تترك أي مساحة للنقد - انتصاراً مشتركاً يسلط الضوء على عزيمتيهما في مواجهة المضايقات اليومية تقريباً. وقد استمر كلاهما في نشر الموضوعات الناقدة لنهج إدارة بلديهما، من قبل رجلين قويين لن يمتنعا إلا فيما ندر عن إسكاتهما.

عملت صحيفة "نوفايا غازيتا" تحت الضغوط، طوال المدة الرئاسية لفلاديمير بوتين. قبل خمسة عشر عاماً، وفي مثل هذا اليوم تقريباً، قُتلت آنا بوليتكوفسكايا رمياً بالرصاص في موسكو، حيث كانت تعمل صحفية استقصائية في صحيفة "موراتوف"، والتي دونت تاريخياً الانتهاكات الواقعة في منطقة الشيشان. وانتهى التحقيق في الجريمة بعد أن أُسقطت القضية بالتقادم يوم الخميس الماضي. وفي هذه الأثناء، كانت ريسا، التي انتقدت العنف الذي تمارسه الشرطة الفلبينية خلال الحرب على المخدرات بقيادة دوتيرتي، متهمة في قضايا تشهير وتهرب ضريبي، حيث تبقى الفلبين من بين أخطر الدول على مستوى العالم بالنسبة إلى الصحفيين.

تكريم لترسيخ مفهوم الديمقراطية

بيد أن، جائزة العام الجاري تحتفي بأكثر مما هو مجرد عمل رائع من قبل الحاصلين عليها. وتعتبر تكريماً لآلاف من الصحفيين الآخرين الذين يواجهون مخاطر يومية -وهو ما يؤدى إلى استمرار الديمقراطية وحرية التعبير على قيد الحياة. كما يعد ذلك الأمر انتصاراً لأطياف المجتمع المدني.

ارتفع عدد الصحفيين المسجونين خلال العام الماضي على نحو غير مسبوق، وازداد عدد ضحايا جرائم القتل في صفوف العاملين في مجال الإعلام بنحو الثلث، مقارنة بعام 2019. وتشير تلك الإحصاءات إلى أن هناك هجوماً على نطاق عالمي، يستهدف تضييق الخناق حول الديمقراطية. وبحسب أحدث استطلاع رأي أجرته منظمة "مراسلون بلا حدود"، فإن مهنة الصحافة تعتبر محظورة كلياً أو جزئياً لدى ثلاثة أرباع الدول الـ180 تقريباً المدرجة في قائمة تصنيف المنظمة، وهذا الأمر، يقدّم صورة قاتمة لا تحظى سوى باهتمام قليل -وتحظى باهتمام أقل بكثير، في ما يتعلق بعواقبها.

منذ سنوات عديدة، تشن روسيا أكثر حملات القمع عدوانية ضد وسائل الإعلام المستقلة، وتصف تلك الوسائل الإعلامية صاحبة الانتقادات، بأنها خاضعة لـ"عملاء أجانب"، وهو ما يسفر عن تعطيل قدرتها على أداء وظيفتها. لكن هنا ضغوطاً تقع على نحو يومي أكثر شيوعاً، والتي تشمل ممارسة الضغط على المالكين لوسائل الإعلام، وبروز دور المؤسسات المملوكة للدولة، وتوسيع نشر المعلومات المضللة من قبل أصحاب النفوذ. وعلاوة على ذلك، هناك مشكلات مالية كبيرة تحد من قدرة أي منظمة تعمل في مجال جمع الأخبار، على إجراء التحقيقات الاستقصائية، ونشر التقارير بطريقة ملائمة.

وفقاً لهذا المنطق، فإن الأهمية هنا تكمن في أن اللجنة اختارات صحفيين يعملان في منطقتين مختلفتين من العالم، وفي ظل حكم نظامين سياسيين متباينين. تبقى الفلبين دولة مصنفة ديمقراطية، وذلك رغم تعرضها لعطب بسبب سنوات تولّي وتيرتي للسلطة، بينما يعد توصيف روسيا على هذا النحو أشد صعوبة. بيد أن حرية التعبير، التي تتعرض لهجوم من الديماغوجيون ومن المعلومات المضللة، تبقى في مرمى النيران من كل الجهات، وهذا بالتالي، ينسحب على الديمقراطية نفسها. يتطلب الأمر منا إعادة التفكير في سنوات حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في البيت الأبيض، لكي نتذكر أنه حتى في الولايات المتحدة، التي يضمن دستورها حرية الصحافة، وصف الرئيس الأمريكي وسائل الإعلام التي تنتقده بأنها "معادية للشعب".

قوة تأثير متعاظمة

في كثير من الأحيان، تتعرض لجنة جائزة نوبل لانتقادات جراء منحها جوائز لمن لم يحقق إنجازاً يكفي ليستحقها. لم تكن اختيارات اللجنة دائماً صحيحة بكل تأكيد، بيد أنها تدرك بطريقة واضحة دورها كقوة تأثير متعاظمة، حيث لا تأخذ في الاعتبار إنجازات الأفراد فقط، ولكنها تنظر في الآثار المترتبة التي ربما يحققها جذب الانتباه إلى القضية المُثارة. لقد أعلنت اللجنة بموجب قرارها بصوت مرتفع، أن عالماً بلا حقائق، يعني عالماً بلا حقيقة أو ثقة، على حد تعبير ريسا عند سماعها لنبأ فوزها بالجائزة. كما إن عالماً في ظل تحديات ضخمة مثل فيروس كورونا وتغير المناخ، لا يمكن إخضاعه للسيطرة.

توجد أيضاً مخاطر للجائزة. قد لا تتقبل الأنظمة الحاكمة بلطف، تكريم منتقديها، ومن المحتمل أن تنحدر في ممارساتها بشدة. لكن بالنسبة إلى الذين يعيشون في بلدان مثل روسيا القابعة تحت حكم بوتين، فإن هذه المخاطر، قائمة بالفعل.