تغير المناخ سيوجه صدمة زلزالية لسلاسل الغذاء

الجفاف يهدد مساحات كبيرة من الأراضي الخصبة في أمريكا
الجفاف يهدد مساحات كبيرة من الأراضي الخصبة في أمريكا المصدر: بلومبرغ
Amanda Little
Amanda Little

Amanda Little is a professor of journalism and science writing at Vanderbilt University. She is the author of a Bloomberg Opinion series on the fate of food after Covid-19 as well as the book "The Fate of Food: What We'll Eat in a Bigger, Hotter, Smarter World."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اضطر ستيوارت وولف، وهو منتج كبير للوز والطماطم، إلى تجريف 400 فدان من بساتين اللوز في وسط كاليفورنيا - حوالي 50 ألف شجرة كانت ستُنتج في الظروف العادية 2.5 مليون دولار من المكسرات كل عام لعقد آخر.

وهي تشكل جزءاً بسيطاً من مزارع عائلته بمساحة 25 ألف فدان، ولكن تجريف الأرض كان بمثابة معالجة ضرورية - "مثل قطع يدك المصابة بشكل رهيب للحفاظ على بقية الجسم" حسبما أخبرني.

يخطط وولف لاستبدال الأشجار بمحاصيل التغطية التي لن يبيعها أو يحصدها، وإنما سيستخدمها لحبس انبعاثات الغازات الدفيئة في تربته، لكنه يخصص أرضاً أخرى لنوع آخر من الزراعة: الطاقة الشمسية الصناعية.

الجفاف يُهدِّد دول أوروبا الوسطى مع ارتفاع حرارة الأرض

موجات الجفاف والفيضانات والصقيع تضرب الإمدادات الغذائية على مستوى العالم

جفاف تاريخي

يعد وولف من بين آلاف المزارعين الأمريكيين الذين تضررت أعمالهم وتحولت بسبب الجفاف التاريخي والحرارة في الأشهر الماضية.

وهذه هي مجرد البداية. إذ يؤثر تغير المناخ على الزراعة تأثيراً أخطر من تأثير وباء فيروس كورونا، وهو أكثر استمرارية وتعقيداَ، ما سيؤدي إلى تحول هيكلي في نموذج أعمال الأغذية.

وقال دون كاميرون، رئيس مجلس الأغذية والزراعة في كاليفورنيا والمدير العام لمزرعة "تيرانوفا": "نحن على مفترق طرق، ولا عودة للوراء من هنا، ولا عودة إلى الوضع الطبيعي.. ويوجد حالياً عدد أكبر من المزارع المعروضة للبيع في وسط كاليفورنيا أكثر مما رأيته في حياتي".

التغير المناخي.. من ظاهرة تهدد الكوكب إلى سوق المشتقات

التكيف مع الوضع الجديد

ويتعين على المنتجين أن يبتكروا استراتيجيات جديدة لأراضيهم: ماذا يزرعون وأين، وسيتعين على المستهلكين التكيف مع الزيادات الأكثر حدة في الأسعار من الارتفاعات المشهودة أثناء الوباء - وربما مع معروض أقل توافراً من الأطعمة المفضلة لديهم، وسيحتاج المشرِّعون إلى تقديم إعانات لدعم الانتقال، خاصة للمزارع الصغيرة والمتوسطة.

ويتعين على المزارعين في جميع أنحاء أمريكا الشمالية التعلم من رحلة وولف إذ من المحتمل أن يسلكوا مساراً مشابهاً في السنوات القادمة في ظل العواصف المتكررة والعنيفة التي تغمر الحقول، وتعيق البنية التحتية للتوزيع في الجنوب والغرب الأوسط.

كما أدى الجفاف وحرائق الغابات إلى تدمير المزارع ومزارع المواشي، ويتسبب تغير المواسم وتقلبات درجات الحرارة والحشرات الغازية في خسائر فادحة في جميع أنحاء البلاد.

وكانت الحرارة والجفاف أول من أضعف أشجار اللوز الخاصة بوولف، ورفعت الظروف المناخية الجافة تكلفة المياه السطحية النظيفة إلى ما يصل إلى 2500 دولار للفدان، أي أعلى 10 مرات من المعتاد، وكان وولف يعلم أن الكثير من مياه آباره قد تحولت إلى مالحة وستقتل أشجار اللوز، وأصبح أفضل خيار لديه هو ترك البساتين تذوي وأن يستخدم المياه من آباره الجيدة من أجل الطماطم الأكثر ربحية.

البحث عن الربحية

عندما كان والد وولف يدير المزرعة، واجهته مسألة واحدة: ما المحاصيل التي أزرعها لتحسين واحدة من الأراضي الزراعية الأكثر إنتاجية وتنوعا في العالم؟ أما وولف فيسترشد حالياً بحسابات تفاضلية مختلفة: أي المحاصيل ستكون أكثر ربحية لكل فدان قدم من المياه المستثمرة؟ وكيف يمكنه تحقيق الاستفادة القصوى من الأرض التي لم تعد صالحة للمحاصيل؟

وبالإضافة إلى تجريف أشجار اللوز الخاصة به، اضطر وولف إلى إراحة ثلث المساحة المملوكة لأسرته البالغة 25 ألف فدان، وبدأ يستكشف الأراضي في المناطق الأقل تعرضاً للجفاف في كاليفورنيا، وكذلك في البرتغال، حيث يمكنه زراعة نفس المحاصيل في تربة أقل خصوبة، ولكن بمياه وفيرة.

ويغيّر فريقه أيضاً أنماط المحاصيل في حقوله من خلال تبني أصناف جديدة مقاومة للجفاف ومقاومة للحرارة وإضافة قطعة اختبار لصبار الأغاف - الذي يزدهر في الصحراء - لصنع الخمور.

الطاقة الشمسية

وبناء على حساباته الجديدة، خصص وولف 1300 فدان من أرضه لتركيب ألواح شمسية من المقرر أن تبدأ العمل في فبراير، ومن الصعب تخيل تغطية التربة في منطقة كانت تعتبر في السابق الهلال الخصيب الأمريكي، وأصبحت لا تحصد شيئاً سوى أشعة الشمس، ومع ذلك فهذه هي الخطة.

وسيجني وولف حوالي ألف دولار للفدان سنوياً من تأجير أرضه، وسيكون قادراً على ري حقوله الأخرى بقيمة 500 دولار للفدان.

ويخطط وولف لتوسيع مشاريع الطاقة الشمسية الخاصة به إلى 3 آلاف فدان بحلول عام 2025، ويأمل أن يتم الدفع له في النهاية مقابل عزل الكربون، ويرى أنه مع تضاؤل إمدادات المياه وقلة إنتاجه للغذاء، سترتفع أسعار محاصيله المميزة، ما يحد من خسائر الإيرادات، ويقدر أنه بحلول نهاية العقد، يمكن أن تأتي ربع إيراداته من الاستخدام غير المتعلق بالغذاء لأرضه، مثل الطاقة الشمسية

أضرار واسعة

وولف هو واحد من آلاف المزارعين في كاليفورنيا الذين يحاولون التكيف والحفاظ على استمرارية أعمالهم.

وخلال فصل الصيف، أزال جو ديل بوسكي، الذي يزرع 2000 فدان من الفاكهة والخضروات بالقرب من وولف، محصول الهليون لإنقاذ الشمام - لحماية حصته في سوق البطيخ.

واختار آلان بويس من شركة "ماتيرا فارمينغ إنك" ألا يزرع محاصيل الطماطم الخاصة به حتى يتمكن من تقاسم مياه ذلك المحصول مع جيرانه الذين يزرعون الحمضيات.

وفي "تيرانوفا"، حيث يزرع كاميرون 9 آلاف فدان، حفر آبارا أعمق وقام بتوسيع البنية التحتية للاحتفاظ بمياه الفيضانات لاستخدامها في المستقبل عند عودة الأمطار.

ومع ذلك، فإن وولف وبويس وكاميرون وديل بوسكي يديرون مزارع كبيرة يمكنها استيعاب الخسائر والتكيف، أما صغار المزارعين سيحتاجون إلى مزيد من المساعدة الحكومية للإبقاء على استمرارية أعمالهم.

دعم حكومي

ويقدم حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، نموذجاً واعداً لتمويل الزراعة الذكية مناخياً، ودعم البرامج الجديدة التي تربط خفض الانبعاثات بمشاريع كفاءة استخدام المياه، ومساعدة المزارع الصغيرة والمتوسطة الحجم على التكيف مع الضغوط المناخية.

ومن الصعب فهم المخاطر الهائلة لأن تغير المناخ يقلب عقوداً من العرف. ويزرع وسط كاليفورنيا ما يقرب من نصف احتياجات الولايات المتحدة من جميع الفواكه والمكسرات والخضروات، وثلث الطماطم في العالم.

ومع ذلك، تبدو التوقعات لهذه المنطقة قاتمة: من المتوقع أن ينخفض محصول الطماطم في كاليفورنيا في 2021 بنسبة 20% عن المعدل الطبيعي، وانخفض إنتاج اللوز بحوالي 15%، وفقدت كروم العنب ثلث عنب نبيذها أو أكثر، وسترتفع الأسعار بنسبة تصل إلى 25% لبعض محاصيل الخريف في كاليفورنيا، وفقاً لكاميرون، وقد يضر الجفاف بالإنتاج حتى عام 2023.

لطالما كانت الزراعة قطاع محفوف بالمخاطر، لكنه يواجه حالياً مستويات من المخاطر لم يسبق لها مثيل، ودعونا لا نتصنع بالألفاظ فقد رجرج فيروس كوفيد نظامنا الغذائي، لكن تغير المناخ يمكن أن يكون صدمة زلزالية، وهذه حرفياً قضية حياتية يومية، ويحتاج قادة القطاع والناخبون والمستثمرون وصانعو السياسات إلى البدء في التعامل معها على هذا النحو.