مشكلة الشاحنات الكهربائية

الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يقود سيارة "جيب رانجلر روبيكون" الهجينة، في جولة في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، يوم 5 أغسطس 2021
الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يقود سيارة "جيب رانجلر روبيكون" الهجينة، في جولة في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، يوم 5 أغسطس 2021 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حصلت السيارات الكهربائية على اندفاعة كبيرة في الولايات المتحدة خلال الفترة الأخيرة، مع قيام الرئيس الأمريكي جو بايدن بجولة للترويج لها في حديقة البيت الأبيض، وإصدار أمر غير ملزم بجعل نصف المركبات التي تباع في الولايات المتحدة تعمل بالكهرباء بحلول 2030.

عزز عدد من شركات السيارات الأهداف الخاصة بالكهربة، وهي ملتزمة بجعل بعض أكثر مركباتها كثيفة الكربون تعمل بالكهرباء أيضاً.

وينظر بعضهم إلى تطوير المركبات مثل: "جي إم سي هامر إي في" (GMC Hummer EV)، التي يبلغ وزنها 9000 رطل، و"فورد أف- 150 لايتننغ" (Ford F-150 Lightning)، التي تزن 6.500 رطل، على أنَّه انتصار لمكافحة تغيّر المناخ، مع إمكانية تحول عدد كبير من الأمريكيين الذين يحبون الشاحنات إلى المركبات الكهربائية.

اقرأ أيضاً: وادي السيليكون يجيب صنّاع السيارات الكهربائية.. سيليكون أقل

زيادة فترة انتظار تسليمات الرقائق تُنذِر بمشكلات أكبر لصناعة السيارات

المشكلة هي أنَّه في حين أنَّ هذه الشاحنات تقلِّل من الدمار البيئي الناتج عن المركبات، إلا أنَّها تؤدي إلى تفاقم أزمة صحية عامة أخرى، وهي العنف المروري. فصناعة السيارات تعمل على أن تصبح أكثر اخضراراً من خلال بناء مركبات تجعل شوارعنا حمراء "ممتلئة بالدماء".

حوادث المرور

تقتل حوادث المرور 1.35 مليون شخص سنوياً على مستوى العام، بما في ذلك 40 ألف شخص تقريباً في الولايات المتحدة سنوياً، وهي الدولة صاحبة معدل الوفيات المرورية الأعلى تاريخياً بين البلدان ذات الدخل المرتفع. هذه الحوادث هي السبب الأول لوفاة الأطفال والشباب في جميع أنحاء العالم. وفي الولايات المتحدة، من المرجح بشكل خاص أن يُقتل أصحاب البشرة السوداء، بالإضافة إلى السكان الأصليين بشكل خاص، في حوادث المرور، مثلهم كمثل كبار السن وراكبي الدراجات. وفي الفترة بين عامي 2015 و2030، من المتوقَّع أن تكلف الحوادث المميتة، وغير المميتة الاقتصاد العالمي ما يقدر بنحو 1.8 تريليون دولار.

في الولايات المتحدة، يقع اللوم إلى حدٍّ كبير على المركبات الضخمة في زيادة عدد قتلى حوادث السير.

فعلى مر العقود، وفي حين أصبحت كل التقنيات الأخرى تقريباً أصغر حجماً -بدءاً من أجهزة الكمبيوتر المحمولة إلى الهواتف الخلوية- إلا أنَّ السيارات تزداد حجماً وخطورة. والآن، باتت المركبات الرياضية متعددة الاستخدامات، أو سيارات الدفع الرباعي، والشاحنات الخفيفة كبيرة جداً، لدرجة أنَّه يمكن مقارنتها مع دبابات الحرب العالمية الثانية. وهناك شكاوى من أنَّها أًصبحت أكبر حجماً من المرائب ذاتها. ومع زيادة حجم هذه السيارات؛ أصبحت أثقل أيضاً. فخلال الفترة بين عامي 2000 و2019، زاد متوسط ​​وزن المركبات التي تعرَّضت لحوادث مميتة بنسبة 11%. على سبيل المثال، يتجاوز وزن مركبة واحدة من "جي إم سي هامر إي في" الجديدة وزن جسر بروكلين البالغ 3 أطنان بنسبة 50%. أيضاً، تميل المركبات الأكبر والأثقل إلى التوقُّف بعد قطع مسافات أطول، كما تصطدم بقوة وتأثير أكبر عندما تتعرَّض لحادث.

عيوب السيارات الضخمة

أجهزة النقل الشخصية الضخمة هذه تجول في شوارعنا، وتتطلَّب من السائقين الصعود خطوات عدَّة للوصول إلى مقاعدهم. وتتسبَّب واجهات السيارات التي تزداد تسطحاً، وأغطية محركاتها الأكثر طولاً في وجود مناطق عمياء أمامية أكبر بمرتين إلى 3 مرات مقارنة بسيارات "السيدان". وفي إحدى التجارب، جلس 18 طفلاً أمام سيارة رياضية متعددة الاستخدامات، وكانوا جميعاً محجوبين بالكامل عن نظر السائق بسبب غطاء المحرِّك هائل الحجم. ويؤدي هذا إلى تفاقم خطر "الاصطدامات الأمامية"، التي تصطدم فيها السيارة التي تتحرَّك للأمام ببطء بشخص لا يمكن للسائق رؤيته. ومعظم ضحايا الاصطدام الأمامي تتراوح أعمارهم بين عام أو اثنين، والغالبية العظمى من الوفيات في الاصطدامات الأمامية منذ التسعينيات شملت استخدام سيارة رياضية متعددة الاستخدامات، أو عربة نقل نفعية (فان)، أو شاحنة خفيفة. وتقدِّر دراسة حديثة في اقتصاديات النقل، أنَّه لو استُبدلت كل الشاحنات الخفيفة الصادرة بين عامي 2019 و2000 بالسيارات العادية؛ لكان أكثر من 8000 من المشاة ما يزالون على قيد الحياة حتى اليوم.

اقرأ المزيد: "فورد وجنرال موتورز" بصدد تسوية نزاع على اسم علامة تجارية

"صناعة السيارات تعمل على أن تصبح أكثر اخضراراً من خلال بناء مركبات تجعل شوارعنا مملوءة بالدماء".

خلال الوقت الحاضر، تصل السيارات الرياضية متعددة الاستخدامات، والشاحنات الخفيفة إلى 72% من مبيعات السيارات الجديدة في الولايات المتحدة، ومن المتوقَّع أن ترتفع هذه النسبة إلى 78% بحلول 2025. وتمثِّل هذه الأنواع من المركبات- التي تتصدَّرها "فورد أف – 150"- 8 من أفضل 10 سيارات مبيعاً في الولايات المتحدة. وخلصت دراسة من جامعة بوفالو إلى أنَّ سائقي سيارات الركاب، أكثر عرضة للقتل بـ7 مرات في حوادث تصادم السيارات الرياضية متعددة الاستخدامات، ويرجع ذلك جزئياً إلى قدرة السيارة الرياضية متعددة الاستخدامات على التدحرج فوق السيارة الأصغر، (وهي ظاهرة أطلق عليها مع الأسف، اسم "عدم تطابق المصد").

ببساطة؛ كلما كانت مركبتك أكبر؛ زادت احتمالية قتلك لشخص آخر.

مركبات أخلاقية

في الوقت الذي تقوم فيه شركات السيارات بتوسيع نطاق عملياتها الكهربائية، يجب أن تفكر في بناء المزيد من السيارات التي تراعي الجوانب الأخلاقية، وتلك السيارات هي النوع الذي بمقدوره المساعدة في إنقاذ كوكبنا وحياتنا. يجب أن تعطي مثل هذه المركبات الأولوية لسلامة كل من السائقين والأشخاص الآخرين خارج السيارة، وخصوصاً الأكثر ضعفاً؛ كالأطفال، و كبار السن، وأصحاب القدرات المحدودة، بالإضافة إلى أصحاب الأصول الإفريقية، والسكان الأصليين، والمشاة وراكبي الدراجات، قبل أي شيء آخر.

لكن بدلاً من ذلك، وبعد سنوات من تضخيم الغرور عبر ابتكار مركبات عدوانية تعمل بالوقود الأحفوري، ومصمّمة للسباق والسيطرة والتدمير؛ أصبحت شركات السيارات تفرِّط في زيادة الحجم، والنزعة الذكورية، والعنف، ثم تعوّض ما تفعله بجعل السيارة تعمل بالكهرباء بدلاً من البنزين.

منافسة شرسة

في رسالة حديثة، وعد رئيس شركة "جنرال موتورز"، مارك رويس، بأنَّ هدف الشركة سيكون "صنع شاحنات كهربائية قوية مثل سائقيها". وبعد أن باعت شركات السيارات مركباتها الشرسة على مدى عقود من الزمان للعملاء، لم يعد باستطاعة أي قَدر من التسويق أو الأنانية المتزايدة، حماية جسم الإنسان من "عربة عملاقة".

اقرأ أيضاً: "جنرال موتورز" تخطط لمضاعفة الإيرادات وهامش الربح بحلول 2030

كشف إيلون ماسك النقاب للمرة الأولى عن سيارة "سايبر تراك" (Cybertruck) من "تسلا"، في محاولة "للتنافس رأساً برأس" مع سيارة "فورد أف – 150". و ردَّت شركة "فورد موتور" عليه بإزاحة الستار عن طراز "أف – 150 لايتنينغ" (F-150 Lightning)، باعتباره "الطراز الأكثر تسارعاً من فئة "أف – 150" الذي تمَّ طرحه على الإطلاق. هاشتاغ #بناء_فورد_قوية (#BuiltFordTough)".

تعتبر سيارة "أف – 150 لايتنينغ" من "فورد"، أثقل وزناً بنسبة 35% مقارنة بنسختها التي تعمل بالبنزين. وأصبحت المقصورة الأمامية هائلة الحجم -التي تمَّ تحريرها من الحاجة إلى حمل مثل هذا المحرِّك القوي غير الضروري- بمثابة صندوق أمامي مفعم بالطاقة، أو "ميغا باور فرانك" (وكلمة "فرانك" هنا تختصر جملة الصندوق الأمامي للسيارة Front Trunk)، مما أضاف مساحة تخزين أكبر على حساب زيادة الرؤية وسلامة الآخرين.

في وصفها لاستراتيجيتها الخاصة بالمركبات الكهربائية، أعلنت شركة "دودج" أنَّها "لن تبيع السيارات الكهربائية، بل ستبيع "عضلات كهربائية أمريكية" (American eMuscle)، وأنَّها "ستمزّق الشوارع، وليس الكوكب".

نحن نشهد مسابقة قاتلة ومثيرة للقرف على الهيمنة، تديرها شركات صناعة السيارات، ويتمُّ الإعلان فيها عن توفير قوة أكبر وحجم مركبات أضخم، و"شاحنات عملاقة فائقة السرعة"، باعتبارها مسارات لتحقيق الاستدامة. هذه المسابقة ستسبِّب في قتل الكثيرين تحت ستار "الاستثمار الأخضر".

قال متحدِّث باسم "جنرال موتورز"، إنَّ سيارة "هامر" الكهربائية مجرد جزء واحد من "استراتيجية شاملة لدعم التبنّي الكبير للمركبات الكهربائية"، وهذه الاستراتيجية تتضمَّن مجموعة من خيارات المركبات الأخرى، بالإضافة إلى خطط لتسويق تقنيات البطارية، وخلايا الوقود الخاصة بها إلى صناعات أخرى، مثل السكك الحديدية والفضاء. ولم يرد ممثِّلو "فورد"، و"دودج" على طلبات التعليق.

الأصغر.. أفضل

يحتاج العالم إلى شركات سيارات ذات تفكير أخلاقي، قادرة على التخفيف من الأضرار التي تلحق بالبيئة والأجسام البشرية الضعيفة أيضاً. ويمكن لهذه الشركات بناء سيارات أصغر حجماً قادرة على نقل الأشخاص، والمعدَّات اللازمة للحياة اليومية والعمل. ويمكنها التأكُّد من أنَّ المركبات تزيد من الرؤية الخارجية، وتقلِّل من مصادر التشتت الداخلية. وبمقدورها تسويق منتجاتها بطريقة مسؤولة لا تمجّد للعنف والذكورية السامة. وباستطاعتها أيضاً منح الناس القدرة على شراء السيارات دون تكبيلهم بديون هائلة. بالإضافة إلى إنتاج مركبات تحمي أكثر الفئات ضعفاً في مجتمعنا، وتظل جيدة من أجل تحقيق أرباح لميزانية الشركة كذلك. والأهم من كل هذا، أنَّه يمكن لهذه الشركات أن تعترف بأنَّها تمثّل السبب والحل للعديد من المشكلات المجتمعية.

على الرغم من أنَّ شركات السيارات، فضلاً عن المتحمسين لها، قد يقاومون هذه التغييرات، من خلال الإشارة إلى طلب المستهلكين على السيارات الأكبر والأكثر قوة؛ إلا أنَّ الأمر الذي لا يرغب فيه معظم المستهلكين، هو قتل طفل أثناء القيادة لشراء البقالة. ولتلبية هذا الطلب وإنهاء المأساة التي يمكن منعها عن ملايين العائلات والمجتمعات التي دمَّرها العنف المروري كل عام؛ يجب على شركات السيارات إعطاء الأولوية للسلامة، وليس التسليح، كأسس لبيع المركبات الكهربائية في المستقبل.