تنافس القوى العظمى ومرارة التوزيع غير العادل للقاحات يهيئان مسرح محادثات المناخ

الرسم من إعداد: كاتي زيلاغي/ بلومبرغ
الرسم من إعداد: كاتي زيلاغي/ بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يتوافد رؤساء الدول والأمراء ورؤساء الوزراء، على أكبر حدث مناخي في العالم. إنَّها طبيعة محادثات المناخ الدولية السنوية التي تنظِّمها الأمم المتحدة، التي تعرف باسم مؤتمرات الأطراف. و في حين تتغير قائمة المدعوين طبقاً للأحزاب الحاكمة، إلا أنَّ شخصية مثل جينيفر مورغان، رئيسة منظمة "غرين بيس" (Greenpeace)، فقط، يمكنها أن تكون طرفاً دائماً في اجتماعات مؤتمرات الأطراف "كوب" (COP). غير أنَّ مورغان لم تشهد أبداً، خلال أكثر من عقدين، تغير الخلفية الجيوسياسية بشكل كبير، كما حدث قبل الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف "COP26" في جلاسكو، اسكتلندا.

اقرأ أيضاً: الأمل في عقد صفقة مناخية عالمية يتلاشى مع مرور الوقت

تنافس أمريكي صيني

لقد أدى الوباء الذي يربك الحكومات، ويقلِّب الافتراضات بشأن الاستثمار المستقبلي، إلى زيادة التنافس بين الولايات المتحدة والصين. و بحسب مورغان؛ فإنَّ ذلك يمكن أن يجعل دبلوماسية المناخ أكثر صعوبة، حتى لو أعاد الرئيس الأمريكي جو بايدن أغنى دولة في العالم إلى طاولة المفاوضات، وزادت سلسلة من الأحداث المناخية المدمِّرة الضغوط على القادة في كل أنحاء العالم.

هناك هوة واسعة من عدم المساواة بين الدول الغنية والفقيرة أيضاً. لقد كان ذلك بمثابة خط الصدع المستمر في مفاوضات المناخ، الذي تفاقم الآن بسبب المرارة من التوزيع غير المتكافئ للقاحات "كوفيد" المنقذة للحياة. ومن جهة أخرى، يمكن أن تجعل مستويات الديون القياسية، والخزانات الفارغة، وحتى الانقسامات المستمرة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إحراز تقدُّم في المفاوضات أمراً صعباً في قضيتين مهمتين، وهما: إنهاء استخدام الفحم؛ وتوجيه المساعدات المناخية من الدول الأكثر ثراءً إلى الدول ذات الاقتصادات النامية التي تعتمد على الوقود الأحفوري الأرخص، والأكثر تلويثاً للبيئة.

اقرأ المزيد: تعاون أمريكي إماراتي لإزالة الكربون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

وفقاً لـ"مورغان" وغيرها من المخضرمين في مؤتمر الأطراف؛ أدت هذه الخلفية الدبلوماسية المتوترة إلى تضاؤل التوقُّعات بتحقيق إنجاز عالمي مماثل لاتفاقية باريس لعام 2015. ومع ذلك؛ فإنَّ العمل المتأخر ستكون له عواقب وخيمة، فقد ارتفعت درجات الحرارة العالمية بالفعل بمقدار 1.1 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ومن ثم، ينبغي على الدول خفض انبعاثات الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري إلى النصف، بحلول نهاية العقد الحالي، لتحقيق الهدف الشهير المتمثِّل في الحد من الاحترار العالمي بواقع 1.5 درجة مئوية، الذي كان قد تمَّ تبنيه بعد مؤتمر الأطراف في نسخته الحادية والعشرين "كوب 21" (COP21). من جهتها، تحذِّر الأمم المتحدة من ارتفاع درجة حرارة الأرض بواقع 2.7 درجة مئوية، وذلك على أساس الأهداف الوطنية المعمول بها الآن.

وضع جيوسياسي معقّد

قال مسؤول حكومي أوروبي، سيحضر "كوب 26" (COP26) طلب عدم ذكر اسمه لأنَّه غير مخول بالتحدُّث إلى وسائل الإعلام، إنَّ التوتر بين الصين والولايات المتحدة يشكِّل أحد أكبر العقبات. و بحسب المسؤول المطلع؛ فقد كان الاتفاق بين هاتين القوتين في عام 2014، هو ما جعل الإجماع الدولي ممكناً حول هدف الـ1.5 درجة مئوية، مع توافق الدول الأخرى في ذلك الوقت. لكن هذه المرة، لن تفعل الصين أي شيء يمكن أن يبدو كأنَّه إذعان للضغط الأمريكي، كما يقول المسؤول.

اقرأ أيضاً: تعهدات الصين بتقليل الانبعاثات وعود"زائفة" وخطط قد لا تُنفَّذ

يقول ديميتري دي بوير، كبير ممثلي منظمة "كلاينت إيرث" (ClientEarth) الخيرية للقانون البيئي في الصين، الذي عمل مع وزارة البيئة في البلاد: "إنَّني قلق بعض الشيء نظراً إلى الوضع الجيوسياسي المعقَّد اليوم. هناك مخاطرة من أنَّ الجهود الدولية الاستفزازية التي تضغط على الصين لتسريع طموحاتها المناخية، حتى حسنة النية منها، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية".

على الصعيد الداخلي، توجد لدى الصين حوافز قوية لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من تلقاء نفسها، بما في ذلك آثار التلوث التي قد تهدِّد النظام. وقد بدأ ذلك يحدث بالفعل، فقد انخفضت سعة محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم، التي كانت السلطات الإقليمية في الصين قد وافقت على إنشائها في النصف الأول من عام 2021، بنحو 80% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وفقاً لأبحاث منظمة "غرين بيس" الدولية.

تقدّم هش

مع ذلك؛ فإنَّ هذا التقدُّم مايزال هشاً. فقد تعهد الرئيس شي جين بينغ مؤخراً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بوقف بناء محطات جديدة في الخارج لتوليد الطاقة من الفحم، لكنَّ حكومته أمرت أيضاً منتجي الفحم في الداخل بزيادة الإنتاج بأي ثمن، وسط أزمة طاقة عالمية.

اقرأ المزيد: شي: الصين لن تبني مشاريع طاقة جديدة تعمل بالفحم في الخارج

من ثم؛ فإنَّه من غير المحتمل أن تساعد الظروف المضيفين في المملكة المتحدة، على إبرام مزيد من الصفقات التي تتصدَّر عناوين الصحف الرئيسية في جلاسكو. يُذكر أنَّ شي، الذي ألقى خطابه في الأمم المتحدة عبر الفيديو، لم يغادر الصين منذ أن ضربها الوباء، ولا يخطط لحضور اجتماع قادة مجموعة العشرين الذي سيسبق انعقاده مؤتمر الأطراف مباشرة. وعليه، تعدُّ القمة في إيطاليا، أفضل فرصة للاقتصادات الكبرى لإبرام أي اتفاق بشأن قضايا المناخ.

يقول ديفيد فيكتور، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، إنَّه من الصعب بشكل متزايد جمع الدول حول أي هدف مشترك في ظل وجود دولتين قويتين تتنافسان على بسط نفوذهما. فضلاً عن أنَّ العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين المقربين، توتّرت بعد الإخفاقات الأخيرة في تنسيق الانسحاب من أفغانستان، واتفاق الغواصات مع أستراليا الذي أدى إلى استبعاد فرنسا من مشروع بتكلفة باهظة تصل إلى 66 مليار دولار. كما أنَّ انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، لا يساعد أيضاً على إبرام صفقات جديدة، إذ إنَّها لم تعد قادرة على الاعتماد على القوة المشتركة للكتلة المكوَّنة من 27 دولة، أو حتى على حسن نوايا الاتحاد الأوروبي، لبناء توافق في الآراء.

كما تشكِّل أزمة الطاقة، التي دفعت الأسعار إلى مستويات قياسية، ودفعت إلى إغلاق المصانع من الصين إلى أوروبا، عقبة أخرى. وقال مسؤول بريطاني مشارك في التخطيط للقمة، إنَّ الأزمة يمكن أن تُتخذ كذريعة للدول المترددة في التخلص التدريجي من الفحم.

أزمة ثقة للدول النامية

من جهة أخرى، ستصل الدول النامية، التي لا تثق بالفعل في وعود الدعم المالي، إلى اسكتلندا محملةً بشعور من المرارة بسبب تصورها عدم المساوة في المعاملة لوفود الدول التي ليس لديها إلا القليل من اللقاحات. وبعدما دعت بعض المجموعات البيئية إلى تأجيل المحادثات، حتى يتمكَّن المزيد من الأشخاص من الحضور، عرضت المملكة المتحدة تغطية رسوم الحجر الصحي للفندق وتوفير اللقاحات.

يقول مالانغو موغوغو، المدير الإداري لشركة "زينزيني للتمويل المستدام" (ZeniZeni Sustainable Finance)، الذي يقدِّم المشورة إلى جنوب أفريقيا: "تعكس التباينات حول إطلاق اللقاح، و المتعلِّقة بالتمويل المناخي. كما رأينا خلال أزمة كوفيد، فقد تمكَّنت الدول التي تتمتَّع بالتمويل من طرح اللقاحات، والعودة إلى وضعها الطبيعي بسرعة أكبر من نظيراتها التي لم تحظَ بتمويل مماثل".

وفقاً لـ"بلومبرغ لأبحاث تمويل الطاقة المتجددة" (BloombergNEF)؛ فإنَّ الأمر سيتطلَّب ما يصل إلى 173 تريليون دولار من الاستثمار على مدى 30 عاماً، لكي يفي العالم بالتزامات اتفاق باريس. هذا المبلغ الضخم سيواجه حتى أغنى الدول بخيارات مؤلمة سياسياً. أما بالنسبة إلى الدول الأكثر فقراً؛ فإنَّ تعهد الاقتصادات المتقدِّمة بجمع 100 مليار دولار سنوياً لمساعدتها يعدُّ مجرد بداية، وكان هذا الهدف أقل من المتوقَّع كل عام على مدى عقد كامل. أيضاً، ستركِّز المفاوضات في جلاسكو على آلية لجمع الأموال الخاصة لتلك الدول.

اقرأ المزيد: الدول المتقدمة تخفق في جمع 100 مليار دولار لهدف مناخي هام

من جانبه، يرى بابلو فييرا، المدير العالمي لوحدة دعم الشراكة في ائتلاف المساهمات المحدَّدة وطنياً (NDC Partnership Support Unit)، أنَّ الدول الفقيرة تدرك قيمة الاستثمار الأخضر، لكنَّها لا تستطيع أن تفعل ذلك ما لم تحصل على أموال كبيرة من نظيراتها المتقدِّمة. ويحذِّر قائلاً: "إذا لم يفعلوا ذلك، فلن يكون لديهم الوقت أو الصبر للانتظار طويلاً"، وسيختارون في النهاية استثمار أموالهم المحدودة في مصادر طاقة مألوفة مثل الفحم.

مبادرات متفرقة

غير أنَّ آفاق "كوب 26" ليست كلها بائسة. فأحد المجالات الأقل أهمية التي يمكن أن ينجح فيها مؤتمر جلاسكو، هو من خلال المبادرات التي تقوم بها مجموعات أصغر من الدول لطرح التزامات قطاعية بشأن إزالة الكربون. وفي هذ الإطار، تخطط الدنمارك وكوستاريكا لمبادرة تسمى: "تحالف ما بعد النفط والغاز"، التي تتطلَّب من الدول الأعضاء الالتزام بإنهاء إنتاج النفط والغاز. وكذلك، ستضغط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل التعهد بخفض غاز الميثان، وستطلب الأمم المتحدة من الدول التوقيع على اتفاقية لوقف بناء محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم.

اقرأ أيضاً: ممثلو 51 دولة يجرون في لندن محادثات مناخية "حاسمة" قبل قمة "كوب 26"

إنَّ اجتماعات مؤتمر الأطراف، ليست بمثابة اختبارات، فإمَّا أن تجتازها الدول، أو تفشل فيها. فالبيئة السياسية تتحوَّل لصالح تدابير خضراء أقوى، إذ يطالب الناخبون في العديد من الدول بمزيد من الإجراءات. أيضاً، تواجه الشركات مطالب غير مسبوقة من العملاء والمستثمرين، وحتى المحاكم، لخفض انبعاثاتها، وذلك بالتزامن مع مساهمة التطورات التكنولوجية في زيادة الوعي بما يمكن تحقيقه.

تقول مورغان من منظمة "غرين بيس": "فيما يتعلَّق بقضية ملحة للغاية؛ فإنَّ اجتماعات مؤتمر الأطراف ليست صفقة خاسرة. إنَّ العثور على طرق لتمكين الدول من التحدُّث والتعاون مع بعضها، أمر ضروري، و مايزال ممكناً".