شق طريقه من الفقر للثراء.. هل ينجح مؤسس "إيفرغراند" في إنقاذ إمبراطوريته؟

هوي كا يان مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة "إيفرغراند" الصينية
هوي كا يان مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة "إيفرغراند" الصينية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد أربع سنوات من التنافس مع "جاك ما" على لقب أغنى رجل في آسيا؛ تتدهور ثروة رئيس مجلس إدارة "إيفرغراند"، هوي كا يان، وتوشك إمبراطوريته العقارية الواسعة على الانهيار.

و هذا تحوُّل صاعق لرجلٍ كافح لشقِّ طريقه من الفقر في ريف الصين لبناء واحدة من أكبر شركات العقارات في العالم.

وفي أوقات الاضطرابات السابقة، كان هوي قادراً على الاعتماد على مساعدة أصدقائه من رجال الأعمال، ودعم الحكومة المحلية، لكن هذه المرة، مع الالتزامات البالغة 305 مليارات دولار، وانخفاض أسعار أصول الشركة، يبدو هوي بمفرده أكثر من أي وقت مضى.

إنفوغراف.. ديون إيفرغراند الصينية تفوق الديون الخارجية لـ5 دول عربية

وقال ديزموند شوم، الذي وصف كتابه "Red Roulette" حول تعاملاته مع النخب السياسية في الصين، كيف ذهب ذات مرة للتسوق مع هوي لشراء يخت فاخر: "لا مصلحة في إنقاذه.. وفي الوضع الذي هو فيه حالياً، لا أعتقد أنَّ أيَّ علاقات سياسية ستأتي لإنقاذه".

مصير غامض

ما سيحدث للملياردير هوي غير معلوم، سواء كان سيحتفظ بملكية إمبراطوريته أم لا. لقد فقد أحد حلفائه الملياردير، تشانغ جين دونغ، السيطرة على ذراع البيع بالتجزئة في مجموعته "صانينغ" عندما تلقى حزمة إنقاذ مدعومة من الدولة في يوليو.

ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّه ساعد هوي على الخروج من ضائقة، في حين واجه رؤساء الشركات الفاشلة مصائر أسوأ بدءاً من الاعتقال إلى الإعدام.

3 مسارات لتعثر العملاق الصيني "إيفرغراند"

وتتحوَّل إمبراطورية هوي إلى واحدة من أكبر ضحايا جهود الرئيس، شي جين بنغ، للحد من الأحجام المفرطة للتكتلات التي تغذيها الديون، ولنزع فتيل مخاطر سوق الإسكان في الدولة.

وبَنَت "إيفرغراند" والشركات التابعة لها من خلال مزيج عنيف من إصدار الديون المقوَّمة بالدولار، ومبيعات الأسهم، والقروض المصرفية، وتمويل الظل - طرق التمويل التي تمَّ القضاء عليها تقريباً، وتواجه المجموعة حالياً على أقل تقدير عملية إعادة هيكلة ديون، والتي قد تكون الأكبر في تاريخ الصين.

الصين تكافح لمنع انتشار عدوى أزمة "إيفرغراند" وليس إنقاذها

ابتعاد الأصدقاء

وربما يفقد حتى أنصاره منذ أجل طويل صبرهم، وتبيع شركة "تشاينيز ايستيتس هولدينغز ليمتد" التي تسيطر عليها عائلة قطب العقارات، وزميل هوي في لعب البوكر، جوزيف لاو، أسهم "إيفرغراند"، وقالت، إنَّها يمكن أن تتخلَّص من حصتها بالكامل.

مساهم رئيسي يتخارج من العملاق الصيني "إيفرغراند"

ما يزال هوي مسؤولاً عن المجموعة، وشوهد علناً في الاحتفال بالذكرى المئوية للحزب الشيوعي في ميدان تيانانمين في يوليو، مما يبرز قوة علاقاته السياسية، والتقى بالموظفين الشهر الماضي، ووقَّع بياناً عاماً يؤكِّد على أهمية الانتهاء من بناء العقارات المباعة.

ولم تستجب "إيفرغراند" فوراً على أسئلة طلب التعليق.

الأصدقاء الأثرياء الذين ساعدوا مالك "إيفرغراند" يحصون خسائرهم

تحديات منذ الصغر

ومع ذلك؛ فإنَّ افتقار الدعم العام لرجل الأعمال الصيني من بكين، وتراجع ثروته - التي انخفضت بمقدار 15 مليار دولار العام الجاري- سيؤديان إلى إجباره على تكثيف جهوده لإنقاذ إمبراطوريته، مثل بيع حصص في بعض أصول "إيفرغراند" التي كانت في وقت من الأوقات ذات قيمة عالية، ويشمل ذلك ما قيل عن بيع حصة أغلبية في وحدة خدمات العقارات التابعة لها إلى مطوِّرة عقارية أخرى تسيطر عليها عائلة الملياردير تشو.

عائلة الملياردير تشو قد تمد يد العون لـ "إيفرغراند" الصينية المتعثرة

ونجا هوي من الكثير من التحديات في الماضي، وولد في مقاطعة خنان عام 1958، وبعد أن فقد والدته عندما كان رضيعاً، تربى على يد جدته ووالده، وقد كانا يقطعان الخشب لكسب لقمة العيش، كما وفر التعليم مخرجاً له من الفقر.

وتخرَّج هوي في معهد ووهان للعلوم والتكنولوجيا في عام 1982، تماماً في الوقت الذي كان فيه دينغ شياو بنغ يفتح الاقتصاد، وبعد العمل في شركة للصلب؛ استقال من وظيفته في عام 1992 لتجربة حظه في العقارات.

إمبراطورية متوسِّعة

أسس هوي "إيفرغراند" في عام 1996 في مدينة غوانزو الجنوبية، وعلى مدى العقود التالية بنى الشركة لتصبح عملاقاً سيطر على أرضٍ تبلغ مساحتها خمسة أضعاف مساحة مانهاتن.

ولم يكتفِ هوي بقطاع العقارات، إذ راكم حصصاً في فرق كرة القدم، و كرة الطائرة، والمياه المعبأة، والترفيه عبر الإنترنت، والخدمات المصرفية والتأمين، وتعهد أن يتفوَّق على إيلون ماسك بـ"أقوى شركة سيارات تعمل بالطاقة الجديدة في العالم".

ومع نمو الشركة؛ نمت ثروة هوي أيضاً، وتضخَّمت ثروته الشخصية إلى 42 مليار دولار في ذروتها في عام 2017، وكانت حصة الأغلبية التي يمتلكها في "إيفرغراند" تعني أنَّه استفاد بسخاء من توزيعات الأرباح، فقد حصل على 8 مليارات دولار وحده منذ عام 2011، وفقاً لحسابات "بلومبرغ".

واشترت شركاته قصوراً فاخرة، بما في ذلك القصر الذي في سيدني، إذ كان لا بدَّ من بيعه في 2015 بعد أن وجدت الحكومة الأسترالية أنَّ الشراء ينتهك قواعد الاستثمار الأجنبي.

وكان هوي المدير الوحيد لشركة تمتلك منزلاً بقيمة 100 مليون دولار في التلال الواقعة فوق جزيرة هونغ كونغ، قبل أن يتخلى عن منصبه مؤخراً، وفق وثائق تسجيل الشركة.

تعليق تداول أسهم مجموعة "إيفرغراند" ووحدة العقارات التابعة لها

مسايرة النظام الحاكم

تأكَّد هوي من تماشي أعماله مع المجالات التي تنسجم مع أولويات قادة الحزب الشيوعي الصيني، ولا سيَّما الرئيس شي، بدءاً من جعل البلاد رائدة تكنولوجية عالمية إلى الفوز بكأس العالم، وهو عضو في اللجنة الاستشارية السياسية، التي تساعد في تقديم المشورة للحكومة بشأن السياسة، وفي عام 2018، تمَّ إدراجه في قائمة رسمية تضمُّ 100 رائد أعمال متميز.

وأشاد هوي بملايين الوظائف التي خلقتها الشركة، ومليارات اليوانات التي دفعتها كضرائب، كما برز كفاعل خير، وتصدَّر قائمة "فوربس" للعطاء الخيري في الصين.

وقال هوي في خطاب ألقاه في العام نفسه: "كل شيء في "إيفرغراند"، فهو من الحزب والدولة والمجتمع.. لذلك يجب أن نتحمَّل المسؤولية الاجتماعية".

عصر جديد

مع ذلك؛ كان هناك قلق متزايد بشأن حجم ديون الشركة التي تضخّمت بحلول عام 2018 إلى أكثر من 100 مليار دولار، وفي ذلك العام، خصَّ البنك المركزي الصيني شركة "إيفرغراند" لقدرتها على فرض مخاطر هيكلية على النظام المالي، بجانب تكتلات، مثل: "إتش إن ايه غروب"، و"تومورو هولدينغ كو"، و"فوسون إنترناشونال ليمتد"، وكان عصر التكتلات المتوسعة عبر الاستحواذات العنيفة المموَّلة بالديون ينتهي.

ومثلما اعتاد في الماضي، لجأ هوي، متعهداً بخفض اعتماده على الديون، إلى الأصدقاء والعلاقات مع الشركات لجمع الأموال.

اقتنصت شركاته ما يناهز 3.6 مليار دولار من الصفقات منذ عام 2018 مع الإمبراطوريات العقارية التي يديرها ثلاثة أقطاب صينيين آخرين- وهم أعضاء فيما يسمى بنادي "Big Two" بسبب ولعهم بلعبة البوكر التي تحمل الاسم نفسه، بمن فيهم لاو مالك "تشاينيز إيستيت" - وكان من بين استثماراتهم عملية شراء حصص في وحدات خدمات العقارات والسيارات الكهربائية المملوكة لـ "هوي"، بالإضافة إلى منصة مبيعات عبر الإنترنت.

قروض الظل

لكنَّ المنظِّمين استمروا في تضييق الخناق، وجفت قروض الظل - وهو التمويل غير المصرفي الذي شكَّل ما يقرب من ثلث ديون "إيفرغراند" في عام 2019 - وخضع الاقتراض المبهم من خلال المشاريع المشتركة للتدقيق، ومنع المنظِّمون الاقتراض الجديد من خلال سياسة "الخطوط الحمراء الثلاثة" للحدِّ من الاستثمار بالرافعة المالية.

وتسبَّبت هذه الإجراءات في أزمة سيولة في شركة "هوي" في 2020، وأدى فشل الاستحواذ العكسي لوحدة تابعة لـ"إيفرغراند" في البر الرئيسي إلى تعثرها عن سداد ما يصل إلى 20 مليار دولار من المدفوعات للمستثمرين.

وحذَّر خطاب مُسرَّب مرسل من "إيفرغراند" إلى حكومة مقاطعة قوانغدونغ (وهي وثائق قالت الشركة عنها إنها ملفقة) من أنَّ الشركة تواجه تعثراً محتملاً يمكن أن يفسد النظام المالي، وبعد فترة وجيزة، تمَّ التوصل إلى اتفاق لتجنُّب معظم المدفوعات، بدعم من المسؤولين المحليين، وتمكَّن "هوي" من التراجع عن حافة الهاوية، لكنَّ ذلك لم يدم طويلاً.

بكين لن تساعد "إيفرغراند"

وبدأت تتصدَّر الخلافات مع المورِّدين حول الفواتير غير المسدَّدة عناوين الصحف، وسعى بعضهم إلى تجميد الأصول، في حين أوقف بعضهم الآخر المشاريع، وتضاءل الدعم المحلي، على الأقل علناً، في الوقت الذي كثَّف فيه شي حملته على قطاع العقارات، ومضى قدماً في مبادرة تحقيق "الرخاء المشترك"، لكن من وراء الكواليس، حثَّ المسؤولون هوي على حلِّ مشاكل ديون شركته في أسرع وقتٍ ممكن.

و برغم حجم "إيفرغراند"؛ لا يوجد الكثير من العلامات على أنَّ بكين ستتحرَّك لمساعدتها.

وقال "هو تشيجن"، رئيس تحرير صحيفة "غلوبال تايمز" الحكومية، في منشور على"وايبو" الشهر الماضي، إنَّ الشركات مثل "إيفرغراند" لا يمكن أن تكون "أكبر من أن تفشل" بمجرد أن تنهار، وقال: "يجب أن تكون لديها القدرة على إنقاذ نفسها عبر السوق".

دعم الأثرياء

قال دونالد لو، مدير معهد دراسات الأسواق الناشئة في جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا، إنَّ حزمة الإنقاذ الكبيرة سترسل رسالة خاطئة في الوقت الذي يحاول فيه شي كبح جماح المليارديرات، وسد فجوة الثروة في البلاد.

قال لو: "إنَّ إنقاذ إيفرغراند يخلق خطراً أخلاقياً، ويزيد من احتمالية حدوث المزيد من نوبات الديون، مثل "إيفرغراند"، وربما الأهم من ذلك، أنَّه يقوِّض جهود الرئيس لتعزيز الرخاء المشترك، إذ قد يُنظر إلى حزمة الإنقاذ - على نحو صحيح - على أنَّها دعم ضخم للأثرياء".

آخر ابتكارات "إيفرغراند".. تسديد ديونها بعقارات مخفضة السعر

بيع الأصول

بدلاً من ذلك، عمد هوي إلى زيادة مبيعات الأصول لتوفير السيولة، وسداد العديد من دائني الشركة، بدءاً من مستثمري التجزئة الذين يطالبون بدفع حوالي 40 مليار يوان في منتجات استثمارية عالية العائد لـ"إيفرغراند"، إلى 1.6 مليون مشترٍ للمنازل، الذين دفعوا دفعات مقدَّمة لشقق لم يتم بناؤها بعد، فضلاً عن حملة السندات أيضاً.

وتعدُّ الشركة أكبر مُصدر للسندات دون التصنيف الاستثماري في آسيا، وخفَّضت شركات التصنيف الدولية مراراً وتكراراً تصنيف ديون الشركة مع تزايد القلق من أنَّ الشركة ستتخلَّف عن السداد.

وافقت "إيفرغراند" الشهر الماضي على بيع جزء من حصتها في أحد بنوك البر الرئيسي إلى الحكومة المحلية في صفقة قالت عنها وكالة "ستاندرد آند بورز ريتنغز"، إنَّها تمثِّل الخطوة الأولى نحو حل أزمة السيولة في الشركة.

"إيفرغراند" تفقد سيطرتها على بنك ببيع حصة لقاء 1.5 مليار دولار

وتفاوضت "إيفرغراند" أيضاً على بيع حصة نسبتها 51% في وحدة خدمات العقارات التابعة لها لشركة "هوبسون ديفيلوبمنت هولدينغز"، بحسب ما أفاد موقع "كايليان" الإخباري في 4 أكتوبر.

وقال كيني نغ، المحلل الاستراتيجي في شركة "ايفربرايت صن هونغ كاي كو": "إذا تمكَّنوا من بيع هذه الوحدة بنجاح، سيساعد ذلك على سداد الديون قصيرة الأجل، لكنَّه سيحد أيضاً من النمو المستقبلي للشركة".

انتشار عدوى "إيفرغراند"

ويزداد الضغط، ولم تقدِّم "إيفرغراند" أي مؤشر على أنَّها دفعت فائدتين على سندات دولارية مؤخراً، و برغم تشجيع المنظِّمين الماليين للشركة على اتخاذ كل التدابير الممكنة لتجنُّب التخلف عن سداد السندات الدولارية على المدى القريب، لكن فاتتها مدفوعات الفائدة لاثنين على الأقل من أكبر الدائنين من البنوك.

وتراجعت أسهم الشركة - المعلق تداولها حالياً - بنسبة 80% العام الجاري، في حين سجلت سنداتها الدولارية أدنى مستوياتها القياسية.

وفي الوقت نفسه، تنتشر العدوى إلى أجزاء أخرى من قطاع العقارات، مما أدى إلى ارتفاع مخاطر التخلف عن السداد مع مكافحة المطوِّرين العقاريين الأضعف للوفاء بالالتزامات القادمة.

وارتفعت عائدات السندات الصينية الدولارية دون التصنيف الاستثماري إلى أعلى مستوياتها منذ حوالي عشر سنوات.

ونظراً لأنَّ هوى يبدو منعزلاً بشكل متزايد؛ فإنَّ الوقت سيحدد ما إذا كان الملياردير يستطيع إيجاد طريقه للخروج من التحدي الحالي أم لا، وحتى لو فعل ذلك؛ فمن المرجح أن تبدو إمبراطوريته مختلفة تماماً في ظلِّ متابعة شي لخططه الطموحة لإعادة تشكيل اقتصاد الصين.

وقالت أليخاندرا غريندال ، كبيرة الاقتصاديين في "نيد ديفيس ريسيرش"، إنَّ تقلُّص القوة العاملة يعني "أنَّ الصين يجب أن تعتمد حصرياً على الإنتاجية لتحقيق النمو الاقتصادي.. وشركات العقارات مفرطة المديونية وغير المنتجة، مثل "إيفرغراند"،

لا تفضي إلى مستقبل منتج".