كيف أصبح ترميم فندق "والدورف" الشهير في نيويورك رمزاً لتمدد الصين العالمي؟

فندق "والدورف أستوريا" في نيويورك في عام 2017
فندق "والدورف أستوريا" في نيويورك في عام 2017 المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كان وو شياوهوي يرغب بالحصول على أسطول سيارات "رولز رويس" لنقله من مطار نيويورك إلى الفندق المتعدد الطوابق الشهير في بارك أفينيو، وهو المكان الذي طالما قدم خدمات الرفاهية الفائقة لنزلائه من الأمراء والرؤساء، حيث تم تقديم البيض على طريقة "بنديكت" لأول مرة تاريخياً، وحيث كتب الملحن الأمريكي كول بورتر مسرحيته الغنائية "كل شيء ممكن".

كان لدى الزائر الصيني مليارات لينفقها، وكان يتوقع المزيد من فندق "والدورف أستوريا".

ترمب يستغني عن فندقه الأشهر في واشنطن مقابل 400 مليون دولار

حينها لم يحصل الملياردير مطلقاً على سيارة الـ"رولز رويس" التي أرادها، لكنه اشترى "والدورف"، ما شكل إضافة لاندفاع أغنياء الصين المتلهفين لإنفاق الأموال.

كان ذلك حينها، أما اليوم فيقبع شياوهوي في سجن صيني، وهو الرجل الذي كان يقف وراء الصعود المذهل لشركة التأمين "أنبانغ (Anbang) ثم سقوطها المدوي عقب ذلك. أما بالنسبة لمبنى "والدورف" فهو حالياً بين يدي الدولة الصينية، حيث يمثل نصباً تذكارياً لعصر نشاط الشركات الصينية، الذي تم وضع نهاية مفاجئة ومؤلمة له من قبل حكومة بكين والأسواق.

ماذا يشتري أنجح مستثمر عقاري في العالم؟

ففي الوقت الذي تترنح مجموعة "تشاينا إيفرغراند" العقارية العملاقة، وبينما تم أخذ اثنين من كبار المديرين التنفيذيين لتكتل ضخم آخر هو "إتش إن إي غروب" (HNA) إلى السجن، يستعد "والدورف" لفصله التالي.

كيف حدث ذلك؟

في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أبرمت العديد من الشركات الصينية صفقات متخبطة، أثارت في ذلك الوقت تنافساً مع الطموحات العالمية للشركات اليابانية في الثمانينيات، التي صعدت بسرعة مذهلة. وبينما تم بيع معظم الأصول المرموقة التي ظفر بها أمثال شياوهوي، وفقا لتحليل أجرته "بلومبرغ".

بقي "والدورف" ليمثل الجوهرة النادرة التي يمتلكها مشترٍ صيني.

دفعت شركة "أنبانغ" ملياري دولار مقابل "والدروف" في عام 2014. وقد حلم شياوهوي بتحويل فندقه المشيد على طراز الـ"آرت ديكو" المعماري، إلى منتجع في مانهاتن للنخبة الصينية، وفقا لأشخاص مطلعين على أفكاره في ذلك الوقت. وكان يحلم بوحدات سكنية على امتداد طوابق المبنى.

سيحتوي فندق "والدورف" الجديد بالتأكيد على المزيد من الشقق، حتى لو لم تكن المساحات بالاتساع الذي أراده شياوهوي.

سيضم البناء على 375 غرفة فندقية، و375 شقة سكنية. وخلال العام الماضي تم طرح الوحدات للبيع بأسعار تتراوح بين 1.8 مليون دولار إلى 18.5 مليون دولار للوحدات المكونة من أربع غرف، بينما لم يتم تسعير شقق الـ"بنتهاوس" بعد.

الصين على خطى ألمانيا..كيف استلهمت بكين تحركاتها ضد شركات التكنولوجيا من برلين؟

وقد تم تكريم فريق "والدورف" والوسطاء العقاريين الأسبوع الماضي في احتفال أقيم بمناسبة الذكرى السنوية التسعين للمبنى، وهو وقت يتزامن مع انتعاش مبيعات الشقق في نيويورك، والتي تجاوزت مستويات ما قبل الوباء حسب بعض المقاييس.

أحد المشترين هي الطبيبة روزماري دوروثي بريا ليفين (63 عاماً) التي دفعت 1.8 مليون دولار لشراء استديو.

تقول دوروثي إن أكثر ما أعجبها هي مرافق الراحة المُقدمة حصراً للمقيمين مثل المنتجعات الصحية الخاصة والمسرح وبركة السباحة المضيئة التي تقع في الطابق الـ25 من المبنى الفخم. وقد تجاهلت دوروثي مخاوفها بشأن تأثير اعتقال شياوهوي في عام 2018، أو احتمالية فقدان الفندق لرونقه بسبب إقامة الرؤساء الأمريكيين في مكان آخر عند زيارتهم نيويورك. (توقف الرئيس باراك أوباما عن الإقامة التقليدية في الفندق بعد الاستيلاء الصيني عليه واختار فندق "نيويورك" بالاس بدلاً منه).

مزادات نيويورك تبيع لوحات فنيه بـ1.3 مليار دولار في أسبوع

وحول كل هذا الضجيج المثار بشأن شراء الصين لمدينة نيويورك. أشارت بريا ليفين إلى الضجة التي أعقبت استحواذ شركة "ميتسوبيشي إستيت" (Mitsubishi Estate) اليابانية على مركز "روكيفيلر" (Rockefeller ) في عام 1989. حينها انهارت البورصة اليابانية بعد أسابيع فقط، وبحلول منتصف التسعينيات تخلفت "ميتسوبيشي" عن السداد، بينما استحوذ الملياردير ديفيد روكفلر وعملاق العقارات "تيشمان سبير" و"غولدمان ساكس غروب" على مركز "روكيفيلر".

تقول بريا ليفين واصفة مبنى "والدورف" في نيويورك: "إنه بمثابة غرفة المعيشة لمدينة نيويورك"، وتتابع: "هو يمثل غرفة المعيشة بالنسبة للعالم".

يشرف فرانك ماهان، وهو مهندس معماري في "سكيدمور" و"أوينغز" و"ميريل"، على أعمال ترميم فندق "والدورف". الذي من المقرر أن تتم إعادة افتتاحه في عام 2023.

قام فريق ماهان بدراسة الطلاء باستخدام المجهر لإعادة إنتاج الألوان الأصلية للجدران. ويقول فرانك إن تحديث "والدورف" مع الحفاظ على أجواء عام 1931 شكل تحديا كبيراً. وأضاف: "أعمال تجديد "والدورف" تصل أقصى درجات الصعوبة".

كيف ساعد بوتين في تنظيم معرض فني يكاد يكون "مستحيلاً" في باريس؟

وكانت مجموعة "داجيا" للتأمين (Dajia Insurance Group) ومقرها بكين، وهي التي تم إنشاؤها لاستيعاب "أنبانغ"، قامت ببيع العديد من القطع الأثرية الفندقية في مزاد يذهب ريعه للأعمال الخيرية خلال العام الماضي.

لكن مبنى "والدورف" يتمسك بمقتنيات يعتبرها "تاريخية ولا تقدر بثمن" ومنها: منحوتة روح الإنجاز الشهيرة، والساعة الكولومبية المصنوعة في عام 1893 والموجودة في الردهة المركزية، إضافة إلى كرسي جون إف كينيدي الهزاز. وبيانو كول بورتر الضخم من عام 1907، واليوم يزين هذا البيانو من نوع "شتينواي" صالة عرض المبيعات التابعة للفندق.

احتجاجات

لم يكن عمال العالم سعداء إزاء وجود رمز انتصار للصين الشيوعية في وسط العاصمة المالية للعالم. وقد أصبح "والدورف" يشكل نقطة تجمع لاحتجاجات النقابات المحلية ضد مقاول من الباطن مشارك في أعمال التجديد.

ضمن هذه الاحتجاجات، ظهر في أحد الأيام مؤخراً أمام فندق "والدروف"، بالون دمية "الفأر" العملاق، الذي لطالما مثل رمزاً لنقابات عمال البناء في نيويورك لعقود مضت. وقال جيري ماثيوز من المجلس المحلي للنجارين إن "والدورف" المملوك للصينيين استخدم مقاولاً من الباطن غير منتمي للنقابة في جزء من أعمال التجديد.

الحملة التنظيمية على العقارات في الصين تثير مخاوف تباطؤ النمو

وبينما استطاعت الصين أن تمتلك "والدورف"، إلا أنها تكافح لتحقيق نجاحات في جذب الاهتمام بالجزء المتبقي من شركة "أنبانغ" للتأمين، والتي كانت تطالب ذات مرة بأصول بقيمة 300 مليار دولار. حيث انسحب المزايدون من مزاد تابع للشركة في أغسطس، ورفعت "أنبانغ" دعوى قضائية منفصلة خسرتها ضد مشترٍ لـخمسة عشر فندقاً فخماً في الولايات المتحدة بسبب انسحابه خلال فترة الوباء.

وقد كشفت معركة محكمة ديلاوير عن علاقات شياوهوي بالنخب السياسية، بما في ذلك عائلة الزعيم الصيني الراحل دنغ شياو بينغ والذي كانت حفيدته الزوجة الثالثة لشياوهوي. وقد قدمت "أنبانغ" استئنافاً على الحكم الصادر.

كما يتضح، فإن بائع السيارات السابق كان يتلاعب في دفاتر الشركة، وقد حكم على شياوهوي بالسجن لمدة 18 عاماً بتهمة الاحتيال واختلاس مليارات الدولارات.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تشق فيها الأموال المشكوك في أصولها طريقها إلى "والدورف".

وكان قد تم بناء الفندق الأصلي خلال تسعينيات القرن التاسع عشر، في الموقع الذي يتواجد عليه الآن مبنى "إمباير ستيت". وكان الفندق مدعوماً من قبل ورثة جون جاكوب آستور، الذي جمع جزءا من ثروته من خلال تهريب الأفيون إلى الصين مخالفاً لأنظمة الإمبراطورية في ذلك الوقت.