رعاة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين يواجهون معضلة قيمتها 110 مليارات دولار

شركات عالمية ترعى دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين
شركات عالمية ترعى دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تواجه شركات عالمية راعية لبطولة الألعاب الأوليمبية الشتوية في عاصمة الصين بكين، معضلة كبيرة، تتمثل في رغبتها في رعاية الحدث العالمي والوصول إلى كتلة ضخمة من المستهلكين حول العالم، ولكن في المقابل تضغط جماعات حقوق الإنسان على تلك الشركات لاستخدام منصاتهم لإدانة معاملة بكين للأقليات العرقية في شينجيانغ.

بالنسبة إلى الشركات العملاقة العالمية المنتجة للسلع الاستهلاكية التي ترعى الألعاب الأولمبية الشتوية، ستكون دورة بكين بمثابة عمل تسويقي يجب إنجازه بحذر كونه محفوف بالمخاطر.

تمثل الأولمبياد الشتوية عرضاً في واحد من أهم الأسواق لأكبر رعاة الألعاب، بما في ذلك "إنتل" (Intel) و"بروكتر آند غامبل" (Procter & Gamble Co.)، و"كوكاكولا"، و"تويوتا".

لا تكشف جميع الشركات عن مقدار الإيرادات السنوية التي تحصل عليها في الصين، لكن بيانات بلومبرغ والتحليلات التي أجرتها شركة "ستراتيجي ريسكس" (Strategy Risks)، وهي شركة أمريكية تقيس تعرض الشركات للصين، تشير إلى أن 10 من أكبر 12 جهة راعية خارجية تجمع سويةً 110 مليارات دولار سنوياً في الصين.

لكن على الرغم من ذلك، يدفع السياسيون وجماعات حقوق الإنسان خارج الصين تلك الشركات نفسها، وكذلك منافسيها، لاستخدام منصتهم لإدانة معاملة بكين للأقليات العرقية في شينجيانغ، التي تقول الولايات المتحدة وبعض المشرعين الأوروبيين إنها إبادة جماعية. كما دعا البعض إلى مقاطعة دبلوماسية للألعاب على الأقل.

تسير الجهات الراعية بحذر شديد لعدم رغبتها في إثارة غضب أي من الجماعتين. فمن بين أفضل 12 جهة راعية خارجية، استجابت لأسئلة بلومبرغ فقط شركتين - هما شركة "أوميغا" (Omega) التابعة لشركة "سواتش غروب" (Swatch Group)، وشركة "إير بي إن بي" - حول حقول الألغام السياسية المحتملة أو حتى خططهم الشاملة للألعاب. بينما رفضت تسع شركات التعليق ولم يتسن الوصول إلى واحدة.

التوترات الدولية

قالت "أوميغا" في بيان لها: "بصفتنا علامة تجارية عالمية، فإننا ندرك بالتأكيد التوترات الدولية ونراقبها بعناية". أضاف بيان الشركة "نحن نؤمن بصدق أن الألعاب الأولمبية هي فرصة مثالية للقاء على أرضية مشتركة بروح من الوحدة". يذكر أن علامة "سواتش غروب" التجارية هي الراعي الأول للأولمبياد منذ عام 2004.

أكدت "إير بي إن بي" أن أعمالها في الصين صغيرة، وتبغ فقط حوالي 1% من إيراداتها السنوية، لكنها ذات صلة. إذ كتب المتحدث باسم الشركة هاري هان في بريد إلكتروني: "نعتقد أن الصين جزء مهم من مهمتنا لربط الناس من جميع أنحاء العالم ومن خلفيات مختلفة، الآن أكثر من أي وقت مضى".


رسائل متشابهة

خلال جلسة استماع للكونغرس الأمريكي عقدت في يوليو بشأن رعاية الشركات لألعاب بكين الشتوية، كان لدى ممثلي شركات "كوكاكولا"، و"إير بي إن بي"، و"بروكتر آند غامبل"، و"إنتل"، و"فيزا" رسائل متشابهة: إنهم يدعمون حقوق الإنسان، ويدعمون الألعاب الأولمبية. بينما كانت شركة "إنتل" هي الشركة الوحيدة التي أتت على ذكر شينجيانغ بشكل محدد في شهادتها، قائلة إنها لا تستورد من هذا الإقليم.

خلال شهادته، قال ستيفن رودجرز، المستشار العام لشركة "إنتل"، إن رعاية أولمبياد 2022 "لا تنفي ولا تقوض التزامنا باحترام حقوق الإنسان أو أنشطتنا لمنع مخاطر انتهاكات حقوق الإنسان".

من جانبها، تنفي الصين وجود أي عمل قسري في الإقليم الغربي، واصفة المزاعم بأنها "أكبر كذبة في القرن". تضيف إن سياساتها تنتشل المنطقة من الفقر وتعزز الاقتصاد وتحارب التطرف.

اقرأ أيضاً: ميركل وماكرون يقودان أوروبا لتعزيز الصلة مع الصين

التبييض الرياضي

يختلف مع هذا الطرح المدافعين عن حقوق الإنسان، ويقولون إن الشركات التي تدعم أولمبياد بكين تساعد الصين على استخدام الرياضة لتشتيت الانتباه عما يحدث في شينجيانغ.

تسمي منظمة "هيومن رايتس ووتش" ذلك بـ"التبييض الرياضي"، إذ تقول المنظمة على موقعها على الإنترنت: "مما لا شك فيه أن الحكومة الصينية تستخدم الألعاب الأولمبية الشتوية لإخفاء انتهاكاتها وللإيحاء إلى أن العالم يوافق عليها".

قد تجد الشركات صعوبة في عدم دخول هذا الجدال، بغض النظر عما تفعله أو لا تقوله. يقول إسحاق ستون فيش، مؤسس شركة "ستراتيجي ريسكس": "الكثير من هذه الشركات وصفت نفسها بأنها متسامحة ومتنوعة - فهي تؤمن بقضية "حياة السود مهمة"، وتؤمن بحقوق الناخبين"، ويضيف ستون فيش "لا توجد استراتيجية خالية من المخاطر بالنسبة لأي منها."


مخاطر الأعمال

ارتفعت مخاطر ممارسة الأعمال التجارية في الصين بشكل كبير، حيث أدركت الشركات ذلك عبر التجربة.

في الربيع، شهدت الشركات السلع الاستهلاكية بما في ذلك "نايكي"، و"أديداس"، و"يونيكلو" (Uniqlo) التابعة لشركة "فاست ريتيلينغ" (Fast Retailing) وشركة تجارة التجزئة السويدية "إتش آند أم"، تضرر مبيعاتها في الصين بعد أن انتقدت معاملة الصين للعمال المسلمين في شينجيانغ.

قال مارك تانر، العضو المنتدب لشركة "تشاينا سكيني" (China Skinny) للتسويق والعلامات التجارية التي تتخذ من شنغهاي مقراً لها: "ستجد الشركات صعوبة في الموازنة بين الاحتياجات الحساسة للمستهلكين الصينيين مع وجود مراقبين يقظين بشكل متزايد في الغرب، وكلاهما يمكن أن يكون لهما تأثير مادي على الإيرادات". يذكر أن من بين عملاء شركة "تشاينا سكيني"، شركات مثل "إيكيا"، و"كولغيت – بالموليف"، و"نايكي".

لم يشمل تحليل الإيرادات أكبر راعي صيني لأولمبياد بكين، ألا وهي مجموعة "علي بابا"، ولم يضم أيضاً شركة "فيزا"، التي لم يتم اعتمادها لخدمات مقاصة البطاقات المصرفية في البلاد. من جهتها تمتلك شركة "أتوس" (Atos) الفرنسية عدة مكاتب في جميع أنحاء الصين، لكنها لا تنشر معلومات عامة حول عائداتها هناك، ورفضت الشركة طلبات بلومبرغ للحصول على مزيد من التفاصيل.

أقرأ أيضاً: الصين تدرس مشروع قانون يستهدف مكافحة العقوبات الأمريكية

غطاء كوفيد

قال يورغ ووتكي، رئيس غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين، إن إجراءات الصين الصارمة للسيطرة على الوباء تقلل من بعض التأثير المحتمل للمقاطعة الدبلوماسية للألعاب. وتعني أنه سيكون أيضاً "حدثاً مخففاً من الجانب التجاري".

عادة، تستخدم الشركات الأحداث بهدف الترفيه عن كبار العملاء والشركاء، لكن اعتباراً من الآن، قالت الصين إنها ستبيع تذاكر الألعاب، ولكن يُسمح فقط للأشخاص الذين يعيشون في الصين بالحضور، وأن بكين ستجري الألعاب فيما يسمى بـ"الحلقة المغلقة".

هذه الإجراءات وغيرها تجعل الأمر أكثر صعوبة وأقل متعة للعب دور المضيف لهذه الألعاب، ولا تزال الصين حالياً تطلب من بعض المسافرين الدوليين خضوعهم للحجر الصحي لمدة 21 يوماً عند وصولهم.

أضافت شركة "أوميغا" إنه نظراً للقيود الناجمة عن الوباء، فمن المرجح أن تقوم العلامة التجارية المصنعة للساعات "بالحد من عدد موظفي التسويق في الموقع، وكذلك الأنشطة الاجتماعية أو الأحداث التي يمكن أن تشكل خطراً على الضيوف والموظفين".

بغض النظر عن القيود المرتبطة بالوباء، ستظل الشركات الراعية تحت الضغط في بلدانها لتقدم سجلاً مرضياً عن عملياتها الصينية. فالتشريعات التي تنتقد السياسات الصينية في إقليم شينجيانغ هي على جدول أعمال المشرعين الأمريكيين، مما من شأنه أن يزيد المخاطر، على الأقل بالنسبة للشركات الأمريكية. وكما يقول ستون فيش، إنه بقدر ما لا تريد هذه الشركات إغضاب المستهلكين الصينيين، فإنها أيضاً لا تريد من السياسيين البارزين تحويلهم إلى "الطفل المطيع المساعد للحزب الشيوعي الصيني".