محمد العريان: 5 خصائص رئيسية للأسواق العالمية في 2020

محمد العريان
محمد العريان المصدر: بلومبرغ
Mohamed El Erian
Mohamed El Erian

Mohamed A. El-Erian is a Bloomberg Opinion columnist. He is the chief economic adviser at Allianz SE, the parent company of Pimco, where he served as CEO and co-CIO. He is president-elect of Queens' College, Cambridge, senior adviser at Gramercy and professor of practice at Wharton. His books include "The Only Game in Town" and "When Markets Collide."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كان 2020 عاماً لا مثيل له بالنسبة لمعظمنا في أنحاء العالم كافة، سيتذكره الجميع في الولايات المتحدة، والأسواق المالية الدولية بسبب خمس خصائص بارزة:

الانفصال الكبير بين "وول ستريت" والناس

بصرف النظر عن بضعة أسابيع بلغت فيها السوق ذروة التراجع بتاريخ 23 مارس، تمكَّنت الأسهم من تجاهل الانهيار الجذري في النشاط الاقتصادي العالمي، وما رافقه من عواقب كبيرة فورية وطويلة الأجل. ولم يُظهر هذا الانفصال المذهل (بين أوضاع الشركات التجارية، وحياة عامة الناس) أيَّ علامة على التباطؤ، حتى مع تداول الأسهم عند مستويات تقييم مرتفعة تاريخية. وإذا كان هناك من ملاحظة جوهرية؛ فقد أصبح هذا الانفصال الاستثنائي بالفعل أكبر في نهاية العام. لقد سجلت الأسهم أرقاماً قياسية واحداً تلو الآخر، في حين اضطرت الاقتصادات للتعامل مع موجة أخرى من حالات دخول المستشفيات، والوفيات الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، التي كانت مفاجئة في معظمها من ناحية كثافة الانتشار وسرعته، مع صعوبة رحلة الوصول إلى لقاح يخلق مناعة لدى الناس.

مطاردة تفسيرات حركة السعر

ما لم تكن، مثلي أنا، من أشد المؤمنين بالتأثير الساحق على الأسواق للسيولة الوفيرة والمتوقعة من قِبل البنوك المركزية، خاصة من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي؛ فمن الصعب عليك العثور على سرد منطقي لشرح وتوقَّع حركة أسعار الأسهم الاستثنائية، على مدار العام في الأسواق المالية. في الواقع، بدلاً من سلسلة "السرديات" الدلالية التي تقود حركة السوق، فقد أدت حركة السوق إلى سلسلة من التفسيرات التي حظيت بالإجماع، التي غالباً أثبتت أنَّها ذات تسلسل غير متسق. ويمكنني التفكير في العديد من الأمثلة، بما في ذلك الروايات السياسية الثلاث المتضاربة، التي تبنَّاها المشاركون في السوق على نطاق واسع في منتصف العام لشرح ارتفاع الأسهم على نحو مستمر، وهي كالتالي: احتمالات كبيرة لإعادة انتخاب الرئيس دونالد ترمب، وذلك يعني تطبيق ضرائب أقل، والتوجه لتنظيم أقل، إذ تكون الحكومة منقسمة، مما يجعلها مهمشة، وتسمح للأعمال التجارية بالازدهار دون عوائق ناجمة عن تدخل الجهات التنظيمية، وأخيراً موجة زرقاء (سيطرة الحزب الديمقراطي) من شأنها أن تؤدي إلى اعتماد خطة تحفيز مالي ضخمة، مما سيعزز الطلب بطريقة كبيرة.

ظاهرة ازدواجية حالة السيولة

عانى المستثمرون هذا العام من نقص السيولة في أكبر الأسواق وأكثرها سيولة تقليدياً، مقابل وفرة السيولة في القطاعات غير السائلة عادةً. وعلى وجه التحديد، سيجري تذكر شهر مارس باعتباره اللحظة التي تعطَّلت فيها حتى التدفقات النقدية لسندات الخزانة الأمريكية على نحو حاد، وهو المعيار القياسي لجميع المؤشرات العالمية. وبعد بضعة أسابيع، تدخَّل بنك الاحتياطي الفيدرالي في الأسواق، بما في ذلك إجراء عمليات شراء مفاجئة للأوراق المالية ذات العائد المرتفع، وضخ السيولة المالية على نطاق واسع، مما حثَّ المستثمرين "العابرين للأسواق" على المغامرة بعيداً عن مواطن استثمارهم الاعتيادية. ومع حلول نهاية العام، كان الإيمان العميق بـ "وضع البنك المركزي" كداعم دائم، يعني أنَّه من بين جميع المخاطر التي تواجه المستثمرين، فإنَّ ما يتعلق بالسيولة أصبح الأقل تقديراً عندهم.

البحث عن تخفيف المخاطر

كلما نجحت البنوك المركزية في كبح تأثير عوائد السوق على السندات الحكومية "الخالية من المخاطر"، (وواجهت المستثمرين بدخل ضئيل، أو منعدم، أومخاطر سعرية غير متكافئة)؛ زاد عدد المستثمرين الذين يبحثون عن طرق جديدة، وأكثر جاذبية لتخفيف المخاطر. ونتيجة لذلك، زاد أيضاً عدد المعلِّقين في السوق الذين أدلوا برأيهم خلال عام 2020 حول انقراض محتمل لمحفظة الأسهم – السندات التقليدية المنوَّعة بنسبة 60/40. لقد غامر العديد من المستثمرين، وخاصة أولئك الذين يواجهون عوائد سلبية (تحت الصفر) على السندات الحكومية، إلى مناطق أخرى من سوق الدخل الثابت في محاولة لتعويض المخاطر المرتبطة بملكيتهم الكبيرة من الأسهم. وما بدأ منها كمشتريات لسندات ذات درجة استثمارية قصيرة الأجل، بناءً على فرضية صحيحة، تقول إنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي وضعها تحت مظلة واقية من خلال عمليات شرائه الخاصة، وقد تطوَّر ليشمل الديون ذات مخاطر التخلف عن السداد بشكل كبير، مثل سندات العائد المرتفع، وسندات بعض الأسواق الناشئة. واعتمد آخرون أكثر على نهج "سلّة الأصول"، مضيفين الذهب، و"بتكوين"، والعملات الرقمية الأخرى إلى ما كان يضمُّ تقليدياً السندات الحكومية فقط.

الأسواق الناشئة تتفادى العوارض

وجدت الاقتصادات الناشئة نفسها وسط عاصفة اقتصادية كلياً بسبب الاضطرابات المرتبطة بتفشي كورونا، وبفعل "التوقف المفاجئ" للاقتصاد العالمي، والانتعاش غير المتكافئ جغرافياً الذي تلاه. وشهدت الكثير من هذه الاقتصادات انهياراً في عائدات التصدير، واختفاء عائدات السياحة، وتلاشي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، بل إنَّ بعضهم مايزال يواجه احتمالات التدفقات الخارجة (خروج الاستثمار). ومع ذلك، باستثناء البلدان التي كانت متعثِّرة مسبقاً، مثل الأرجنتين، والإكوادور، ولبنان، تجنَّبت الغالبية العظمى من الأسواق الناشئة حالات التخلف عن سداد الديون، وعمليات إعادة الهيكلة الكبيرة. وفي الواقع، مع عودة السيولة بسرعة إلى الأسواق المالية، ومع تشجيع المستثمرين للبحث بقوة عن عوائد أكبر، جرى إصدار مستوى قياسي من سندات الأسواق الناشئة ذات المخاطر المنخفضة، والعوائد الكلية بشكل استثنائي.

وكانت هذه العوامل الخمسة مجتمعة، وعلى عكس ما واجهه معظم الناس في جميع أنحاء العالم، إضافة إيجابية كبيرة لعامٍ منح المستثمرين قدراً كبيراً، مما يمكن أن يتمنوه، خاصة فيما يتعلَّق بالعوائد الجيدة مع تقلبات منخفضة بشكل ملحوظ باستثناء أسابيع قليلة في شهر مارس الماضي، ويبدو أنَّه قد جرى نسيانها بسرعة. وهي أيضاً عوامل أثبتت التأثير المهيمن للبنوك المركزية على السوق، التي ترسِّخ "علاقة اعتمادية" مشتركة غير صحية، يحرص معظم المستثمرين على مواصلتها بغض النظر عن تدهور مزايا الرفاه الاقتصادي والمالي على المدى الطويل، جنباً إلى جنب مع تصاعد الأضرار الجانبية، وانتشار العواقب غير المقصودة.