سر تحول جوجل وفيسبوك إلى عملاقين

توسع في نفوذ شركات التكنولوجيا العالمية
توسع في نفوذ شركات التكنولوجيا العالمية المصور: David Paul Morris/Bloomberg
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وضع ظهور الشركات التكنولوجية البارزة، مثل "أمازون" (Amazon) و"أبل" (Apple) و"فيسبوك" (Facebook) و"جوجل" (Google)، تحدياتٍ جديدة أمام المراقبين المتخصصين في شؤون المنافسة التجارية، الذين يطبقون قوانين مكافحة الاحتكار في البلاد؛ إذ تُسيطر هذه الشركات على أسواق الكتب الإلكترونية والهواتف الذكية والإعلانات على شبكة البحث والتفاعل على شبكات التواصل الاجتماعي.

ويساعد كل ما سبق على تحفيز الجدال العالمي، حول ما إذا كان الوقت قد حان لكبح جماح مثل هذه الشركات الكاسحة، وبالرغم من عدم تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن غالبًا، إلا أن الوضع سيتغير حتمًا.

هل تعتمد الشركات التكنولوجية العملاقة سياسة الاحتكار؟

مما لا شك فيه، أن هذه الشركات لها نفوذ كبير، فوفقًا لشركة (eMarketer)، تتحكم شركتا "جوجل" (Google) و"فيسبوك" (Facebook Inc.) معًا بحوالي 60 بالمئة من إيرادات الإعلانات الرقمية في الولايات المتحدة الأمريكية وبـ 64 بالمئة من إيرادات إعلانات الهواتف النقالة. أما بالنسبة لشركة "أبل" (Apple Inc.)، فتمتلك حوالي 45 بالمئة من سوق الهواتف الذكية الأمريكي، بينما تتم 47 بالمئة من مبيعات التسوق الإلكتروني عبر منصة موقع "أمازون" (Amazon.com Inc). (وارتفعت حصة شركة ستاندرد أويل في سوق النفط ما نسبته 88 بالمئة في أواخر القرن التاسع العشر).

ولكن، في ظل إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار الحديثة، فإن هذه النسب وحدها لا تكفي لإثارة قلق الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة، التي توقفت منذ زمن طويل عن الشك في تصرفات الشركات الضخمة. فما يُعد غير قانوني هو إساءة استخدام الشركة المحتكرة لقوتها السوقية، بشكل تمنع معه منافسيها من تهديد سيطرتها. وقاضت المحكمة الفيدرالية شركة "مايكروسوفت كورب" (Microsoft Corp.) لارتكابها جريمة الاحتكار في التسعينيات.

إلى أي مدى تحاول الولايات المتحدة إيقاف عمليات الاحتكار؟

كانت دعوى شركة "مايكروسوفت" آخر قضية احتكار كبرى رفعتها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي مضى عليها 20 عامًا. وغالبًا ما يُستشهد بهذه القضية للدلالة على مدى التراخي في إنفاذ قانون مكافحة الاحتكار. ورغم تعهد إدارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" (Barack Obama) عام 2009 بالتشدد في إنفاذ القوانين، إلا أن ذلك لم يحدث؛ فقد انخفض عدد قضايا الاحتكار التي رفعتها الولايات المتحدة انخفاضًا حادًا من متوسط قدره 15.7 قضية ​​سنويًا بين 1970 و1999 إلى أقل من ثلاث قضايا بين عامي 2000 و2014.

هل أصبح التفكير في مكافحة الاحتكار صيحة قديمة؟

يعتقد بعض المحامين والاقتصاديين أن الوقت قد حان لتخطي قانون مكافحة الاحتكار التقليدي، وذلك للنظر في الآثار السيئة المترتبة على زيادة التركيز في السوق، مثل انخفاض الاستثمار الخاص وضعف نمو الإنتاجية وازدياد التفاوت الاقتصادي وتراجع ديناميكية العمل أو معدل دخول الشركات إلى الأسواق أو الخروج منها.

وحصل هذا الرأي على تأييد رفيع المستوى من السيناتور "إليزابيث وارن" (Elizabeth Warren)، وهي عضو في الحزب الديمقراطي من ولاية ماساتشوستس تسعى لترشيح حزبها لرئاسة عام 2020، واقترحت تفكيك الشركات التكنولوجية العملاقة ، مثل شركتي "فيسبوك" و "جوجل".

هل أساءت الشركات التكنولوجية العملاقة استغلال نفوذها؟

نظرًا لأن المنصات الإلكترونية مثل "أمازون" و"فسيبوك" تلعب دور الوسيط للمنتجات والخدمات الأساسية في يومنا هذا، فإنها تُلقي بظلال نفوذها على المنتجات والمستهلكين على حدٍ سواء؛ حيث استغلت شركة "أمازون" نفوذها في سوق الكتب عام 2014 لحظر الطلبات المسبقة على بعض كتب دار النشر "هاتشيت" (Hachette) إثر خلاف معها حول التسعير.

تكبر الشركات التكنولوجية العملاقة أيضًا من خلال استحواذ المنافسين المحتملين ممن قد يهددون حصتها في السوق. وقد أظهرت البيانات التي جمعتها بلومبرغ أن الشركات الخمس الكبرى – "ألفابت" (Alphabet) و"أمازون" و"أبل" و"فيسبوك" و"مايكروسوفت" (Microsoft) - حققت 431 عملية استحواذ بقيمة 155.7 مليار دولار خلال، وأن هذه الشركات تتمتع أيضًا بالسيطرة على كميات هائلة من البيانات المتعلقة بعملائها، مما يثير المخاوف بشأن مخاطر تهديد الخصوصية.

ماذا يثير مخاوف الجهات التنظيمية؟

تركز الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل رئيسي على الضرر الذي قد يلحق بالمستهلكين جراء ضعف المنافسة. فعلى سبيل المثال، هل من الممكن أن يترتب على اندماج شركتين مع بعضها رفع للأسعار؟ لا يُمثل ذلك عادةً أي مشكلة في اتفاقات الشراكات المنعقدة بين الشركات التكنولوجية، ذلك أن الشركات الكبرى غالبًا ما تقضي على منافسيها الصغار أو تشتري شركات أخرى بهدف دخول أسواق جديدة.

لقد كان الاتحاد الأوروبي أكثر صرامة في التعامل مع هذه المشكلة، وهذا ما يتضح من الغرامة المالية البالغة 2.7 مليار دولار التي فرضها على شركة "جوجل"، التابعة لشركة "ألفابت"، جراء فرضها تفضيلات معينة على المستخدم ضمن خدمتها لمقارنة المنتجات للتسوق بشكل يضر منافسيها. كما فرض الاتحاد الأوروبي غرامة مالية أخرى على شركة "جوجل" في 2018 بقيمة 5 مليارات دولار.

ما سبب تضييق الاتحاد الأوروبي الخناق على الشركات التكنولوجية العملاقة؟

يضع الاتحاد الأوروبي معيارًا أدنى فيما يتعلق بتحديد إساءة استخدام الشركة لهيمنتها في السوق مقارنة بالولايات المتحدة، ولذلك صار من الأسهل انتهاك قانون مكافحة الاحتكار فيه. (لكن الولايات المتحدة الأمريكية فضلت عدم فرض غرامات مالية على شركة "غوغل" (Google) لنفس السلوك الذي اعتبره الاتحاد الأوروبي غير قانوني).

ويقلق منفذو القوانين في الاتحاد الأوروبي من الشركات الكبرى التي تجمع بيانات عملائها الشخصية، فقد منحت قوانين الخصوصية الجديدة المشددة، التي دخلت حيز التنفيذ في الاتحاد الأوروبي شهر مايو 2018 بموجب النظام العام لحماية البيانات، الجهات التنظيمية سلطات غير مسبوقة لحماية الأشخاص من إساءة استخدام بياناتهم من قبل الشركات التي تمارس نشاطها في الاتحاد الأوروبي.

وبالفعل، تم تغريم شركة "جوجل" بدفع 50 مليون يورو (56.8 مليون دولار) بسبب انتهاكات الخصوصية- وهي أعلى عقوبة من هذا النوع يفرضها الاتحاد الأوروبي حتى الآن. (وتجدر الإشارة إلى أن شركة "جوجل" قد استأنفت هذه الدعوى).

ما رأي الشركات في الأمر؟

تزعم الشركات التكنولوجية العملاقة أن هيمنتها على السوق لن تدوم، ذلك أن القيود المفروضة على دخول المنافسين الجدد إلى السوق ضعيفة. فكما تقول شركة "جوجل" دائمًا، إن المنافسين "على بعد كبسة زر واحدة".

ونظرًا لطبيعة المنافسة في السوق الرقمية، تستفيد المنصات الإلكترونية من تأثير شبكة الإنترنت؛ فكلما زاد استخدام الناس لها، زادت هيمنة وأهمية هذه المنصات، إذ يمنح تأثير شبكة الإنترنت الشركات ثقلًا بسرعة كبيرة ويخلق ما أسماه المُستثمر "وارن بافت" (Warren Buffett) بالخنادق التنافسية، وهي الميزات التنافسية التي تتمتع بها الشركات ويصعب تقليدها أو مجاراتها من قبل الشركات الأخرى في نفس القطاع.