صندوق النقد الدولي لا يحتاج لأن يكون "أكثر ديمقراطية"

المصدر: غيتي إيمجز
Tyler Cowen
Tyler Cowen

Tyler Cowen is a Bloomberg Opinion columnist. He is a professor of economics at George Mason University and writes for the blog Marginal Revolution. His books include “The Complacent Class: The Self-Defeating Quest for the American Dream.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هذا هو أسبوع صندوق النقد الدولي، حيث يجتمع أعضاء مجلس إدارته والدبلوماسيون وخبراء الاقتصاد، وغيرهم العديد من الشخصيات ذات الصلة بالصندوق، بهدف التباحث في أنشطته وخططه. علاوة على ذلك، هناك جدل دائر حول الوظيفة السابقة لمديرة صندوق النقد الدولي الحالية، كريستالينا جورجيفا، عندما كانت تتولى مهمة الإشراف على "مؤشر ممارسة أنشطة الأعمال" التابع للبنك الدولي. ومن ثم، تبرز مجدداً أسئلة مرتبطة بدور الصندوق، ومقدار الثقة فيه، وما إذا كان ينبغي أن تتولى قيادته دائماً شخصية أوروبية، كما جرت العادة.

إقرأ أيضاً: رغم تبرئة "جورجيفا".. مصداقية صندوق النقد لا تزال في مأزق

هل من ضرورة للإصلاح

ألا نحتاج إلى إصلاح صندوق النقد الدولي على نحو ما؟ أليس من الضروري أن يتولى قيادة الصندوق "الشخص الأفضل"، بغض النظر عن أصوله القومية؟ وهل يجب أن تجري عملية الاختيار بطريقة أكثر ديمقراطية؟

إجابتي المقتضبة عن كل هذه الأسئلة، هي: "ليس حقاً". من الأفضل لنا أن ندرك أن صندوق النقد الدولي في حقيقته، مؤسسة مثقلة بالأعباء، بل إنه مؤسسة تتصف بـ"المحسوبية" إلى حد ما، وهذا ما يجب أن يكون عليه.

لقد تم إنشاء صندوق النقد الدولي بموجب اتفاقية "بريتون وودز"، التي صاغت بنودها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والهدف منه فرض هيمنة حقيقية للنظام المالي والنقدي الغربي على العالم. وفي أيامنا هذه، تمارس مجموعة الدول الخمس الأساسية (الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا واليابان) نفوذها المهيمن من خلال حصص التصويت الخاصة بها، فيما تتمتع الصين بنفوذ أكبر بكثير مما كان عليه الأمر في السابق، لكنها مع ذلك، مازالت غير قادرة على تجاوز إجماع مجموعة الخمس.

غاية الدول الخمس

تستغل مجموعة الدول الخمس وحلفاؤها، صندوق النقد الدولي، واضعة ما تملكه من سمعة خلف النظام النقدي الدولي. وبطبيعة الحال، فإن هذه الدول الداعمة للصندوق، ستضمن فقط نظاماً توافق عليه، وتستفيد منه إلى حد كبير.

لو لم يكن صندوق النقد الدولي موجوداً، لكان على الدول الغنية أن تقوم بشكل دوري بإنقاذ الدول المتعثرة، وذلك لهدف واحد، وهو أن رجال السياسية في مجموعة الدول الخمس، لن يرغبوا في تعريض استقرار النظام المالي العالمي للخطر. بيد أن المشكلات ستنشأ حينما يتطلب الأمر وضع خطة إنقاذ جديدة في كل مرة. من هي الدولة التي ستساهم في الخطة، وبكم من المال؟ من هي الدولة التي ستكون مسؤولة عن قرار وقف الدعم المالي المقدم لدولة متعثرة، ومتى يجب فعل ذلك؟ من سيكون مسؤولاً عن سداد ما يتم تقديمه من ديون، وما الذي يضمن هذا السداد؟ كل هذه الأمور، يتم تنظيمها وإضفاء الطابع المؤسسي عليها، من خلال صندوق النقد الدولي.

إقرأ المزيد: صندوق النقد يقدم أكبر تمويل في تاريخه بقيمة 650 مليار دولار لدعم الدول في مواجهة "كورونا"

عامل المحاباة، أو "المحسوبية" التي يتسم بها صندوق النقد الدولي، يتمثل في أن الدول الخمس تستغل الصندوق وعمليات الإقراض التي يقوم بها، من أجل حماية الجدارة الائتمانية لبنوكها وأنظمتها المالية. وفي المقابل، لو كان وجود صندوق نقد دولي هو لخدمة "مواطني العالم" -مهما كان المعنى المقصود من هذه العبارة- فسيفتقر حينها للدعم من الدول الكبرى ومن اللاعبين الرئيسيين على الصعيد المالي، بل سيكون أشبه بمنظمة "اليونيسف" التي تواجه نقصاً في التمويل، بدلاً من أن يكون مؤسسة تستطيع تحريك الأسواق العالمية، أو تقديم الدعم اللازم لمساعدتها والمحافظة عليها.

أين دور الصين؟

لن يكون مفيداً للصين أن يكون لديها تأثير كبير على صندوق النقد الدولي، إذ إنها لا تسعى إلى تأسيس نظام عالمي للتجارة الحرة نسبياً ولحرية انتقال رؤوس الأموال. يدرك الصينيون هذا الأمر، وهم عملوا على إنشاء مشروعات إقراض واستثمارات خاضعة لهم، على غرار "مبادرة الحزام والطريق" الضخمة و"البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية".

من هنا، لا يعد أمراً مستغرباً أن يقوم الأوروبيون بترشيح الشخص الذي يتولى منصب المدير العام لصندوق النقد الدولي، أو أن تختار الولايات المتحدة رئيساً للبنك الدولي، في إطار اتفاق متبادل منذ مدة طويلة. يجري تنصيب الشخثيات المؤثرة لضمان مواصلة تقديم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الدعم للنظام الاقتصادي العالمي السائد. فالصندوق والبنك، ليسا مؤسستين للمتطرفين أو المنشقّين.

إقرأ أيضاً: البنك الدولي: 200 مليار دولار خسائر اقتصادات الدول العربية بسبب كورونا

لو كان اختيار الشخصيات القيادية وأعضاء المجلس المسؤول عن الإدارة في صندوق النقد الدولي، يجري عبر عملية تصويت تشمل كل البلدان الأعضاء الـ190، حينها، ستخصص دول مجموعة الخمس الكبرى دعماً أقل، مادياً ومعنوياً، للصندوق. يعتبر صندوق النقد الدولي بمثابة مصلحة عامة للعالم ككل، لكن مثل هذه المصالح لا يمكن تحقيقها، سوى من خلال مصلحة ذاتية وأنانية، لدى شخص أو جهة ما.

مآخذ على الصندوق

يحاجج المنتقدون من اليسار، على غرار الاقتصادي جوزيف ستيغليتز، بأن صندوق النقد الدولي فرض قدراً كبيراً من إجراءات التقشف على الدول المدينة، وأنه شدد على شدد على قرارات كثيرة لرفع أسعار الفائدة في توقيتات لخاطئة. ربما تنطوي هذه الانتقادات على جانب من الحقيقة، لكن لا توجد بدائل عديدة مجدية. يسعى صندوق النقد الدولي إلى فرض سداد الديون وإصدار القرارات النهائية بطريقة منظمة في ما يتعلق بالمطالبات، وهذا يحدّ من المشورة -وأيضاً سياسة ليّ الذراع- التي يقدّمها. فإذا تحولت هذه المؤسسة الدولية على نحو ما إلى آلية لتخفيف الديون وإسقاطها، ستتراجع تدفقات رؤوس الأموال الخاصة على الدول الفقيرة كمحصلة نهاية. إذاً، لماذا تقدّمُ قرضاً لجهة ما، إن لم يكن هناك من سيعمل من أجل أن تستردّ ما قمتَ بإقراضه؟ وعلاوة على ذلك، فإن صندوق النقد الدولي سيخسر مصداقيته، وهذا سيحدّ من قدرته على مواجهة الأزمات المالية العالمية.

استندت الأنظمة الاقتصادية العالمية الناجحة بطريقة نموذجية، إلى درجة عادلة من الهيمنة، سواء من خلال تطبيق المعيار الذهبي بقيادة بريطانيا خلال القرن التاسع عشر، أو حالة الهيمنة الأمريكية في العصر الحديث في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. بمجرد استيعاب هذه الأمور، سنجد تلقائياً أن الكثير من الأسئلة المطروحة في الوقت الراهن إزاء صندوق النقد الدولي، تجيب عن نفسها. يبقى أن المسألة الجوهرية ليست في كيفية تطوير صندوق النقد الدولي، بل، كيف سيكون عليه الحال فيما لو فقدت حالة الهيمنة الراهنة، تأثيرها؟