لماذا يرى المراهنون الأجانب فرصاً في حملة الصين؟

مقر مجموعة إيفرغراند الصينية في شنتشن، الصين
مقر مجموعة إيفرغراند الصينية في شنتشن، الصين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على غرار زوال "إنرون كورب" (Enron Corp)، وانهيار "ليمان براذرز"، كانت كارثة مجموعة "إيفرغراند" حتمية في نظر بعضهم فقط، وذلك بالنظر لأحداث الماضي.

ففي 8 يونيو، رفع محللو "جيه بي مورغان تشيس" تصنيف أسهم شركة التطوير العقاري الأكثر مديونية في العالم من "حيادي" إلى "زيادة الوزن". وكتبوا: "يجب أن تتحسَّن مبيعات "إيفرغراند"، وهو الأمر الذي يجب أن يحافظ على مخاوف المستثمرين".

الصين تخرج عن صمتها وتقول إن مخاطر "إيفرغراند" المتعثرة "يمكن السيطرة عليها"

خيبة الأمل

وعلى الرغم من أنَّ هذا قد يكون من بين أكثر التصنيفات المحرجة، إلا أنَّ فريق "جيه بي مورغان تشيس" لم يكن بمفرده؛ فقد واصل المستثمرون من جميع أنحاء العالم مراهناتهم على الصين، حتى مع تخلُّف الأسواق في شنغهاي، وشنتشن، وهونغ كونغ عن العالم المتقدِّم. وامتنعت "جيه بي مورغان تشيس" عن التعليق على تصنيف محلليها لـ"إيفرغراند".

وفي الواقع؛ فإنَّ حوالي 86% من أكثر من 5,600 توصية على مؤشر "سي إس أي 300" القياسي في الصين كانت مكافئة لـ"الشراء" في بداية العام، لتعد بذلك أكثر التوقُّعات تفاؤلاً على مدار عقد من الزمن. إلا أنَّ النتيجة كانت مخيبة للآمال. فقد تخلَّفت الأسهم الصينية، التي تعافت من آثار جائحة 2020 قبل بقية العالم، عن الارتفاع العالمي هذا العام الذي دفع الأسهم الأوروبية والأمريكية إلى مستويات قياسية، وظلَّت متأخرة حتى بعد التراجع الأخير في الأسواق المتقدِّمة.

هذا ويُعدُّ "مؤشر هانغ سنغ" في هونغ كونغ من بين أسوأ مقاييس الأسهم الأولية، التي تتبعها بلومبرغ هذا العام، أداءً في العالم، مع انخفاض بعض أهم الشركات، مثل: "علي بابا غروب هولدينغ " بنسبة 30% على مدار 2021.

ومع ذلك؛ لم تؤثِّر الخسائر في التفاؤل الخارجي؛ إذ ماتزال 87% من توصيات المحللين في حالة "شراء". ووفقاً لمقياس واحد على الأقل - التدفُّقات إلى صناديق الاستثمار المتداولة في الصين - فإنَّ المستثمرين يستمعون لهذه التوصيات؛ إذ تمَّ توجيه ما يقرب من 5 مليارات دولار إلى مثل هذه المنتجات في النصف الأول من عام 2021، ارتفاعاً من 3.4 مليار دولار في النصف السابق، وعمليات السحب في النصف الأول من عام 2020، وفقاً لبيانات بلومبرغ.

غولدمان ساكس: الصين لن تخفض متطلبات الاحتياطي النقدي بالبنوك هذا العام

بعيداً عن المحللين ومديري الصناديق؛ فإنَّ صناعة التمويل بأكملها تقريباً، بما في ذلك مؤسسات من أمثال "بلاك روك"، و"غولدمان ساكس غروب"، قد أبقت عينها على الجائزة المراوغة المتمثِّلة في سكِّ النقود في الصين وسط حملة بكين القمعية على عمالقة التكنولوجيا، وهو محور لا يمكن التنبؤ به من قبل الحكومة ضد صناعات بأكملها، وانتعاش متعثر من كوفيد.

ضربات متتالية

ما من شكٍّ في أنَّ الصورة تسلِّط الضوء على التحديات- والآمال - المتمثِّلة في ضخِّ الأموال في مثل هذه السوق التي لا يمكن التنبؤ بها، التي اتسمت بصنع سياسة مبهمة، وحملة حكومية لمواجهة عمالقة الشركات.

الصين غير قادرة على التعامل مع أكثر من أزمة في آن واحد

لا يوجد نقص في التفسيرات التي تجيب عن سؤال؛ لماذا أخطأ الكثيرون بشكل كبير؟. وفيما يلي نستعرض بعضها.

يقول أليستر رينولدز من شركة "مارتن كوري لإدارة الاستثمار المحدودة"، وهي جزء من شركة "فرانكلين تمبلتون"، إنَّهم فوجئوا باتساع الحملة القمعية من قبل صانعي السياسات.

ومع ذلك؛ فهو يقول، إنَّهم كانوا من بين أولئك الذين تجنَّبوا الأسوأ. وقال:

لقد كان استثمارنا أقل من اللازم في الصين مقارنة بالأرقام المرجعية في بداية العام. وقمنا بزيادة المراكز في وقت مبكر من العام، وإن كان ذلك في شركات الطاقة المتجددة، على عكس المجالات التي خضعت لقيود تنظيمية مؤخراً

استشهد كريستوف بارود، كبير الاقتصاديين في شركة "ماركت سيكيوريتيز" في باريس، وصاحب أعلى تصنيف على بلومبرغ بين المتنبئين للاقتصاد الصيني العام الماضي، بمجموعة من الضربات التي بدأت في منتصف العام. وقال: "أدى تفشي متحوِّر "دلتا" إلى تعميق هبوط مبيعات المنازل في أعقاب حملة تستهدف ارتفاع أسعار المنازل، وجهود كبح ديون المطوِّرين".

تراجع مبيعات شركات التطوير العقاري في الصين تحت وطأة أزمة "إيفرغراند"

قامت الحكومة بتشديد القيود بشكل مطَّرد على سوق العقارات على مدى السنوات القليلة الماضية لكبح المخاطر المالية. فقد زاد التدقيق في كل شيء، بدءاً من تمويل المطوِّرين وصولاً إلى موافقات الرهن العقاري، وأعاد إحياء فكرة فرض ضريبة على الممتلكات الوطنية. كما صاغ العام الماضي ما يُعرف بـ "الخطوط الحمراء الثلاثة"؛ وهي مقاييس الديون التي سيتعيّن على المطوِّرين الوفاء بها في حال رغبتهم باقتراض المزيد.

من جانبه، قال ماكس كيتنر، استراتيجي الأصول المتعددة في "إتش إس بي سي هولدينغز" في لندن، بسوق العملات:

خذوا بعين الاعتبار الإجماع على "بيع" الدولار الأمريكي في نهاية العام الماضي والربع الأول من هذا العام. والذي كان ينبغي أن يكوِّن بيئة مواتية للأسواق الناشئة. ولكن من الواضح أنَّه مع تباطؤ النمو العالمي، تعود النظرة الإيجابية تجاه الدولار، وهو لا يعتبر خبراً جيداً للقطاعات الدورية في العادة.

مفاجأة

برغم أنَّ جهود الرئيس شي جين بينغ لإعادة التوازن إلى اقتصاد البلاد قد تكون منطقية، إلا أنَّ المستثمرين صُدموا بالضرر الاقتصادي الذي يُعدُّ شي جين بينغ "مستعداً لتحمّله"، كما يقول دون فيتزباتريك، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "سوروس فند منجمنت" ، التي تتجنَّب الأصول في أكثر دول العالم اكتظاظاً بالسكان.

ومع ذلك؛ فإنَّ تجنُّب الصين ليس خياراً بالنسبة لمعظم الناس. فهناك الكثير من المخاطر في هذا التوجه، وسط آمال بتجنُّب الضرر الذي تسبِّبه آلية صنع السياسات المبهمة.

تفضِّل شركة "جي أي سي بي تي إيه" (GIC Pte) السنغافورية القطاعات التي تدعمها بكين، وتعترف باحتمال انخفاض العوائد في البلاد. في حين يؤجل المستثمر الآخر المملوك للدولة في المدينة، "تيماسيك هولدينغز"، المزيد من الاستثمارات في منصات الإنترنت في الصين، إذ يسعى إلى مزيد من اليقين بشأن تداعيات الإجراءات التنظيمية.

قيود بكين التنظيمية ستدوم حتى 2025

يعتقد تشو هونغ بين، الرئيس المشارك لأبحاث الاقتصاد الآسيوي في "إتش إس بي سي" أيضاَ أنَّه قد يكون هناك عدد أقل من المفاجآت في المستقبل. وقال: "يجب أن يستمر التشديد التنظيمي في العقارات، والإنترنت، والقطاعات الأخرى، ومع ذلك؛ فمن المرجح أن يتمَّ تنفيذه بطريقة تدريجية، وأكثر شفافية للتخفيف من التأثير غير المقصود على النمو".

أما بالنسبة لشركة "فيديليتي إنترناشيونال"؛ قرَّرت السلطات الصينية قيادة البلاد في اتجاه نموذج نمو أقل دراماتيكية، إلا أنَّه أكثر استدامة، مع التركيز على الوصول العادل إلى الرعاية الصحية، والتعليم، والإسكان. يجب على المستثمرين، الذين فوجئوا بمستوى التشديد النقدي والمالي، وشدة التدخل التنظيمي لهذا العام، أن يُحضِّروا أنفسهم لهذه الاستراتيجية الاقتصادية الوطنية الجديدة.

الأضرار الاقتصادية لقيود الصين التنظيمية

في الواقع، أصبحت الأسهم الصينية الآن رخيصة جداً، ومن الآمن الدخول إليها، كما تقول فيكتوريا ميو، مديرة الأسهم الآسيوية في شركة "فيديليتي". إلا أنَّ دورة التغييرات التنظيمية التي قد تكون مدمِّرة لم تنتهِ بعد.

وبالطبع؛ فالتنبؤات صعبة، خاصة بشأن المستقبل، أو هكذا يقول المثل، وأكثر من ذلك عندما يتعلَّق الأمر بالصين.

من جانبه يقول بارو: "في الاقتصادات المتقدِّمة، يتعين عليك تمرير القوانين، وعليك مناقشتها، والحصول على الأغلبية"، لذلك؛ فإنَّ المحللين يملكون رؤية واسعة، ووقتاً للاستعداد لما هو قادم. كما يضيف: "لدى المسؤولين الصينيين مساحة أكبر لفعل ما يريدون"، غالباً في غضون أيام قليلة. "كما يمكن أن تصبح الصدمات أكثر عنفاً"