"فيسبوك" و"غوغل" ليسا وحدهما من يراقبانك على الإنترنت

إنهم يرون كل شيء.
إنهم يرون كل شيء. المصور: "سكوت باربر" (Scott Barbour)/ Getty Images
Leonid Bershidsky
Leonid Bershidsky

Leonid Bershidsky is Bloomberg Opinion's Europe columnist. He was the founding editor of the Russian business daily Vedomosti and founded the opinion website Slon.ru.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تغفل الأصوات المنتقدة لشركات التكنولوجيا العملاقة، بسبب تتبُّعها للمستخدمين على الإنترنت دون موافقتهم أو علمهم، عن الصورة الأكبر، وهي وجود المئات من شركات تتبع الإعلانات، التي تقوم بالأمر ذاته، ولم تتمكَّن الجهات المنظمة من السيطرة عليها.

ويُظهر تقرير أعدَّته شركة الاستشارات الدنماركية، المتخصصة في شؤون الخصوصية" كوكي بوت" (Cookiebot) ، أن هناك 112 شركة تتبع إعلانات تقوم بجمع البيانات عن زوَّار المواقع الحكومية، ومواقع شركات القطاع العام في دول الاتحاد الأوروبي، بالرغم من عدم دعم هذه المواقع للإعلانات، وهناك 52 شركة من 112 تابعة لمواقع الحكومة الفرنسية.

المواقع الألمانية الأكثر حماية

وبيَّن التقرير أن أكثر المواقع حمايةً، هي المواقع الألمانية الممولة من دافعي الضرائب، إلا أن ثلث صفحات هذه المواقع لا تزال تحتوي على متتبعات الإعلانات، ولا تستغرب، إن كنت لا تذكر موافقتك على هذه الأنشطة، فأنت بالفعل لم توافق، حتى وإن نقرت بالموافقة على إشعار "أوافق على ملفات تعريف الارتباط"

(I accept cookies)"، فهو في الغالب لم يشرح ما هي الملفات التي وافقت عليها؟، ولم يذكر جميع المتتبّعات، فبعض الملفات تدرج دون علمك.

وبحسب تقرير "كوكي بوت"؛ فإن مواقع الإنترنت الحديثة تُدرج عدداً من تقنيات (جافا سكريبت javascript) للأطراف الثلاثة، بهدف تفعيل عدد من المهام، كمشغلات الفيديوهات، وأدوات المشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحليل الويب، وألبوم الصور، وأقسام التعليقات، كما يمكن لهذه البرامج أن تلعب دور حصان طروادة، إذ تفتح نوافذ خفية في لغة برمجة الموقع، التي يمكن لشركات الإعلانات من خلالها أن تدرج أنظمة التتبع الخاصة بها خفيةً.

النظام الأوروبي لحماية البيانات

ويتم إنشاء المواقع الحكومية غالباً بتكلفة منخفضة، وبالتالي تحتوي على الكثير من عناصر جهات خارجية، مما يعني أنّ حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لا تلتزم أيضاً بالنظام الأوروبي العام لحماية البيانات، الذي يٌلزم مديري المواقع للتأكد من موافقة المستخدمين على جمع بياناتهم.

وإذا زرت موقعاً لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، وظهرت أمامك أسئلة عن مرض الإيدز، أو عن أعراض الحمل، أو مخاطر إدمان الكحول، فهناك احتمالية عالية بأن هناك من يتتبع إجاباتك بغرض إظهار إعلانات موجهة لك، ويبدو أن الوضع مشابه في الولايات المتحدة، فقد تم السماح رسمياً لمتتبعات فيسبوك بالدخول إلى مواقع الخدمات الصحية الحكومية، كما أن هناك احتمال وجود عدد من المتتبعات غير المصرّحة.

طوَّرت "كوكي بوت"، التي تعد أحد الأطراف المعنية بهذا الأمر، تقنيةً لمسح صفحات الويب بغرض الكشف عن وجود متتبعات، كما أنها تبيع أدوات للتأكد من أن المواقع تلتزم بالنظام الأوروبي العام لحماية البيانات. فإن كنت تدير موقعاً ما، فهدف "كوكي بوت" أن تنبهك بشأن المتتبعات غير المصرَّحة والغرامات الكبيرة، التي ستفرض عليك في حال عدم الالتزام بالنظام الأوروبي العام لحماية البيانات.

أعداد هائلة من المخالفين

وعندما يقرر مراقبو سياسات الخصوصية استعمال تقنية مشابهة للتأكد من التزام جميع المواقع بالقوانين، فسيغرقون بالأعداد الهائلة للمخالفين، كما أن معظم المخالفين سيفلتون من دفع الغرامات، علاوة على إمكانية دفاع أصحاب المواقع عن أنفسهم بحجة أن المتتبعات الموجودة على مواقعهم، تشبه الفيروسات بطبيعتها، وأنه لا يمكن محاسبة المواقع لعدم الالتزام، إذا تم اختراق مواقعهم.

يهتم المستخدمون العاديون، ومراقبو سياسات الخصوصية باكتشافات "كوكي بوت" أكثر من مديري المواقع، فإن كنت قلقًا من مراقبة "فيسبوك" و"غوغل" لك في كل مكان، الأمر الذي يحدث فعلاً، فعليك القلق أيضاً تجاه عدد أكبر من الشركات، بدءًا من "أكيوتي آدز" (AcuityAds) وصولاً إلى"زيمانتا" (Zemanta)،لأنَّ هذه الشركات تقوم بتتبعك علناً، إضافة إلى مجموعة أصغر من شركات التكنولوجيا الإعلانية التي لا تعرِّف عن أهدافها بوضوح كامل.

وطالب "مكتب الكارتل الفيدرالي في ألمانيا" (German Federal Cartel Office) ، مطلع 2019، أن تحظر "فيسبوك" مواقع الأطراف الثالثة من الوصول للبيانات التي تجمعها، مؤكداً أنّ هيمنة الشركة على السوق، وقدرتها على جمع البيانات مرتبطان بعضهما مع بعض بطريقة أو بأخرى، لكن ما كشفت عنه" كوكي بوت" يظهر خطأ هذا الاعتقاد، فإن مُنع كلّ من "فيسبوك" و"غوغل" من جمع البيانات عن المواضيع التي يبحث عنها المستخدمون، فلا يزال باستطاعتهما شراء هذه البيانات من العديد من شركات الإعلانات.

التلاعب في السياسات

إن مشكلة تهديد الخصوصية الرقمية، وبعض المشاكل الأخرى، كانخفاض أعداد وسائل الإعلام المحلية وتأثيرها ، وسهولة التلاعب في السياسات عن طريق الإنترنت، لا تتعلق فقط بعدد من الشركات الضخمة، فمع عدم إنكار أن "فيسبوك" تمتلك مصادر تساعدها في الرد على التقنيات التي تسعى لمنع التتبع في محركات البحث، ودخولها في ألعاب الكر والفر مع شركات مثل "أبل" (Apple) وفق تقرير "كوكي بوت" (Cookiebot)؛ لكن لا أحد ينفي أن محرك البحث العملاق "غوغل" هو أكثر المواقع استخداماً للمتتبعات.

ولن تتوقف عملية التتبع، إن تمّ إخضاع نشاطات الشركات العملاقة للقوانين، ولن نتخلَّص من المراقبة الدائمة عند وجود قواعد أكثر وضوحاً لملفات تعريف الارتباط – كما هو مقترح في مشروع قانون تنظيم الخصوصية الإلكترونية – فهذه القوانين والقواعد لن تؤدي غالباً إلا إلى جعل اكتشاف عمليات التتبع أكثر صعوبة.

المراقبة الضارة

وتكمن المشكلة الأساسية في المراقبة الضارة لكون الإعلانات الموجهة نموذجَ عمل، فما دامت هذه النماذج موجودة، ستتم مراقبتنا على الويب حتى في أكثر اللحظات التي نحتاج بها إلى الخصوصية, فحظر جميع الإعلانات الموجهة، أو حتى حظر الإعلانات الموجهة لأغراض سياسية فقط، كما اقترح مخترع الشبكة العنكبوتية العالمية "تيم بيرنرز لي" (Tim Berners-Lee)، هي ردة فعل مبالغٌ فيها.

لكن هناك طريقة تنظيم أكثر فاعلية من محاولة مراقبة إعدادات ملفات تعريف الارتباط عن كثب، وهي سعي الحكومات لحظر الإعلانات الموجهة التي تستمد بياناتها من أي شيء عدا البيانات التي يزودها بها مستخدمو الإنترنت مباشرة. فإن لم توافق على استقبال إعلانات بحسب موقعك أو عمرك أو حالتك الاجتماعية أو قائمة اهتماماتك، أو حتى تاريخ مشترياتك من "أمازون" (Amazon)، فلا يجب أن تتلقى هذه الإعلانات.

أما الأشخاص الذين يرغبون بإضفاء طابع شخصي بشكل أكبر على تجربتهم على الإنترنت، وبالتالي تلقّي إعلانات تخصّهم أكثر، فعليهم اختيار هذه الإعدادات عند الاشتراك في وسائل التواصل الاجتماعي، وحسابات البريد الإلكتروني المجانية، كما يمكنهم فعل ذلك عند اشتراكهم بوسائل إعلام إخبارية تبيع الإعلانات.

وأما بالنسبة لأولئك الذين لا يحبون الإعلانات الموجهة، فيمكن أن تظهر لهم إعلانات عشوائية تماماً، كما كان يحدث في حقبة ما قبل التتبع.

لن تتوقف هذه الإجراءات لدى "فيسبوك" أو "غوغل"، فجمهورهما ضخم جداً، بل هي ستقلل من هيمنة قطاع مراقبة الإعلانات، وستعمل على تأسيس علاقات، يطغى عليها طابع الثقة بين البشر والإعلانات الرقمية.