بعد ميركل.. هل ماريو دراغي هو زعيم أوروبا الجديد؟

ماريو دراغي رئيس الوزراء الإيطالي يصافح المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل
ماريو دراغي رئيس الوزراء الإيطالي يصافح المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل المصدر: بلومبرغ
Rachel Sanderson
Rachel Sanderson

Rachel Sanderson is an Australian politician representing the seat of Adelaide in the South Australian House of Assembly for the South Australian Division of the Liberal Party of Australia since the 2010 election. Sanderson has served as the minister for Child Protection in the Marshall Ministry since 22 March 2018.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يجري حالياً التبشير برئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي على أنَّه زعيم أوروبا الجديد في حقبة ما بعد أنغيلا ميركل.

ففي ظلِّ الجمود الشديد الذي تشهده السياسة الألمانية، وخوض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للانتخابات الرئاسية، يبدو دراغي ، الذي يُنسب له الفضل في إنقاذ اليورو بثلاث كلمات، وكأنَّه الشخص الأمثل الذي يمكنه تحمُّل المسؤولية.

"سوبر ماريو" الوحيد القادر على قيادة أوروبا

أوضاع سياسية مضطربة في إيطاليا

للحصول على فكرة عن سبب حماس النخبة في أوروبا لفكرة قيام دراغي بدور أكبر في أوروبا؛ ما عليك سوى إلقاء نظرة على نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات البلدية الإيطالية، التي جرت في وقت سابق من هذا الشهر.

فبدلاً من التوجه نحو سياسة اليمين المتطرِّف التي جسدها ماتيو سالفيني، اختار الناخبون في الغالب بيروقراطيين أقل تقديراً، أي ما يشبه الجيش المليء بنسخ مصغَّرة عن ماريو دراغي .

ما تزال السياسة الإيطالية متقلِّبة، كما يتضح من الاشتباكات حول فرض "شهادات التطعيم" لإثبات أنَّ الشخص قد تلقى تطعيمه، والاحتجاجات الكبيرة في ميلانو، ومدينة ترييستي الساحلية.

ألمانيا بقيادة تحالف "شولتس" ستنفق 580 مليار دولار لتغيير المناخ

وليس من قبيل الصدفة، أنَّ دراغي - الذي تمَّ تعيينه رئيساً للوزراء هذا العام بعد فشل السياسيين المنتخبين في إيطاليا في إدارة الوباء - يقود قصة الانتعاش الاقتصادي في أوروبا بعد كوفيد.

قامت إيطاليا بتطعيم 80% من سكانها فوق سن 12 عاماً، وانخفضت الإصابات بشكل كبير منذ بداية الوباء، عندما كانت البلاد واحدة من أكثر الدول تضرُّراً خارج الصين.

بقي دراغي على مساره، رافضاً أن تؤثِّر الاحتجاجات فيه. كما يوفِّر ثباته هذا مزيداً من الزخم والدعم للمعتدلين في إيطاليا.

كل الطرق تؤدي إلى روما

وبالنسبة لأوروبا التي تأمل في إسكات التطرف، يمكن لإيطاليا أن تصبح مثالاً رائداً مشجعاً. لدى إيطاليا تاريخ غريب، وذلك لأنَّها نذير شؤم؛ فالفاشية أنجبت النازية، وسيلفيو برلسكوني كان نسخة مبكرة من دونالد ترمب.

وكان يُنظر إلى صعود الشعبوية في إيطاليا على أنَّه نذير لأوروبا على نطاق أوسع. وحالياً أصبح تلاشيها - لا سيَّما في بلد يشهد اقتصاده تدهوراً منذ عقدين - نبأً ساراً. وسيكون ذلك بفضل المزاج المثابر المليء بالجدية، و الذي جلبه دراغي إلى إيطاليا.

تلقَّت إيطاليا أكبر مدفوعات من أموال خطة "الجيل القادم للاتحاد الأوروبي"، أكثر من 200 مليار يورو (231 مليار دولار). يعتمد نجاح أو فشل المشروع على ما إذا كان دراغي سينفق المنحة بشكل جيد. حتى الآن هناك علامات مشجعة على ذلك.

يهدف جزء كبير من ضخِّ التمويل إلى جعل الاقتصاد رقمياً بشكل أكبر، ومنحه قدرة على الصمود. علماً أنَّ حوالي 40% من هذا التمويل سيذهب إلى المبادرات المتعلِّقة بالمناخ.

كما أنَّ صحيفة "ليزيكو" الفرنسية أيضاً، أشادت بتحوُّل إيطاليا الواضح من رجل أوروبا المريض إلى قدوة: "كل الطرق تؤدي الآن إلى روما".

قيادة أوروبا

إنَّ المكانة والخبرة الدولية التي يتحلى بها دراغي تجعله مرشحاً بديهياً لقيادة أوروبا. وخطابه الشهير "كل ما يلزم" الذي ألقاه في لندن عام 2012 قد قدَّم نتائج لأوروبا، كما يَعِد بالمزيد في المستقبل.

إنَّه براغماتي وجيد في الموازنة بين وجهات النظر المتنافسة. كما أنَّه، على حدِّ تعبير شخص تفاوض معه في البنك المركزي الأوروبي، بارع في "إغواء" أولئك الذين يحاول إقناعهم بهدوء.

لكن سيكون من الخطأ بالنسبة للأوروبيين أن يُعلِّقوا آمالهم على فكرة أنَّ دراغي قابل للتبادل مع ميركل أو ماكرون. والجدير بالذكر أنَّه من المرجح أن يكون حليفاً أوثق للولايات المتحدة؛ فهو يملك تاريخاً في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"، والبنك الدولي، و"غولدمان ساكس".

أخبرني برونيلو روزا مؤخراً، الذي يدير شركة استشارية، فضلاً عن أبحاث مع الخبير الاقتصادي نورييل روبيني، أنَّه في حين يؤمن دراغي بعمق بنظامٍ متعدد الأطراف؛ فإنَّ المساهم الرئيسي في هذا النظام هو الولايات المتحدة. ويتضح ذلك من خلال الاحتفاء به من قبل وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين في مجلة "تايم" الشهر الماضي.

مواقف مضادة للصين

في الواقع، منذ أن أصبح رئيساً لوزراء إيطاليا، قاد دراغي جهوداً ضد استرضاء الصين، وهي السمة التي ميَّزت السياسة الخارجية الأوروبية مؤخَّراً، فقد ذهب إلى حدِّ منع بيع شركة أشباه موصلات إيطالية إلى الصين في وقت سابق من هذا العام. وبشكلٍ ملفت للاهتمام؛ ظلَّ دراغي صامتاً خلال كارثة "أوكوس" ضد فرنسا.

داخل الاتحاد الأوروبي، أوضح دراغي أنَّه إذا أرادت أوروبا أن تكون لاعباً رئيسياً في الاقتصاد العالمي، فعليها أن تكون أكثر طموحاً فيما يتعلَّق بالتكامل. وبما أنَّه رئيس سابق للبنك المركزي الأوروبي؛ فهو في وضعٍ جيد يمكِّنه من إزعاج بروكسل بشأن تخفيف القواعد المالية. كما سيسمح التغيير لأوروبا بتسريع انتقالها من التقشف إلى الإنفاق العام الأكثر ملاءمة للنمو.

شرعية مزعزعة

من الممكن أن تحتضن أوروبا دراغي بكامل مثاليته للعب هذا الدور. ومع ذلك،

مايزال هناك سؤال واحد يضع كل هذا على أرضية متزعزعة؛ الشرعية. لأنَّ ’دراغي’ تكنوقراطي غير منتخب، كما يقود إيطاليا بناء على طلب من رئيسها، وعلى أساس الدعم من الأحزاب المختلفة من السياسيين الإيطاليين المرتبكين.

لقد كانت ميركل مؤثِّرة بسبب سماتها الشخصية، لكنَّ نفوذها في أوروبا استند إلى ما يقرب من 16 عاماً من بقائها في السلطة. لذا؛ مهما كان موهوباً واستثنائياً؛ فإنَّ تأثير دراغي سينبع في النهاية من الدعم الوطني الإيطالي، الذي يكون مرناً في أفضل الأوقات.

تجدر الإشارة أيضاً إلى أنَّ القضايا الصعبة في صميم مستقبل أوروبا - الدفاع، والاستقلالية الاستراتيجية– ليست هي المجال الطبيعي بالنسبة إلى دراغي. منذ فترة ما بعد الحرب، امتثلت إيطاليا للولايات المتحدة، وقد لا يكون دراغي هو الشخص الذي سيطرح مسألة الانفصال بحماسة.

ومع ذلك؛ فإنَّ دراغي يملك مقومات زعيم أوروبا الجديد. كما يجب على أوروبا فقط أن تعرف ما الذي هي بصدد الحصول عليه؟.