وباء كورونا جعل لندن وباريس أرخص للأثرياء

المصدر: غيتي إيمجز
Lionel Laurent
Lionel Laurent

Bloomberg Opinion. Writing my own views on Flag of European UnionFlag of FranceMoney-mouth face(Brussels/Paris/London) here: https://bloom.bg/2H8eH0P Hate-love-mail here: llaurent2 at bloomberg dot net

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يبدو الرهان على "موت المدينة" بعد وباء كورونا أمراً متطرِّفاً دائماً. فقد نجت مدينة أثينا الكلاسيكية من أوبئة وكوارث أسوأ بكثير. مع ذلك؛ ستُضطر مدن من أمثال لندن وباريس مرة أخرى، إلى مواجهة مخاطر ترسيخ مناطق مخصصة لسكن الأثرياء.

حتى مع آثار عمليات الإغلاق السابقة التي أبقت السياحة خافتة، ودفعت ببعض الموظفين إلى السكن في المناطق المترامية الأطراف، إذ ما تزال أسعار المنازل في المدن الأوروبية باهظة، مثلما كانت قبل وباء كورونا. قد يكون أداء العقارات في لندن وباريس ضعيفاً في الضواحي الصديقة لتطبيق "زووم"، لكنَّ أسعارها ما تزال بعيدة عن حدود المعقول.

اقرأ أيضاً: المدن الأوروبية تتصدّر تصنيفات انفتاح السفر العالمي

يحتاج الموظف صاحب المهارات العالية إلى 16 عاماً من الادخار، من أجل شراء شقة مساحتها 60 متراً مربعاً في مدينة باريس، وفقاً لـ "يو بي إس" (UBS). في الوقت ذاته، عادت الإيجارات في أغلى أحياء لندن إلى مستويات ما قبل الوباء، لكنَّ معدلات الرهن العقاري انخفضت بشكل كبير في السوقين.

الطلب مازال قائماً

بالطبع، أدى العمل عن بُعد إلى تقليص الطلب على المساحات المكتبية، ومن المفترض أن يؤدي في النهاية إلى تقليل الطلب على المساكن أيضاً، لكن هذا الأمر لم يحدث بعد. انظر أيضاً إلى شوارع المدينة؛ فإنَّك سترى كيف بدأت تأتي العزلة الرائعة للنخبة في الضواحي، التي تسيطر عليها "سلطة زووم" بنتائج عكسية فعلياً؛ إذ جعل التحوّل إلى نظام العمل الهجين من المنزل والمكتب السائقين للمدينة في أوقات عشوائية أكثر من أي وقت مضى. كان الازدحام المروري خلال الشهر الماضي في باريس ولندن أسوأ من الفترة المماثلة في العام 2019، وفقاً لشركة الخرائط والملاحة الرقمية الهولندية "توم توم" (TomTom)، و ماتزال توجد، بعد كل شيء، أماكن العمل في المدن، لا سيما فيما يختص بخدمات المهارات العالية. فمثلاً، أعلنت شركة "غوغل" مؤخراً عن إنشاء حرم جامعي بمساحة 7 ملايين قدم مربعة في مدينة سان خوسيه.

اقرأ المزيد: البندقية تحلم بتعظيم الاستفادة من سياحة اليوم الواحد

ربما كانت الشوارع المزدحمة والشقق باهظة الثمن ذات يوم علامة على نجاح المدن الكبرى، على أنَّ أيَّ عمدة مدينة لا يريد أن تعاني مدينته من مشكلة، مثل الطلب الفائض الذي يضج به العالم المتقدِّم؟ هذا الأمر يبدو منطقياً فقط عندما تستمر المدن في جذب المواهب الإبداعية والطموحة التي يُمكنها الحفاظ على إنتاجيتها. يُصبح هذا الأمر مشكلة كبيرة عندما لا يتمكَّن الموظفون والشباب من دفع تلك الأسعار الباهظة، مما يُرسّخ هيمنة المستقرين في الداخل. كما أنَّه قبل وباء كورونا أيضاً، كانت المدن الشهيرة تتقلص للغاية.

جاذبية متناقصة

يكمن الخطر حالياً في فشل المراكز الحضرية في استعادة مزايا الكثافة والتكتّل التي كانت تتمتَّع بها، مثل رواد الأعمال، والوظائف، وخلق الثروات، وأصبحت أقل جاذبية في معركتها من أجل استقطاب المواهب. ستنتهي المدن التي تتلاشى تدريجياً بخسارة إيراداتها الثمينة، مما سوف يُصعِّب عليها تقديم الرؤى لمستقبل أكثر اخضراراً وعدلاً. و تعدُّ مدينة باريس مثالاً لذلك؛ إذ تهدف إلى تقديم كل الخدمات العامة التي يحتاج إليها المقيمون في غضون 15 دقيقة من منازلهم.

اقرأ أيضاً: طرق مبتكرة أوجدتها المدن للصمود في وجه الوباء

يؤدي استمرار عدم المساواة أيضاً إلى زيادة مخاطر السياسات ذات النتائج العكسية، سواء تلك الآليات المعيبة مثل تحديد سقف الإيجارات، أو أي شيء أكبر بكثير. أضاف تصويت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي ربطه بعضهم بتقسيم ثروة الإسكان في البلاد، إلى مشكلات سلاسل التوريد الأخيرة في لندن من خلال لَفظ العمال، فقد غادر أكثر من 200 ألف من مواطني الاتحاد الأوروبي بريطانيا العام الماضي وحده، وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني. كما أعاد الـ"بريكسيت" توزيع العشرات من المصرفيين من أصحاب الملايين في المراكز المالية بمنطقة اليورو، مما أدى إلى انتعاش تلك المدن، في الوقت الذي هدد فيه بخفض الحصيلة الضريبية للمدينة.

إذاً ما الذي يجب فعله؟ لا يُمكن معالجة التفاوت الكبير وغير العادل في سوق الإسكان بضربة واحدة. إنَّ زيادة العرض عن طريق بناء المزيد من المنازل، وكبح الطلب من خلال طرح قيود على الائتمان، واستحداث إجراءات تنظيمية وسياسة ضريبية، كلها ستستغرق وقتاً وشجاعة سياسية. علماً أنَّه قد يضغط محافظو البنوك المركزية بشأن الحزم التحفيزية الطارئة، ولكن بشكل بطيء.

حوافز ضرورية

يجب أن يكون هناك على الأقل حافز أكبر لتحويل العقارات التجارية الفائضة والمنخفضة الجودة نسبياً إلى مساكن. هذا أمر لن ينفِّذه السوق من تلقاء نفسه، خصوصاً تلك المدن التي قد يقدم فيها الفندق عوائد أكثر جاذبية على الاستثمار. لذلك يجب أن يأتي الحافز المالي من القمة.

اقرأ المزيد: مستثمرو العقارات يهجرون لندن إلى المساحات الخضراء والأرباح المرتفعة

من شأن روابط النقل العام الأفضل والأكثر اتساعاً تخفيف الازدحام المروري، والتسهيل على العمال، الذين اندفعوا إلى خارج المدينة بسبب غلاء المساكن، والاستمرار في العمل، وخلق الثروة هناك. تعتبر الدراجات ودراجات السكوتر الكهربائية مناسبة للرحلات القصيرة، لكن ما يزال أمامها طريق طويل قبل أن تصبح وسيلة نقل متداولة بشكل كبير. يكمن مستقبل العاصمة الفرنسية في مشروع "غراند باريس"، الذي يضم 200 كيلومتر من خطوط السكك الحديدية الجديدة، و68 محطة جديدة، وفقاً لما يقوله جون لوي ميسيكا، نائب عمدة المدينة السابق، ويتعيّن على المدن الأخرى التعلُّم من الدرس ذاته.

بدلاً من الاختباء وراء التقارير المعمارية اللامعة؛ يحتاج مسؤولو المدينة إلى الاستماع إلى مجتمعاتهم الخاصة. مرة أخرى، تعتبر مدينتا لندن وباريس مادة مهمة لدراسة حالات مثيرة للاهتمام، فقد وجدت دراسة استقصائية، أجرتها "كلية كينغز لندن"، وجامعة باريس، و"إيبسوس موري" (Ipsos MORI)، أن أداء العاصمة البريطانية أسوأ فيما يتعلق بالأشخاص الذين يتصرَّفون بشكل عدائي تجاه النساء، في حين كانت العاصمة الفرنسية أقل إيجابية فيما يتعلق بالمهاجرين. يجب أن تأخذ مبادرات تحسين البيئات الحضرية هذه النتائج في عين الاعتبار، ويُمكن أن يدفع الإسكان وحده الموظفين وأصحاب العمل بعيداً في المستقبل.

استغرقت مدينة أثينا 15 عاماً للتعافي من الطاعون، وفقاً لكلمات "ثيوسيديدس"، ولكنَّ الانقسامات المجتمعية استمرت لفترة أطول. يجب أن تدرك المدن أنَّه يُمكنها أن تصبح ضحايا لنجاحها، حتى دون موتها.