ماذا يحدث لو نضبت المعادن في بورصة لندن الأكبر عالمياً؟

تجار في قاعة التداول في بورصة لندن للمعادن. لندن، المملكة المتحدة
تجار في قاعة التداول في بورصة لندن للمعادن. لندن، المملكة المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ماذا يحدث لو نفدت المعادن من "بورصة لندن للمعادن"؟ هذا هو السؤال الذي تحاول البورصة مواجهته بصورة عاجلة بالنسبة لعقود النحاس الرئيسية فيها، التي تحدد الأسعار العالمية لواحدة من أهم السلع الأولية في العالم.

أسعار النحاس تقفز لأعلى مستوى في 27 عاماً

أساس المشكلة هي الطبيعة المادية لبورصة لندن للمعادن؛ فمن ناحية يصبح كل شخص يحتفظ بعقد حتى نهاية مدته مالكاً لكمية من المعدن في مخازنها. ومن الناحية الأخرى؛ يلتزم كل شخص باع عقداً بتسليم المعدن إلى مخازنها عند انتهاء مدة هذا العقد.

ومع انخفاض كمية مخزون النحاس المتاحة في مستودعات بورصة لندن للمعادن إلى أقل من 20 ألف طن – وهي كمية تقل عما تستهلكه مصانع الصين في يوم واحد – يواجه التجار إمكانية عدم وجود ما يكفي من المعدن لتسليمه لأصحاب العقود.

ارتفاع العوائد على عقود النحاس

تسبَّب هذه الانخفاض الدرامي في المخزون، والذي بدأ في شهر أغسطس، وتسارع خلال شهر أكتوبر الحالي، في ارتفاع العوائد على عقود النحاس ببورصة لندن للمعادن التي اقترب موعد الوفاء بها إلى مستويات قياسية مقابل تأجيل التسليم (علاوة تأجيل التسليم).

تتعرض شركات تصنيع النحاس خصوصاً لأضرار جمة نتيجة ذلك؛ فهذه الشركات تقوم بتحويل المعدن الأساسي الخام إلى أسلاك وصفائح وأنابيب، وهي تميل إلى بيع العقود المستقبلية لبورصة لندن للمعادن بهدف التحوط ضد مخاطر تقلُّب الأسعار.

أزمة نقص الطاقة العالمية تشعل أسعار المعادن في بورصة لندن

غير أنَّ المخازن الخاوية ساهمت أيضاً في دفع الأسعار المعيارية إلى أرقام قياسية، وفي ضوء دور النحاس المتشعب في مختلف المجالات؛ فإنَّ ارتفاع التكاليف سيعزز الضغوط التضخمية على نطاق واسع بالنسبة للشركات الصناعية وشركات البناء.

وفي حين تثير المخاطر المتزايدة على النشاط الاقتصادي العالمي شكوكاً حول توقُّعات الطلب على النحاس؛ فإنَّ مخزون شركات الصين والولايات المتحدة المنافسة لها بالنسبة لبورصة لندن للمعادن منخفض أيضاً.

تراجع خطير في المخزونات

لا يدخل إلى مخازن بورصة لندن للمعادن إلا نسبة ضئيلة فقط من إجمالي النحاس في العالم، كما أنَّ مستهلكي النحاس يميلون إلى توقيع عقود طويلة الأجل مع المنتجين والتجار بدلاً من اللجوء إلى البورصة لتوفير احتياجاتهم.

ومع ذلك، يكشف واقع مخزون البورصة شديد الانخفاض – ليس فقط في بورصة لندن للمعادن – أنَّ احتياطي السوق انحسر إلى مستوى خطير.

نيويورك تسحب بساط تداول الكوبالت من تحت أقدام لندن

طبقت بورصة لندن للمعادن إجراءات طوارئ مساء يوم الثلاثاء لمواجهة الموقف، من بينها: وضع تغيير مؤقت في القواعد يسمح لأي شخص في مركز استثماري مكشوف (مدين)، ولا يستطيع تسليم النحاس أن يؤجل التزامه بالتسليم مقابل رسوم معينة.

"إنَّ هذا الموقف غير مسبوق، ولم نرَ مثيلاً له في التاريخ الحديث لأسواق النحاس"، هكذا قال روبين بهار، وهو مستشار مستقل يعمل في تحليل أسواق المعادن في بورصة لندن للمعادن منذ أكثر من 35 عاماً، وأضاف: "هذه الإجراءات شديدة القسوة، ولكنَّها ضرورية ومطلوبة".

تحقيق في نشاط العملاء

بدأت بورصة لندن للمعادن أيضاً في إجراء تحقيق، تطلب فيه من البنوك والوسطاء معلومات حول أنشطتها، وأنشطة عملائها في سوق النحاس على مدى الشهرين السابقين.

ونشرت وكالة "بلومبرغ" تقريراً يوم الثلاثاء يفيد أنَّ شركة "ترافيغورا غروب" التجارية سحبت جزءاً كبيراً من النحاس الذي خرج من مستودعات بورصة لندن للمعادن خلال الأشهر الأخيرة.

و ردَّت "ترافيغورا" على ذلك قائلة، إنَّها سحبت من مخزون بورصة لندن للمعادن من أجل تسليم النحاس إلى مستهلكين، مؤكِّدة على وجود طلب قوي على النحاس يتجاوز المعروض منه.

وقال متحدِّث باسم الشركة التجارية، إنَّ "دور ترافيغورا هو ضمان وتأمين الإمدادات من السلع المختلفة لعملائها".

إجراءات لمواجهة الأزمة

وضعت بورصة لندن للمعادن إجراءات من أجل تفادي وقوع النتائج الكارثية بعدم توافر المعدن بقدرٍ يكفي للوفاء بطلبات التسليم. وعبر إجراء هذه التحقيقات، ربما تستطيع البورصة دفع التجار والبنوك إلى التفكير مرتين قبل طلب كميات إضافية من المعدن.

وبتغيير قواعدها، حاولت البورصة أن تتجنَّب إمكانية وقوع ضغط شديد يخرج عن السيطرة. فهي تسمح للمستثمرين أصحاب المراكز القصيرة بتأجيل التزاماتهم بالتسليم، وذلك عن طريق تحريك مراكزهم إلى مواعيد لاحقة.

كما أنَّها وضعت سقفاً شديداً على القيمة التي يمكن أن ترتفع بها عقود النحاس عالية التكلفة التي تبلغ موعد الوفاء بها في يوم عمل واحد عن أسعار العقود التي تبلغ أجل الوفاء بها في موعد لاحق.

أخيراً، قامت البورصة بتعديل قواعدها التي تحكم المتعاملين والتجار الذين يستحوذون على حصة كبيرة من المخزون المتاح لبورصة لندن للمعادن.

في الظروف العادية، يجبر التجار الذين يملكون هذه الحصص على إقراض ما بحوزتهم لتجار آخرين بأسعار رخيصة عقابية.

لكن مع انخفاض المخزون إلى هذه الدرجة؛ تخشى بورصة لندن للمعادن من أن يترتب على تطبيق هذه القاعدة ردع التجار ونفورهم من الاحتفاط بمخزونات لدى البورصة.

ارتفاع النيكل

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتدخل فيها بورصة لندن للمعادن في الأسواق. ففي عام 2019، أجرت البورصة تحقيقات مماثلة عندما تدفَّقت طلبات على سحب معدن النيكل أدت إلى ارتفاع في أسعاره. ثم هدأت السوق، ولم تتخذ بورصة لندن للمعادن إجراءً إضافياً.

في عام 2006، وسط ارتفاع كبير في أسعار النيكل، فرضت البورصة حداً أقصى بقيمة 300 دولار على سعر تأجيل التسليم اليومي (backwardation) في أسواق النيكل.

وفي عام 1992، عندما سعت شركة "مارك ريتش بلس كو" إلى الاستحواذ على سوق الزنك، فرضت بورصة لندن للمعادن الكثير من الإجراءات نفسها التي فرضتها في سوق النحاس هذا الأسبوع؛ كوضع حدود قاسية على سعر تأجيل التسليم اليومي، والسماح لأصحاب المراكز القصيرة بتأجيل التسليم.

تراجعت أسعار النحاس أمس الأربعاء، كما أنَّ أسعار تأجيل التسليم (backwardations) للآجال القريبة انخفضت عن مستويات مرتفعة مؤخراً، ربما في إشارة مبكرة على أنَّ إجراءات بورصة لندن للمعادن تؤتي ثمارها.

وتميل السيولة في عقود بورصة لندن للمعادن إلى أن تتركَّز في الأربعاء الثالث من كل شهر، ويأمل المتعاملون الآن في فترة من الهدوء النسبي.

ومع ذلك، لا تستطيع بورصة لندن للمعادن أن تغير واقع أنَّ مخزون النحاس ينضب في كل صناعة النحاس العالمية، مع انخفاض مخزونه لدى بورصات الصين والولايات المتحدة أيضاً إلى مستويات تاريخية متدنية.

ويقول بهار: "إنَّ بورصة لندن للمعادن في موقفٍ لا تحسد عليه، مع انخفاض المخزون إلى هذه الدرجة. ونأمل أن يعتبر ذلك محاولة لتهدئة سوق شديدة السخونة".

معادن أساسية