مستحضرات التجميل النظيفة قد تكون الطريق إلى طائرات خالية من الوقود الأحفوري

مبيعات مستحضرات التجميل "النظيفة" شهدت طفرة خلال الوباء
مبيعات مستحضرات التجميل "النظيفة" شهدت طفرة خلال الوباء المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما أسس مارك ديلكوت شركة "غلوبال بيوإنيرغيز" (Global Bioenergie) قبل أكثر من عقد من الزمن، كان يحلم بتحويل صناعة الطيران إلى صناعة لا تعتمد على الوقود الأحفوري. وفي يونيو، قامت الشركة بإطلاق "لاست"، وهي ماركة مستحضرات تجميل تشمل مُظلل العيون بألوان تتراوح من الموكا إلى الأصفر القزحي.

على الرغم من هذا التحول؛ إلا أنَّ "ديلكوت" لم يتخلَّ عن هدفه الأول، كما يقول. وذلك لأنَّ الشركة قد ابتكرت تقنية لصنع "أيزودودكان"، وهو مكوِّن رئيسي لمستحضرات التجميل طويلة الثبات والمقاوِمة للماء، والمصنوعة من النباتات بدلاً من الوقود الأحفوري. و تعدُّ إزالة الكربون من مظلل العيون بمثابة الخطوة الأولى فقط.

يقول "ديلكورت": "ستقود مستحضرات التجميل التحول البيئي، لأنَّها أول قطاع يعتمد على النفط سيتمُّ توقف استخدامه تماماً، وبالنسبة لنا هذه هي نقطة البداية".

وتصنع الكريمات، والشامبو، ومنتجات التنظيف، ومعظم مستحضرات التجميل من مواد كيمياوية مشتقة من الزيت الخام. وعلى مدى العقد الماضي، أدى قلق المستهلكين المتزايد بشأن تأثير تلك المنتجات على صحة الإنسان، وعلى البيئة إلى دفع القطاع نحو مزيد من الشفافية، وابتكار ما يسمى بـ"مستحضرات التجميل النظيفة".

اقرأ أيضاً: النساء الأكبر سناً منجم الذهب المستقبلي لصناعة التجميل

لكن في صناعة لا تخضع للضوابط بشكل كافٍ مع افتقارها لإشراف عملي من هيئات مستقلة؛ غالباً ما يتمُّ استخدام كلمات مثل: "أخضر"، و"عضوي" بشكل فضفاض، بحسب ميشيل ونغ، وهي مدوِّنة تقيم في سيدني، وحاصلة على الدكتوراة في الكيمياء، كما أنَّ لها كتابات عن دور العلوم في منتجات التجميل. وبالمثل؛ فغالباً ما يتمُّ خداع المستهلكين بفكرة أنَّ المنتجات النباتية لها تأثير بيئي أقل.

ترى "ونغ" أنَّ هناك الكثير من العلامات التجارية التي تحاول بشكل جاد. و سواء نجحت أم لم تنجح، فهذا موضوع آخر، إلا أنَّ هناك الكثير من العلامات التجارية التي تروِّج لمنتجاتها بخلاف حقيقة أنَّها متوافقة مع قواعد المحافظة على البيئة، سواء كانت بقصد أو دون قصد".

استثمارات ضخمة

خطت شركة "غلوبال بيوإنيرغيز " أولى خطواتها بعيداً عن هذا النقاش. ففي عام 2008 كان "ديلكوت"؛ الحاصل على درجة الدكتوراة في التكنولوجيا الحيوية، يعمل على نموذج أولي جديد لآلة يمكن أن تصنع "الأيزوبوتين" من جذور البنجر، أو الذرة، أو القمح بدلاً من الوقود الأحفوري.

و "الأيزوبوتين" عبارة عن مركّب يتكوَّن من الكربون والهيدروجين، وعند الجمع بين هذه الجزئيات يتشكَّل "الإيزودويكان"، وهو منتج كيمياوي يستخدم بشكل رئيسي في قطاع صناعة الطيران كعنصر من مكوِّنات وقود الطائرات.

في أواخر العقد الأول من هذا القرن، وعندما كانت التكنولوجيا اللازمة لصناعة الطائرات الكهربائية ما تزال في مراحل مبكرة جداً؛ كان "الإيزودويكان" النباتي هو أسرع طريقة لتقليل الأثر البيئي لقطاع مسؤول عن 2% من الانبعاثات العالمية كل عام قبل الوباء.

اقرأ أيضاً: خلف القناع الطبي.. "كورونا" ينعش بيزنس التجميل

لكن سرعان ما أدرك "ديلكورت" أنَّ إنشاء مصانع قادرة على إنتاج مئات الأطنان من "الإيزودوديكان" يتطلَّب استثمارات بملايين الدولارات. ففي حين يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من "الإيزودوديكان" المُنتج من الوقود الأحفوري حوالي 3 يورو (3.48 دولاراً)، يمكن أن تصل تكلفة الكيلو الواحد من المنتج من الأصول النباتية إلى 1000 يورو.

من أجل ذلك بدأ "ديلكورت" في عام 2015 البحث عن قطاع يستخدم "الإيزودوديكان" بكميات قليلة، ويباع المنتج النهائي بسعر مرتفع. وكان يرى أنَّ هاتين الخاصتين ستجعلان القطاع الذي يعتمد في منتجاته على "الإيزودوديكان" المستخلص من النباتات فعالاً من ناحية التكلفة، وهذا القطاع هو قطاع مستحضرات التجميل.

يقول "ديلكوت"، إنَّ "الإيزودوديكان" هو مكوِّن رئيسي لمستحضرات التجميل طويلة الثبات، وهي المجموعة الراقية من مستحضرات التجميل، والتي تشكل حوالي ربع السوق، وتقدَّر قيمتها بحوالي 10 مليارات يورو.

تطوير مستمر

عيَّنت شركة التكنولوجيا الحيوية مجموعة من الكيميائيين المتخصصين في مستحضرات التجميل، وأبرمت اتفاقية مع "لوريال" (L’Oréal)، حتى تتمكَّن أكبر شركة تجميل في العالم من اختبار منتجها. وفي حين ما يزال وقود الطائرات هدفها؛ فقد جعلت مستحضرات التجميل محور اهتمامها الجديد.

يقول لورينت غيلبيرت، مدير الابتكار المستدام في قسم الأبحاث والابتكار في لوريال: "كنا موجودين منذ بداية المغامرة، ونعتقد أنَّه من المهم مواكبة تطوير المبادرات التي يمكن استخدام تقنيتها، ليس في قطاع مستحضرات التجميل فقط؛ ولكن أبعد من ذلك".

في عام 2019 استثمر صندوق رأس المال الاستثماري "بولد" التابع لشركة "لوريال" مبلغ 7 ملايين يورو في "غلوبال بيوإنيرغيز".

تضمنت مستحضرات التجميل "لاست" التي تم إطلاقها في يونيو الماضي، 12 مظللاً للعيون "أي شادو" السائل طويل الثبات، وثلاثة أنواع "ماسكاره" مقاومة للماء، وثلاثة "ماسكاره" للحاجب. وفي سبتمبر تم إطلاق 21 أحمر شفاه سائل، تبدأ أسعاره من 18 يورو.

اقرأ أيضاً: لماذا يفضِّل الرجال في كوريا الجنوبية وضع مساحيق التجميل ؟

وتعتبر المنتجات نباتية بنسبة 90%، إذ تحتوي على "الإيزودوديكان"، والشمع النباتي، ومشتقات زيت الزيتون كمكوِّنات رئيسية، في حين أنَّ الـ10% المتبقية، هي مكوِّنات منسجمة مع الصبغات، والتي لا يمكن الحصول عليها من مصادر طبيعية. تُصنَّع العبوات من الزجاج والألمنيوم، بالإضافة إلى البلاستيك والكرتون المعاد تدويره والقابل لإعادة التدوير.

في العام المقبل، تهدف "غلوبال بيوإنيرغيز" إلى زيادة طاقة إنتاج مصنعها لإنتاج عشرات الأطنان من المنتجات المعتمدة على "الإيزودوديكان" النباتي. كما تهدف إلى بيع بعض منها إلى شركات مستحضرات التجميل الأخرى.

يضيف "ديلكوت": "تزدهر الآن المنتجات طويلة الثبات، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّها مرتبطة بفكرة أنَّها تتناسب بشكل أكبر مع أقنعة الوجه، ولسنوات كان على الناس المفاضلة بين المنتجات ذات المكوِّنات الطبيعية والمنتجات ذات الأداء الجيد"

غير أنَّ غورغي إيسدل، وهي فنانة تجميل من لوس أنجلوس، تقول: "إنَّ هذا الوضع قد تغير؛ فالمنتجات التي يتم طرحها تتحسَّن أكثر فأكثر، وبالنسبة لي إذا كان المنتج النظيف له مستوى أداء المنتج غير النظيف نفسه، فهو اختيار سهل للغاية، لماذا لا تستخدم المنتج النظيف؟".