كيف تخطط السعودية للوصول إلى صفر انبعاثات كربون بحلول 2060؟

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تعهدت المملكة العربية السعودية، أكبر دولة مصدِّرة للنفط في العالم، بوقف الانبعاثات المسببة لـ"الاحتباس الحراري" بحلول عام 2060، لكنَّها أوضحت أنَّ الخطة الجديدة لن تنجح في تحقيق الهدف، إذا توقفت عن مواصلة ضخ الملايين من براميل النفط يومياً، وذلك عبر عقود عدة.

قال وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، إنَّه "هدف يمكِّننا من أن نقول للعالم: نحن معكم. نحن نشارككم القلق ذاته. نريد أن نتطور". وأضاف أنَّ السعودية ستتبع نهجاً "شاملاً وتكنولوجياً" لتحقيق الهدف.

دفعة لقمة "كوب 26"

يعتبر هذا الإعلان بمثابة دفعة لقمة المناخ "كوب 26" (COP 26 ) التي تنطلق في جلاسكو، اسكتلندا يوم 31 أكتوبر، حتى في ظل الأسئلة التي يطرحها الخبراء حول مصداقية الأهداف التي حددتها السعودية، عملاق الوقود الأحفوري.

قال الأمير عبد العزيز خلال "المنتدى السنوي لمبادرة السعودية الخضراء"، إنَّ العالم "لا يمكن أن يعمل من دون الوقود الأحفوري والهيدروكربون، ومن دون مصادر الطاقة المتجددة... لن يكون ذلك هو المنقذ.. ويجب أن يكون الحل شاملاً".

اقرأ أيضاً: وزير الطاقة السعودي لـ"الشرق": العالم بحاجة لكل مصادر الطاقة المتاحة

في المحادثات العالمية، مثل اجتماعات مجموعة العشرين، أو قمم مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، دفعت المملكة العربية السعودية في كثير من الأحيان لضمان أن يكون للوقود الأحفوري دور طويل الأمد، لإحداث التحول في قطاع الطاقة. قبل أشهر فقط، قال الأمير عبد العزيز أمام فعالية خاصة، "سنعمل على إخراج كل جزيء من الهيدروكربون من نفطنا".

اقرأ المزيد: الأمير محمد بن سلمان: هدفنا وصول السعودية لصفر انبعاثات كربون في 2060

منحت أزمة إمدادات الطاقة التي تواجه العالم، السعودية وحلفاءها في منظمة البلدان المصدِّرة للبترول "أوبك"، المزيد من الأسباب للمضي قدماً، على الرغم من أنَّ الأسباب الكامنة وراء النقص لا تتعلق بالسياسات الخضراء، بقدر ما تتعلق بالارتفاع السريع في الطلب على الطاقة بعد انتهاء عمليات الإغلاق بسبب الوباء.

قال سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، والرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك"، خلال حلقة نقاش في المنتدى: "إنَّ العالم غلبه النعاس في أزمة الإمدادات.. ولا يمكننا التقليل من أهمية النفط والغاز في تلبية متطلبات الطاقة العالمية".

اقرأ أيضاً: وزير الصناعة الإماراتي: التحركات المناخية يجب ألاّ تُشكّل عبئاً على الدول النامية

لا حاجة إلى المساعدات

في الوقت الذي تسعى فيه الدول النامية إلى الحصول على نحو 100 مليار دولار سنوياً كمساعدات لتمويل عمليات التحول في قطاع الطاقة، ومعالجة التغير المناخي؛ فإنَّ المملكة العربية السعودية لن تتطلع إلى الاستفادة من هذه المصادر التمويلية.

اقرأ المزيد: 100 مليار دولار تعوق نجاح محادثات المناخ في "جلاسكو"

قال الأمير عبد العزيز: "نحن لا نسعى للحصول على منح.. لا نسعى للحصول على تمويل. نحن لا نسعى للحصول على أي دعم مالي".

بذلت المملكة العربية السعودية، التي يسهم النفط بالجزء الأكبر من ناتجها المحلي الإجمالي، جهوداً حثيثة لتنويع اقتصادها. كما حدَّدت شركة "أرامكو" السعودية العملاقة للنفط، المملوكة للدولة، التي تسهم بجزء كبير من الإيرادات، هدفاً للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، ولكنَّه حدِّد للانبعاثات من عملياتها الخاصة فقط، علماً أنَّ أكثر من 80% من إجمالي انبعاثات الشركة يأتي من عمليات حرق العملاء لوقودها الأحفوري، والتي لا يشملها التعهد.

حذَّر وزير الطاقة السعودي أنَّه من دون الاستمرار في تصدير النفط، قد لا يكون لدى البلاد القدرة على تحقيق تلك الأهداف. وتعتبر السعودية صاحبة أعلى نسبة لنصيب الفرد من الانبعاثات بين دول مجموعة العشرين.

إذاً، ما هي خطة خفض الانبعاثات؟ قال الأمير عبد العزيز: "نعتقد أنَّ التقاط الكربون، واستخدامه، وتخزينه، والتقاط الهواء المباشر، والهيدروجين، والوقود منخفض الكربون، هي الأمور التي ستطوِّر المكوِّنات الضرورية".

سيتطلب ذلك "تعاوناً دولياً في البحث، وتطوير التقنيات، والأهم من ذلك؛ نشر هذه التقنيات".

على الرغم من أنَّ العلماء ظلوا يحذرون من تأثيرات تغير المناخ لأكثر من 30 عاماً، إلا أنَّه في السنوات القليلة الماضية فقط، أعلنت دول عن تحديد أهداف الوصول إلى صفر انبعاثات كربون، وهي ضرورية لاستقرار درجات الحرارة عالمياً.

نضوج التقنيات

ستلعب التقنيات الخضراء دوراً أساسياً في مساعدة العالم على تحقيق الأهداف المناخية، لكنَّ العلماء يتفقون على أنَّ تلك الأهداف، لن تكون قابلة للتطبيق، أو في متناول اليد، من دون تقليل استخراج الوقود الأحفوري واستخدامه.

"لماذا 2060؟ لأنَّ معظم هذه التقنيات قد لا تنضج قبل عام 2040"، بحسب ما قال وزير الطاقة السعودي.

يتطابق العام المستهدف في 2060 مع الطموحات التي حدَّدتها روسيا والصين، لكنَّه يتخلف عن الموعد المرتقب بالنسبة إلى الاقتصادات الكبيرة الأخرى، مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي. حتى بين الدول المنتجة للنفط؛ فقد حدَّدت الإمارات في وقت سابق من أكتوبر، هدف الوصول إلى صفر انبعاثات كربون في عام 2050.

قالت كارين يونغ، وهي كبيرة الباحثين في معهد الشرق الأوسط: "إنَّه هدف طموح. في بعض النواحي، يعتبر هذا بمثابة تحديد للملامح أكثر من كونه التزاماً فعلياً بالسياسة طويلة الأجل".

كرر وزير الطاقة السعودي هدفاً يتمثَّل في أنَّ المملكة تخطط لزيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة إلى 50% من مزيج الطاقة، مع تغطية الغاز الطبيعي للنصف الآخر بحلول عام 2030. سيتطلب ذلك تغييراً كبيراً في أقل من تسع سنوات، بالنسبة إلى دولة يتم فيها بالكاد تسجيل أو استخدام الطاقة الشمسية. تعهدت السعودية باستثمار 700 مليار ريال (187 مليار دولار) في الاقتصاد الأخضر، دون تحديد الفترة التي سيتم خلالها إنفاق تلك الأموال.

قال ماركو ألفيرا، الرئيس التنفيذي لشركة "سنام" ( Snam)، الإيطالية المتخصصة في البنية الأساسية للغاز الطبيعي: "سيؤدي هذا إلى تغيير الموازين في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ". وأضاف: القطاع الخاص متحمس للغاية تجاه كل ما يحدث في الشرق الأوسط وفي المملكة".

تمَّ وصف قمة "كوب 26" بأنَّها لحظة "حاسمة" للكوكب. وقد رحب مسؤولو الأمم المتحدة بالإعلان السعودي الذي سيساعد على إجراء مفاوضات جادة أو محمومة خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

إشارة قوية

قالت باتريشيا إسبينوزا، الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ: "إنَّ وجود البشرية على هذا الكوكب في خطر بسبب تغير المناخ، لذا؛ فإنَّ إعلان اليوم هو إشارة قوية جداً جداً في الوقت المناسب".

في إطار اتفاقية باريس للمناخ، التي وقَّعت عليها المملكة العربية السعودية، يجب على الدول تقديم خطط تحدد أهدافاً لخفض الانبعاثات للعقد القادم.

أظهر الأمير عبد العزيز رسالة رسمية لجمهور المنتدى، يؤكد فيها أنَّ السعودية قدَّمت ما يسمى بـ"مساهماتها المحدَّدة وطنياً" نحو أهداف المناخ العالمية.

قال، إنَّ السعودية ستخفِّض الانبعاثات بمقدار 278 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030، مقارنة بخط الأساس للعمل كالمعتاد.

أضاف أنَّ ذلك يعني في الواقع أنَّ انبعاثات البلاد ستتراوح بين 741 مليون طن، و849 مليون طن في ذلك العام.

تُظهر مقارنة هذه الأرقام مع أرقام من "مشروع الكربون العالمي"، أنَّ الانبعاثات الفعلية في عام 2030 قد تكون أعلى بنسبة تتراوح بين 27%، و45% من الانبعاثات في عام 2019.