قطاع الطيران العالمي أمام معضلة.. زيادة الرحلات مقابل خفض الانبعاثات

التخفيضات الكبيرة في أعداد الموظفين التي قامت بها شركات الطيران حول العالم خلال الجائحة، تركت نحو 100 ألف طيار يعملون بالحدّ الأدنى، أو يجبرون على أخذ إجازات طويلة
التخفيضات الكبيرة في أعداد الموظفين التي قامت بها شركات الطيران حول العالم خلال الجائحة، تركت نحو 100 ألف طيار يعملون بالحدّ الأدنى، أو يجبرون على أخذ إجازات طويلة المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: أ.ف.ب
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يواجه قطاع الملاحة الجوية معضلة صعبة في جهوده الرامية إلى مراعاة البيئة، فكيف له أن يسيّر مزيداً من الرحلات، وأن يخفِّض في الوقت عينه انبعاثاته الغازية إلى حدٍّ كبير؟

ما حجم قطاع الملاحة الجوية؟

نقلت طائرات القطاع 4,5 مليارات راكب سنة 2019، مصدرة 900 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، أي حوالي 2% من إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية. من المرتقب أن يتضاعف عدد الركاب بحلول 2050، مما سيؤدي إلى تضاعف كمية الانبعاثات إذا استمر الأمر على هذا المنوال.

لقد سعى القطاع كثيراً إلى تعزيز فعاليته، غير أنَّ الضغوطات البيئية راحت تتزايد بفعل حركات تدعو لمقاطعة الطيران، مثل "فلايغسكام" التي يعني اسمها "الخزي من ركوب الطائرة"، وأبصرت النور في السويد سنة 2018.

بين 2009 و2019؛ حسَّنت الخطوط الجوية فعاليتها في مجال الطاقة بنسبة

21.4 %، وفق الرابطة الدولية للنقل الجوي (إياتا). لكن ذلك لم يحل دون زيادة انبعاثات القطاع.

اقرأ أيضاً: "إياتا": خسائر شركات الطيران جرّاء كوفيد تتجاوز 200 مليار دولار

"إياتا"يرفع تقديرات خسائر صناعة الطيران 25% إلى 48 مليار دولار في 2021

ما هي الالتزامات المقطوعة؟

في مطلع أكتوبر، التزمت الرابطة الدولية للنقل الجوي بـ "تصفير صافي انبعاثات" ثاني أكسيد الكربون في 2050، في حين كانت تنوي في السابق تخفيضها إلى النصف، وقد حذت بذلك حذو الشركات الجوية والمطارات والصناعيين في أوروبا.

على صعيد الدول، يعتزم الاتحاد الأوروبي تخفيض انبعاثاته بواقع 55% بحلول 2030 نسبة إلى 1990، بما في ذلك في القطاع الجوي. أما الولايات المتحدة، فهي تنوي خفض انبعاثات قطاع الرحلات التجارية بنسبة 20% بحلول 2030، بالمقارنة مع الوضع الراهن.

ما هي الروافع لبلوغ الأهداف المنشودة؟

يأمل الاتحاد الأوروبي أن يساعد التقدُّم التكنولوجي، والتطور في البنى التحتية على تحقيق نصف المكاسب المرجوَّة، ويعول في ذلك على مواد جديدة، ومحرّكات أقل استهلاكاً للطاقة، وإدارة أفضل لحركة الطيران والطائرات العاملة بالهيدروجين وبالكهرباء. ترى "إياتا" من جانبها أنَّ هذه التحسينات لن تساهم سوى في 14% من المجهود.

ترتكز خطط العمل الرامية إلى "تصفير صافي الانبعاثات" على آليات التعويض عن الكربون، كالتشجير، مما يثير انتقادات منظمات غير حكومية ترى في هذه التدابير تحريفاً للمشكلة.


أي دور للوقود المستدام؟

هو دور محوري من دون شك، "فإذا كان من حلٍّ جذري لخفض انبعاثات قطاع الطيران؛ فهو يقوم على الوقود المستدام"، بحسب براين موران المكلف بالتنمية المستدامة لدى "بوينغ". تعوِّل "إياتا" بدورها على أنواع الوقود هذه لتحقيق ثلثي المجهود، وهي متأتية من زيت القلي، والطحالب، ومخلفات الحطب وغيرها من منتجات "الكتلة الحيوية".

تنوي المفوضية الأوروبية إلزام الشركات بتخصيص 2% من الوقود المستخدم في الرحلات الجوية لأنواع "وقود الطيران المستدام" هذه في 2025، و 5% في 2030، حتى 63% في 2050. تتوقّع "بوينغ"، و"ايرباص" أن يصبح في مقدور طائراتهما العمل بالكامل بهذا النوع من الوقود في نهاية هذا العقد.

اقرأ المزيد: "إيرباص" تتجه لتصنيع طائرة تعمل بالهيدروجين الأخضر بحلول 2035

يكلف "وقود الطيران المستدام" أكثر بأربع مرات من الكيروسين، والمشكلة الأساسية هي في مدى توفُّره. وهو مثَّل أقل من 0,1% من الوقود المستخدم في الطيران في 2019، والمقدر بحوالى 360 مليار ليتر.

يجب إنشاء فرع جديد له لزيادة الكميات المتوفِّرة، وخفض الأسعار. يحاول الاتحاد الأوروبي حث خطاه من خلال فرض ضريبة تدريجية على الكيروسين في الرحلات المسيَّرة بين بلدانه، في حين تعرض الولايات المتحدة خصومات ضريبية.

طالع أيضاً: "بوينغ" تتوقع عودة السفر الجوي لمستويات 2019 خلال عامين أو ثلاثة

هل الأمر ممكن بالفعل؟

رأى غييوم فوري، مدير "إيرباص" أنَّ الابتكارات التكنولوجية في مجال الطائرات،

لاسيَّما مركبات الطيران العاملة بالهيدروجين، ستكون حاضرة "لكن المسألة لا تقتصر على الطائرات، فنحن بحاجة إلى الهيئات الناظمة، وإلى قطاع الطاقة".

اقرأ المزيد: تحضير الطاقة لمكافحة تهديد المناخ قد يتطلب 92 تريليون دولار

غير أنَّ الكتلة الحيوية مورد محدود، بحسب التقديرات "سيسمح الوقود الحيوي المطوَّر من المخلفات بتغطية 11% من حاجات الطيران بحلول 2050"، وفق ما قالت جو داردين من الاتحاد الأوروبي للنقل والبيئة الذي يضم تحت رايته حوالي خمسين منظمة غير حكومية.

يعوِّل القطاع أيضاً على الوقود الصناعي المصنوع من الهيدروجين المتأتي من الطاقة الكهربائية المتجددة، ومن ثاني أكسيد الكربون المحتبس من الغلاف الجوي.

طالع أيضاً: دراسة فرنسية: الطيارون وأطقم الطائرات يتعرضون لمستويات متزايدة من الإشعاع

غير أنَّ إنتاج هذا النوع من الوقود، بما يمثِّل 10% من الاستهلاك الحالي بالنسبة إلى كيروسين الطائرات؛ يوازي إجمالي إنتاج الكهرباء في فرنسا وإسبانيا معاً، على حدِّ قول تيمور غول المسؤول في الوكالة الدولية للطاقة.

لفتت داردين إلى أنَّ "التكنولوجيات قيد التطوير لتخفيض انبعاثات قطاع الملاحة الجوية ستتطلَّب نسبة كبيرة من الطاقة"، مشدِّدة على ضرورة "تغيير النموذج السائد" مع "تخفيض الطلب" على الطيران.