أسواق السندات ترسل تحذيرات للبنوك المركزية بشأن النمو قبل رفع الفائدة

رفع أسعار الفائدة من مستوياتها المتدنية القياسية الحالية قبل الأوان قد يضر بتعافي الاقتصاد من تداعيات أزمة كورونا
رفع أسعار الفائدة من مستوياتها المتدنية القياسية الحالية قبل الأوان قد يضر بتعافي الاقتصاد من تداعيات أزمة كورونا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أطلق مقياس النمو القديم في أسواق السندات إشارات تحذيرية لا تنذر بالخير، مع اقتراب البنوك المركزية في العالم من رفع أسعار الفائدة من أدنى مستوياتها القياسية.

يراهن المتعاملون على زيادة أسعار الفائدة بمقدارٍ يبلغ 158 نقطة أساس على مدى العام القادم في بلاد مثل المملكة المتحدة ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية وسط ارتفاع تكاليف المعيشة وأسعار السلع الأولية.

ومع ذلك، يشير تسطيح منحنيات العائد – الذي يعتبر من الناحية التاريخية تقييماً من السوق لمدى صحة الاقتصاد – إلى تزايد القلق من أن سحب خطط الدعم بهذه السرعة سيضر بحالة التعافي الاقتصادي الناشئة.

التضخم يُرعب العالم.. هكذا يرى 23 بنكاً مركزياً مستقبل أسعار الفائدة

وتيرة التقشف السريعة قد تضر النمو

لا يسلم هذا الرأي من الانتقاد، فقد شوهت إشارات منحنى العائد بعد مرور ما يزيد على عشرة أعوام يقوم خلالها البنك المركزي بشراء السندات.

غير أنه مع مواكبة هذه المقاييس مؤشرات النمو الأخرى وسيطرة الحديث عن الركود التضخمي على وول ستريت، يفكر المستثمرون في ما إذا كان سيثبت أن هذه الوتيرة السريعة للسياسة التقشفية – إذا تم تنفيذها –خطأ باهظ التكاليف.

يقول إبراهيم راهباري، رئيس استراتيجية النقد الأجنبي لمجموعة العشرة لدى "سيتي بنك": "ربما تأثير هذه السياسة السلبي المفاجئ على نمو الاقتصاد سيستمر ويتجاوز تأثيرها الإيجابي على معدل التضخم. وقد نجد أنفسنا في موقف حيث تتبني البنوك المركزية سياسة تقشفية متشددة لفترة قصيرة، لا تلبث بعدها أن تضطر إلى العودة إلى السياسة التيسيرية ربما خلال عام أو نحو عام".

باول: الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ تخفيف شراء السندات.. والتضخم سينخفض

انخفاض قيمة العملات

هذه المشكلة العنيفة تكتسب أهمية خاصة في المملكة المتحدة، حيث يراهن المتعاملون على قيام "بنك إنجلترا" برفع أسعار الفائدة بما يزيد على 100 نقطة أساس بنهاية عام 2022 – في أعنف دورة تقشفية خلال القرن الحالي.

ويأتي تحرك "بنك إنجلترا" المتوقع، رغم أن البلاد تعاني في مواجهة النتائج الاقتصادية القاسية لخروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 مع دخول فصل الشتاء.

مسؤولو بنك إنجلترا يضاعفون إشارات الرفع الوشيك لأسعار الفائدة

ألقت المخاوف المتعلقة بنمو الاقتصاد بتأثيرها السلبي على قيمة الجنيه الإسترليني، الذي انخفض إلى أدنى مستوى له العام الحالي في نهاية سبتمبر الماضي.

ورغم أن قيمة الجنيه اتجهت للزيادة منذ ذلك التاريخ، يحاول المتعاملون جاهدين أن يتوقعوا تأثير رفع أسعار الفائدة على نمو الاقتصاد وعلى أداء الجنيه الإسترليني.

تأثير عكسي لزيادة الفائدة

كذلك فشلت زيادة أسعار الفائدة في دعم قيمة الـ "وون" في كوريا الجنوبية، الذي كان من بين أسوأ العملات أداءً في آسيا على مدى الأشهر الستة الماضية.

نفس الأمر بالنسبة لدولار نيوزيلندا، الذي انخفضت قيمته بعد أن رفع بنك الاحتياطي في نيوزيلندا أسعار الفائدة الشهر الماضي.

ورغم استعادته جزءاً من قيمته منذ ذلك الوقت، انخفضت توقعات الأداء لدولار نيوزيلندا باستمرار، إذ تحسب الأسواق تأثير مسار البنك المركزي نحو سعر فائدة حيادي.

المركزي النيوزيلندي: التضخم العالمي سيسود لفترة أطول وبوتيرة متسارعة

قال براشانت نيوناها، محلل استراتيجي لدى شركة "تي دي للأوراق المالية" في سنغافورة: "لم تبدأ معظم البنوك المركزية الأخرى في الدول المتقدمة عملية تطبيع الأوضاع – ناهيك عن المراهنة على مسار متوقع إلى سعر فائدة حيادي. ومع توقعات أن تتسابق البنوك المركزية الأخرى في رفع أسعار الفائدة، فإن أثر الزيادة الإيجابي بالنسبة لدولار نيوزيلندا يصبح محدوداً".

هذا الاتجاه نراه أيضاً في الأسواق الناشئة، حيث انهارت قيم العملات إلى أدنى مستوياتها منذ مارس من عام 2020 بالمقارنة مع متوسط عوائد السندات المحلية. ومعنى ذلك أن المستثمرين لا يضعون في حسابهم عامل زيادة أسعار الفائدة، مقارنة مع القلق من تلك التركيبة المسمومة من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وارتفاع معدلات التضخم.

تباطؤ النمو

إن العالم، رغم ذلك، لا يقف تماماً على حافة ركود جديد. فمؤشرات "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" تشير إلى نمو معتدل في الولايات المتحدة، ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة، يضعُف جزئياً بسب "الزيادة المستمرة في أسعار المستهلك خلال الأشهر الأخيرة مدفوعة بارتفاع أسعار الطاقة" وفق بيان للمنظمة في 12 أكتوبر الجاري.

التضخم قد يكون مؤقتاً

أصبحت مصداقية منحنيات العائد كمؤشر على صحة أداء الاقتصاد محل شكوك وسط برامج مكثفة للبنوك المركزية في شراء السندات وبرامج أخرى للإنفاق الهائل في مواجهة الوباء، والتي قلبت النماذج التقليدية رأساً على عقب.

قال آرند كابتين، كبير الاقتصاديين لدى بنك "يو بي إس غروب": "إنني أتوخى الحذر من المبالغة في تفسير ما تشير إليه منحنيات العائد بسبب أن عدد المتغيرات المؤثرة كبير جداً".

غير أن مسألة ما إذا كان الاقتصاد قوياً بما يكفي لتحمل ارتفاع تكاليف الاقتراض تركت الأسواق في حالة من الشلل.

ويغذِّي هذه الحالة سجال يدور حول ما إذا كانت ضغوط ارتفاع الأسعار حقاً مؤقتة وانتقالية، أو ما إذا كان التضخم سينخفض إلى أقل من مستهدف البنوك المركزية إذا تراجعت أسعار الطاقة واختفت أزمات سلاسل التوريد.

إذا حدثت هذه التطورات فقد تترتب عليها نهاية سريعة لرفع أسعار الفائدة بنفس السهولة التي تضرب بها معدلات النمو الاقتصادي.

يقول كي يامازاكي، وهو مدير صناديق أول لدى شركة "سوميتومو ميتسوي دي إس لإدارة الأصول" في طوكيو: "لدي انطباع أن البنوك المركزية تستبق الأحداث. فالأسواق ترسل الإِشارات بأن قرار رفع أسعار الفائدة مازال سابقاً لأوانه".