خوارزميات فيسبوك تحت أنظار المشرعين الأمريكيين

مشرعون يحاولون إخضاع الخوارزميات التي تعمل بطريقة آلية لعملية تنظيمية
مشرعون يحاولون إخضاع الخوارزميات التي تعمل بطريقة آلية لعملية تنظيمية تصوير: جيوليا مارشي / بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يستكشف المشرعون الأمريكيون، أثناء إجراء تحقيقاتهم حول طريقة تأثير شركة "فيسبوك" وغيرها من منصات الإنترنت على تكوين آراء المستخدمين في أنحاء العالم، قواعد جديدة لبرامج تقنية الذكاء الاصطناعي التي يجري إلقاء اللوم عليها في عملية انتشار المحتوى الضار.

بات هذا الزخم التشريعي في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر حتمية منذ إفصاح كاشفة الأسرار عن الآلاف من الصفحات من وثائق داخلية تظهر طريقة إدراك موظفي فيسبوك أن خوارزميات الشركة التي تجعل الأولوية لتحقيق النمو ومشاركة المنشورات توجه الأفراد نحو التعرض لمزيد من المحتوى الضار والمثير لحالة الاستقطاب.

اقرأ أيضاً: واشية "فيسبوك" تتهمها بجعل الأرباح أولوية فوق المستخدمين

مارك زوكربيرغ يرسم صورة وردية لـ"فيسبوك" لجذب الشباب

طريقة آلية

يتحكم كود حاسوب كتبه مهندسون في كل إجراء يتم بطريقة آلية على الإنترنت بداية من ترتيب استعراض لمحتوى وتقديم نتائج البحث وحتى طرح توصيات أو عرض إعلانات. تحصل بعض هذه الخوارزميات على مدخلات بسيطة من البيانات على غرار كلمات أو جودة فيديو من أجل الوصول لمخرجات من البيانات بعينها، في حين يستعمل آخرون تنقية الذكاء الاصطناعي لإدراك المزيد عن الأشخاص والمحتوى الذي ينتجه المستخدم، وهو ما يسفر عنه عملية تصنيف أشد تعقيداً.

يوجد اتفاق لدى كل من مشرعي الحزب الجمهوري ومشرعي الحزب الديمقراطي على أنه من المفترض خضوع شركات قطاع التكنولوجيا للمساءلة بقدر ما، رغم ما توفره مادة رقم 230 من قانون آداب الاتصالات الصادر في عام 1996 من حصانة قانونية واسعة النطاق لمنصات الإنترنت.

قواعد الخصوصية

بينما كان يوجد بعض من توافق الآراء بشأن قواعد الخصوصية التي جرى تحديثها ومشاريع قوانين خاصة بمكافحة الاحتكار توجه اهتمامها صوب شركات التكنولوجيا، إلا أن فترة العطلات على مدى أسبوعين الشهر المقبل والمواعيد النهائية المتعلقة بأمور مالية وشيكة في شهر ديسمبر المقبل تُبقي وقتاً ثميناً محدوداً يكفي لاتخاذ إجراءات ملموسة خلال العام الجاري.

في أعقاب النضال المرتبط بطريقة صياغة القوانين لتمرير أو منع لفظ معين، والذي ربما تسفر عنه مخالفة للتعديل الأول لدستور الولايات المتحدة، يبرز إخضاع الخوارزميات التي تعمل بطريقة آلية لعملية تنظيمية كإستراتيجية محتملة.

صناديق سوداء

قال السيناتور إد ماركي، وهو مشرع ينتمي للحزب الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس لـ بلومبرغ: "تعتبر الخوارزميات التي توجه عمل منصات وسائل التواصل الاجتماعي الكبيرة بمثابة صناديق سوداء، وهو ما يخلق صعوبات أمام الجمهور وصانعي السياسات للقيام بمراقبتها والتأكد من امتثال هذه الشركات للقوانين، حتى في ظل وجود سياساتها التابعة لها".

قام السيناتور بطرح مشروع القانون في شهر مايو الذي قال إنه "سيسهم في كشف الكثير من أمور شركات التكنولوجيا الكبرى، ويفرض قيوداً حازمة على الخوارزميات الضارة، مع وضع تحقيق العدالة للمجتمعات التي واجهت تمييزاً على امتداد فترة زمنية طويلة كأولوية أثناء جهودنا لإخضاع المنصة للمحاسبة".

طالع المزيد: مجلس الرقابة الداخلي: "فيسبوك" غير صريحة

روج كثير من أعضاء مجلس الشيوخ لمشاريع قوانينهم التي تركز على مسألة الخوارزميات بينما كان يجري استجواب فرانسيس هوغن، كاشفة أسرار فيسبوك، لدى مثولها أمام الكونغرس الأمريكي في بداية الشهر الحالي. رغم أن هوغن لم تعط تأييدها لأي قانون بعينه، إلا أنها قالت إن الطريقة المثلى لتنظيم عمل منصات الإنترنت على غرار فيسبوك هو التركيز على توفير حلول هيكلية، وخاصة ما يتعلق بوجود الشفافية والمحاسبة الخاصة ببنية الحاسوب للتعليم بشكل آلي التي تتحكم في بعض أكبر وأكثر شركات العالم من حيث التأثير.

اقرأ أيضاً: المدعي العام في واشنطن يستهدف زوكربيرغ في دعوى انتهاك الخصوصية ضد "فيسبوك"

تهدد الديمقراطية

من جهته استدعى الأسبوع الماضي السيناتور ريتشارد بلومنتال، وهو مشرع ينتمي للحزب الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت والذي ترأس تحقيقات الكونغرس الأمريكي بشأن مزاعم هوغن، باعتباره رئيس اللجنة الفرعية لحماية المستهلك في مجلس الشيوخ الأمريكي، الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك" مارك زوكربيرغ للمثول أمام الكونغرس الأمريكي للإدلاء بشهادته. اعتبر بلومنتال، في بيان له يوم الإثنين، أن البناء الحاسوبي للتعليم بشكل آلي الخاص بمنصة الشركة على وجه التحديد، لا يمثل خطراً فقط على المستخدمين، بل ويهدد الديمقراطية أيضاً.

قال بلومنتال: "بات جلياً أن منصة "فيسبوك" لا يمكنها ضبط نفسها لأن خوارزمياتها القوية تقدم محتوى يسبب ضرراً عميقاً للأطفال، ويعزز مشاعر الكراهية". تابع: "يزيد ذلك بطريقة مدوية للنداءات المتعالية للقيام بإصلاحات ووضع قواعد لتوفير الحماية للمراهقين، وتبني شفافية حقيقية وتحمل المسؤولية من قبل شركة "فيسبوك" ونظيراتها من الشركات الكبرى في قطاع التكنولوجيا".

طالع المزيد: كيف استطاعت فرانسيس هوغن أن تسكت مارك زوكربيرغ؟

بينما يزيد ما كشفت عنه هوغن من الغضب لدى الحزبين تجاه كبرى شركات التكنولوجيا، تعتبر مطالبة الكونغرس- المتخم بقضايا ذات أهمية كبيرة- بالقيام بعملية تنظيم قطاع معقد من الناحية التقنية وسريع التغير، مهمة ليست بالسهلة.

يجري المشرعون مناقشات حول مشاريع قوانين محتملة لإلغاء مادة رقم 230، خاصة منذ تصدر المشكلة سريعاً للمشهد على المستوى الوطني عندما استعمل الرئيس السابق دونالد ترمب العام الماضي حق النقض ضد مشروع قانون خاص بقضايا دفاعية لا تتعلق بهذا الشأن، في ظل وجود مطالبات بإلغاء إجراءات الحماية القانونية، الذي تجاوزه الكونغرس بعد ذلك.

بيد أنه لم يبرز أي من الاقتراحات كمتصدر، ونوه العديد من مجموعات النشطاء – بما في ذلك الذين يؤيدون وجود لوائح تنظيمية جددة للقطاع التكنولوجي - إلى أن لائحة التنظيم الحكومي لقضية التعبير تهدد بإسكات الأصوات التي تعاني بالفعل من التهميش.

بالتالي ينصب الاهتمام على الخوارزميات. وفقاً لمؤيدي هذه المقاربة فإن المنصات الرئيسية من المفترض ألا تكون هي المسؤولة عن المحتوى الذي ينتجه المستخدم، بيد أنهم يحتجون بأنهم من يتحمل مسؤولية طريقة تصميم منصاتهم لتعزيز أنواع محددة من المعلومات.

المسؤولية التحريرية

أقر موظفو شركة "فيسبوك" نفسها بتلك المسؤولية التحريرية، بحسب الوثائق الداخلية التي وزعتها هوغن على الكونغرس ولجنة الأوراق المالية والبورصة. انتقد موظف بشركة "فيسبوك" في تقرير صادر عام 2019 طريقة تأثير "خطاب الكراهية والخطاب السياسي المثير للاستقطاب والمعلومات المضللة على منصة "فيسبوك" وعائلة من التطبيقات على المجتمعات حول العالم بأسره".

قال في الوثيقة: "يوجد لدينا دليل دامغ أيضاً على أن آليات عمل منتجاتنا الرئيسية، على غرار الشيوع والتوصيات وتحقيق أقصى استفادة من التفاعل، هي جزء رئيسي يعطي تفسيراً للسبب وراء إذكاء هذه الأنواع من الخطابات على المنصة". كما قال واصفاً الأهداف الموضوعة لعمل الخوارزميات: "آليات عمل منصتنا تفتقر للحيادية".

بموجب مشروع قانون حديث مقدم من عضو مجلس النواب فرانك بالون، رئيس لجنة مجلس النواب المسؤولة عن مجالات العلوم والتكنولوجيا، سيجري إلغاء الحماية القانونية بموجب المادة 230 بالنسبة لأي منصة إنترنت تستعمل خوارزميات بهدف التعزيز أو التوصية لمحتوى ذي خطورة.

قال بالوني، وهو نائب ينتمي للحزب الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي، لدى الإعلان عن مشروع القانون الخاص به: "يعتبر وضع تصميم للخوارزميات يتتبع الأشخاص بما يؤدي إلى تشجيع التطرف والتضليل المعلوماتي ونشر المحتوى الضار بمثابة اختيار عن عمد". تابع: "يتوجب على هذه المنصات الرد على ذلك".

يتبني مشروع القانون المقدم من قبل ماركي والذي طرحته أيضاً على مجلس النواب النائبة عن الحزب الديمقراطي دوريس ماتسوي من ولاية كاليفورنيا، مقاربة من نوع آخر عبر عدم التصدي للمادة رقم 230 والتركيز على المقتضيات الحديثة فقط المرتبطة بطريقة استعمال الشركات لهذه الخوارزميات. وفقاً لمشروعي قانونيهما فسيجري وضع مصدات حماية لهذه العمليات الآلية، كما يتطلب شفافية أكثر بالنسبة للمستهلكين والجهات التنظيمية الفيدرالية الأمريكية.

يوجد اقتراح آخر يتعامل بطريقة أكثر حساسية، بيد أنه يلقى تأييداً من أعضاء كلا الحزبين في مجلس الشيوخ. من المفترض أن تكون منصات الإنترنت مطالبة بموجب هذا القانون المقترح المقدم من العضو الجمهوري عن ولاية ساوث داكوتا جون ثون علاوة على بلومنتال وآخرين، بإعطاء الصلاحية للمستخدمين بتعطيل "فقاعة المرشح" التي تخلقها واحدة من الخوارزميات بما يسمح لهم بمتابعة محتوى جرى ترتيبه أكثر على أساس التسلسل الزمني.

قال ثون أثناء مقابلة معه: "يوجد حل سهل لفقاعة المرشح يتمثل في إعطاء حق الاختيار فعلياً للمستهلكين، فعليك أن تعطيهم فرصة الاختيار، وأن تعطيهم حرية الانسحاب من منصة تستخدم الخوارزميات في ممارسة التلاعب".

طالبت هوغن، أثناء تحدثها أمام البرلمان البريطاني يوم الاثنين، صانعي السياسة حول العالم باتخاذ تحرك سريع لإخضاع تقنية الذكاء الاصطناعي الخاصة بالخوارزميات التي تقوي منصات الإنترنت لعملية تنظيمية.

قالت هوغن: "الوقت ضيق ليدنا لكي نتمكن من استعادة السيطرة على تقنية الذكاء الاصطناعي من قبل الأشخاص ". تابعت: "يجب علينا تحقيق أقصى استفادة في هذه اللحظة".