إدارة "فيسبوك" أخفت عن المستثمرين قلقها من تراجع أعداد المستخدمين المراهقين

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في مارس، أعد فريق من الباحثين داخل شركة "ميتا" (Meta) ("فيسبوك" سابقاً)، تقريراً لصالح مدير المنتجات في الشركة، كريس كوكس، وهو أحد أقوى المديرين التنفيذيين هناك. هذا التقرير تضمن سلسلة من الرسوم البيانية والبيانات التي تبرز اتجاهاً مثيراً للقلق، بدا وكأنه يتسارع، وهو فقدان موقع "فيسبوك" لشعبيته بين المراهقين والشباب.

اقرأ أيضاً: "فيسبوك" تغير اسمها إلى "ميتا" للتركيز على الواقع الافتراضي

تراجع معدل "الوقت الذي يقضيه" المراهقون الأمريكيون على "فيسبوك" بنسبة 16% على أساس سنوي، وأصبح الشباب الأمريكيون البالغون يقضون أيضاً وقتاً أقل بنسبة 5% على شبكة التواصل الاجتماعي، وفقاً لأحد الرسوم البيانية الملونة. فضلاً عن أن عدد التسجيلات الجديدة من قبل المراهقين آخذ في التراجع أيضاً، وربما كان الأمر الأكثر إثارة للقلق هو سلسلة البيانات التي تُظهر أن الشباب يستغرقون وقتاً أطول ليقدموا على خطوة الانضمام إلى "فيسبوك"، مقارنة بما كان عليه الوضع في الماضي.

كذلك، أظهر البحث أن معظم من ولدوا قبل عام 2000 أنشؤوا حسابات على "فيسبوك" في عمر 19 أو 20 عاماً، لكن الآن من المتوقع ألا ينضم من ولدوا بعد عام 2000 إلى شبكات التواصل الاجتماعي إلا عندما يصبحون أكبر عمراً بكثير، وربما حينما يبلغون 24 أو 25 عاماً، إذا لم يكن ذلك مستحيلاً.

اقرأ المزيد: مارك زوكربيرغ يرسم صورة وردية لـ"فيسبوك" لجذب الشباب

يأتي هذا التقرير ضمن مئات الوثائق الداخلية التي جمعتها فرانسيس هوغن، المسؤولة السابقة في "فيسبوك" والتي أصبحت مُبلغة عن المخالفات أو "واشية فيسبوك"، وظهرت للرأي العام في أوائل أكتوبر باتهامات موجهة إلى "فيسبوك"، مفادها أن الموقع يندفع وراء الأرباح ويفضلها على سلامة المستخدمين وأمنهم. تم تقديم هذه الوثائق إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية وقدمها المستشار القانوني لهوغن أيضاً بصيغة منقحة إلى الكونغرس.

اقرأ أيضاً: خوارزميات فيسبوك تحت أنظار المشرعين الأمريكيين

حصلت مجموعة من وسائل الإعلام، بما فيها "بلومبرغ نيوز"، على نسخ من هذه الوثائق المنقحة، فضلاً عن أن بعضها استُخدم من قبل صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقارير سابقة عن النمو والمراهقين وموضوعات أخرى.

مع أخذ كل ذلك في الاعتبار، فإن الوثائق ترسم صورة واضحة للانخفاض المستمر منذ أعوام، في مقاييس النمو الخاصة بمجموعات المستخدمين الرئيسية، مثل المراهقين والشباب في الولايات المتحدة، للتطبيق الرئيسي لـ"فيسبوك".

تظهر التقارير الداخلية، التي لم يُعلن بعضها من قبل، ما يلي:

  • الشباب يقضي وقتاً أقل في استخدام "فيسبوك".
  • عدد أقل من المراهقين يشتركون في "فيسبوك".
  • كثير من حسابات المراهقين الجديدة مكررة وليست حسابات خاصة بمستخدمين جدد.
  • المستخدمون في الفئات العمرية المختلفة يشاركون منشورات أقل.
  • رغم الأبحاث التفصيلية، فإن الموظفين لا يفهمون تماماً سبب التوجه نحو هذه الاتجاهات أو سبب فشل تغييرات المنتج في عكس هذه الاتجاهات.

في إشارة إلى المستخدمين الذي تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، طرح أحد التقارير سؤالاً مفاده: "ما الذي يجب علينا (على وجه التحديد) تحسينه بين الشباب البالغين؟.. فنحن ليست لدينا معرفة كافية لنحدد ذلك".

اقرأ المزيد: واشية "فيسبوك" تتهمها بجعل الأرباح أولوية فوق المستخدمين

انعكاس على الإعلانات

قضى موقع "فيسبوك" أعواماً في دراسة أسباب تراجع شعبيته بين الشباب -فهذا التراجع يدمّر بدوره قطاع الإعلانات لدى الشركة الذي شكل نحو 23.7% من سوق الإعلانات الرقمية العالمية- لكن المسؤولين التنفيذيين في الشركة، لم يصرحوا بشكل ملحوظ عن هذه المخاوف علناً. فقد أسهم نجاح الشركة الهائل في مجال الأعمال التجارية، في إخفاء المشكلات المستمرة التي يواجهها الشباب، وبالتالي ظل النمو الإجمالي لمستخدمي "فيسبوك" ثابتاً لأعوام، وارتفعت الإيرادات إلى نحو 30 مليار دولار في الربع السنوي الواحد. كما اقتربت القيمة السوقية للشركة من تريليون دولار.

هذه النجاحات تعني أن تراجع الإقبال على "فيسبوك" بين المراهقين والشباب، بالاكاد كان يلاحظ بالنسبة إلى الجهات الخارجية. ينبغي العلم أيضاً أن "فيسبوك" لا يقسم عادةً أعداد المستخدمين حسب الفئة العمرية، فضلاً عن أنه استطاع التهرب من تساؤلات محللي "وول ستريت" بشأن شعبية التطبيق الرئيسي بين الشباب.

لكن هذا التناقض، يعد الأساس الذي قامت عليه الشكوى الرسمية للمبلغين عن المخالفات والتي قدمتها هوغن إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية. وتشير الرسالة التي أوجزت شكوى هوغن، إلى أن "فيسبوك" "أساء تمثيل المقاييس الأساسية للمستثمرين والمعلنين" لأعوام من خلال إظهار النمو الإجمالي، واستثناء التفاصيل التي توضح تباطؤ التركيبة السكانية الرئيسية، وهذه واحدة من حجج عديدة مقدمة.

اقرأ المزيد: "فيسبوك" تغير أسلوب تعداد الحسابات إعلانياً

لطالما كان جذب المراهقين، الذين يشكلون جيلاً كاملاً من المستخدمين، يشكل تحدياً بالنسبة إلى "فيسبوك"، بالإضافة إلى أن الوثائق تظهر أيضاً انخفاض نمو المستخدمين بين فئة عمرية أكبر قليلاً -يُعرّفها "فيسبوك" باسم "الشباب البالغين"- منذ نحو عقد من الزمان. فقد انخفض عدد مستخدمي "فيسبوك" من الشباب البالغين الأمريكيين بنسبة 2% منذ عام 2019، ويتوقع استمرار منحنى الانخفاض بنسبة 4% إضافية خلال العامين المقبلين، كما أن هذه الفئة تشارك بشكل أقل مما كانت عليه قبل عام، وترسل رسائل أقل.

ولإيضاح الأمر بشكل أكبر، أشار أحد تقارير "فيسبوك" الداخلية الصادرة عن فترة أوائل عام 2021، إلى وجود "مشكلة في مشاركة الشباب. فهم يختارون تطبيقات أخرى لمشاركة اللحظات اليومية والحياتية".

حسابات ثانوية

في الوقت ذاته، استشهدت هوغن بوثائق توضح أن العديد من الحسابات على تطبيقي "فيسبوك" و"إنستغرام" مجرد حسابات ثانوية مملوكة لشخص واحد، ما أدى إلى تحريف "فيسبوك" للعدد الإجمالي لمستخدميه أمام المعلنين.

وفقاً لدراسة داخلية أجريت عام 2017، تبيّن أن أكثر من 15% من حسابات "فيسبوك" الجديدة التي أنشأها المراهقون هي حسابات ثانوية -وهو ما تطلق عليه الشركة اسم "مستخدم واحد وحسابات متعددة" (SUMAs). ومن هذا المنطلق، كانت 11% من كافة حسابات المراهقين على موقع التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة، تندرج تحت بند "مستخدم واحد وحسابات متعددة" اعتباراً من يناير 2018، وعدد هذه الحسابات بلغ أكثر من مليون حساب، بحسب أحد التقارير.

كل هذه المتغيرات، بداية من رفض مشاركة المستخدم إلى الحسابات المكررة، تشير إلى أن أسلوب "فيسبوك" لم يتسم بالشفافية مع المستثمرين وعملاء الإعلانات بشأن أعماله الأساسية، وفقاً لهوغن، التي تقول إن الوثائق التي قدمتها إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات والكونغرس تثبت ذلك.

اقرأ أيضاً: مُخبر يحصل على 36 مليون دولار من جهة تنظيمية أمريكية

تعليقاً على الأمر، قال جو أوزبورن، المتحدث باسم "فيسبوك": "المراهقون لا يزالون يستخدمون خدماتنا على نطاق واسع، لكننا نواجه منافسة شديدة من تطبيقات مثل (سناب شات) و (تيك توك)". وأضاف: "كل شركات وسائل التواصل الاجتماعي ترغب في استخدام المراهقين لخدماتها، ونحن لسنا مختلفين عنها، لهذا السبب نستمر في تقديم خدمات وميزات جديدة تُمتع وتساعد المراهقين وأصدقاءهم وعائلاتهم، على التواصل مع بعضهم البعض".

وأضاف أن الملفات التي قدمتها الشركة إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات، تتضمن تفاصيل حول التحديات التي تواجهها، مثل تفاعل المستخدم وتقديرات الحسابات المكررة والزائفة. كما أوضح أن "فيسبوك"، "على ثقة من أن إفصاحاتنا توفر للمستثمرين المعلومات التي يحتاجون إليها لاتخاذ قرارات مدروسة".

الإعلانات المستهدفة

يعد نمو أعداد مستخدمي "فيسبوك" والتفاعلات، أهم نقاط البيع بالنسبة إلى المستثمرين والمعلنين، فكلما زاد عدد مستخدمي الموقع زاد عدد الأشخاص الذين يمكن استهدافهم عبر الإعلانات، وكلما زاد تفاعل المستخدمين مع "فيسبوك"، زادت احتمالية رؤيتهم للإعلانات. وهذا يجعل قاعدة مستخدمي "فيسبوك" الشهرية التي تضم نحو 3 مليارات شخص -والوعد بنموها المستمر في المستقبل- محركاً رئيسياً لارتفاع سهم الشركة بنسبة 74% في العامين الماضيين.

مع ذلك، لا يمكن النظر إلى جميع المستخدمين بشكل متساوٍ، خصوصاً أن "فيسبوك" يجني أموالاً في الولايات المتحدة وكندا تعادل 13 ضعفاً تقريباً ما يجنيه في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، على سبيل المثال. بالإضافة إلى أن فئة المراهقين تعتبر مهمة أيضاً، فهي فئة عادةً ما لا تكون لها تفضيلات للعلامة التجارية على نحو مماثل لما يتبعه الكبار، كما إن فئة الشباب غالباً ما تحدد معايير ثقافية.

لهذا السبب تعتقد هوغن بأن "فيسبوك"، انتهك قوانين الأوراق المالية الأمريكية من خلال تضليل المستثمرين عن فكرة تراجع العدد الإجمالي للمستخدمين -بمن فيهم المراهقون والشباب البالغون- وانخفاض مستوى استخدامهم للموقع أيضاً.

يُظهر مخطط داخلي مدرج في الملف الذي قدمته هوغن إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات، تراجع قاعدة مستخدمي "فيسبوك" المكونة من المراهقين والشباب في الولايات المتحدة منذ عام 2012، كما تظهر البيانات الداخلية الأحدث، تراجعاً في الوقت الذي تقضيه هاتان الفئتان العمريتان والنمو المتوقع.

في رسالة وجهتها إلى الجهات التنظيمية، قالت هوغن إن هذه المعلومات من شأنها التأثير على جاذبية إعلانات "فيسبوك". وثمة رسالة أخرى وجهتها إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات، قالت فيها إن "تقييم أسهم (فيسبوك) يعتمد بالكامل تقريباً على توقعات نمو الإعلانات في المستقبل".

تدقيقات هيئة الأوراق المالية والبورصات

عادةً ما تطالب قوانين الأوراق المالية الفيدرالية الشركات بالاتسام بالصدق عند الإدلاء بأي بيانات للمساهمين، لكن الشركة المالكة لموقع "فيسبوك"، اتُهمت بالفعل بانتهاكها هذه المطالب في الأعوام الأخيرة.

في عام 2019، دفع عملاق وسائل التواصل الاجتماعي ما قيمته 100 مليون دولار لتسوية مزاعم هيئة الأوراق المالية والبورصات بأنه ضلل المستثمرين بشأن إساءة استخدام بيانات المستخدمين من قبل "كامبريدج أناليتكا" (Cambridge Analytica)، وهي شركة استشارية لعبت دوراً في الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.

اقرأ المزيد: ترمب يطلب إصدار أمر قضائي بإعادة حسابه على "تويتر"

زعمت الهيئة التنظيمية أن الإفصاحات العلنية لـ"فيسبوك" وصفت إساءة الاستخدام المحتملة لبيانات المستخدمين بأنها شيء افتراضي، بينما كانت الشركة تدرك بالفعل أن هذه المعلومات قد تم الوصول إليها بصورة غير مشروعة.

المعيار الحاسم الذي تعتمد عليه هيئة الأوراق المالية والبورصات في تحديد ما إذا كان ينبغي الإفصاح عن أمر ما، هو ما إذا كان هذا الأمر مادياً، وهذا يعني أن الشخص العاقل من المحتمل بشكل كبير أن يعتبر هذا الأمر هاماً.

في الواقع، غالباً ما تكون كيفية تطبيق الطابع المادي أمراً غامضاً، ويخلو من المبادئ التوجيهية إذ ليس هناك من أبيض أو أسود فقط على هذا الصعيد. فعلى سبيل المثال، أحياناً ما تفسر الشركات الأمور المادية باعتبارها تلك التي قد يكون لها تأثير محدد على الأرباح، مثل شيء من شأنه خفض الأرباح بنسبة 5% على الأقل، لكن هيئة الأوراق المالية والبورصات تقول إن مثل هذه التقييمات وحدها ليست كافية لتحديد ما إذا كانت البنود المادية لها صلة بالمستثمرين.

من المرجح أن تضع الإدعاءات الأخيرة للمبلغين عن المخالفات، "فيسبوك" في مواجهة مع هيئة الأوراق المالية والبورصات مرة أخرى، وستدقق الهيئة بدورها على الأرجح في البيانات العامة للشركة بشأن مشاركة المستخدمين وكيفية مقارنتها بالاتصالات الداخلية، حسبما قال جيمس كوكس، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة ديوك، والذي يركز على تنظيم الأوراق المالية.

أضاف كوكس: "إذا كنت في هيئة الأوراق المالية والبورصات، لحددت التصريحات التي أدلى بها (فيسبوك) بمرور الوقت ثم ربطها بالوثائق الصادرة عن المبلغين عن المخالفات. حينها سيكون هناك كثير من الأمور غير اللائقة".

اعتراف الشركة

اعترفت الشركة المالكة لـ"فيسبوك" بمشكلة الاحتفاظ بالمستخدمين في سن المراهقة في مؤتمر مناقشة الأرباح في عام 2013، بحسب استعراض للوثائق أجرته "بلومبرغ". وفي أكتوبر من العام ذاته، قال المدير المالي آنذاك ديفيد إبيرسمان، إن موقع "فيسبوك" لاحظ تراجعاً في الاستخدام بين "فئة المراهقين الأصغر سناً".

وأفاد إبيرسمان: "بشكل عام، كان استخدام (فيسبوك) بين المراهقين الأمريكيين مستقراً من الربع الثاني إلى الربع الثالث، لكننا شهدنا بالفعل تراجع عدد المستخدمين اليومين، خصوصاً بين فئة المراهقين الأصغر عمراً".

هذا الاعتراف أسهم في محو مكاسب سهم الشركة بعد ربع سنوي قوي، كما إنه جاء بعد أقل من عام على محاولة "فيسبوك" شراء المنافس "سناب شات" مقابل 3 مليارات دولار.

بدلاً من ذلك، يركز "فيسبوك" على النقاط الإحصائية في كل ربع سنوي، حيث تظهر هذه البيانات نمو القاعدة الإجمالية لمستخدمي خدمات الشركة.

الجدير بالذكر أيضاً، أن "فيسبوك" يعلن العدد الإجمالي "للمستخدمين النشطين شهرياً" و"المستخدمين النشطين يومياً" عبر كافة تطبيقاته، لكنه لا يعلن عن عدد المستخدمين حسب البلد أو أعمارهم.

مع ذلك، في حالات أخرى، رفض "فيسبوك" مشاركة التفاصيل المتعلقة بالمراهقين عند سؤال المحللين عنهم في مؤتمرات الإعلان عن الأرباح الفصلية.

في يوليو 2016، أي بعد وقت قصير من إنشاء "فيسبوك" فريق داخلي يركز بشكل خاص على الخدمات المتعلقة بالمراهقين، طُلب من المدير المالي، ديف وينر، مشاركة التفاصيل المتعلقة بالاتجاهات التي كان "فيسبوك" يراها مع المستخدمين الأصغر سناً.

عن ذلك، أجاب وينر قائلاً: "في ما يتعلق بالمراهقين المستخدمين الأصغر سناً، مازلنا أفضل وسيلة للوصول إلى أوسع قطاع من المراهقين وجيل الألفية حول العالم. المراهقون يستمرون في المشاركة بشكل كبير على (فيسبوك). من الواضح أن طريقة استخدامهم لخدمتنا تطورت على مر السنين. كما إنهم يستخدمون (إنستغرام) و(ماسنجر) و(واتساب) إلى جانب (فيسبوك)، لذلك، من منظور المراهقين، هذا نوع من التلوين".

الإفصاح المضلل

في رسالتها إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات، قالت هوغن إن موقع التواصل الاجتماعي يسيء توضيح نموه عن طريق عدم الإفصاح عن أن العديد من حسابات المراهقين في الواقع ما هي إلا حسابات مكررة.

على وجه العموم، كشف "فيسبوك" عن هذه الحسابات، التي تمثل نقطة إحصائية رئيسية بالنسبة إلى المستثمرين والمعلنين، لأنها قد تؤدي إلى تقديرات مبالغ فيها بشأن عدد مستخدمي الخدمة الفعلي.

تُظهر سجلات الأرباح الفصلية للشركة أن الحسابات المكررة تمثل حوالي 11% من القاعدة العالمية للمستخدمين النشطين شهرياً، لكن أحد تحليلات "فيسبوك" الداخلية وجد أن نموذج الشركة يقلل من أعداد الحسابات التي تندرج تحت مسمى "مستخدم واحد وحسابات متعددة".

هذا المقياس، ذو أهمية خاصة عندما يتعلق الأمر بإحصاءات المراهقين. فبحسب وثيقة صدرت في عام 2017، أكثر من 15% من حسابات المراهقين الجديدة تُنشأ بواسطة مستخدمين حاليين، وأكثر من نصف المراهقين الذين ينشئون حسابات إضافية غير نشطين في الحسابات المتعددة. هذا على عكس ما يسمى بحسابات "فينستا" (Finsta) على "إنستغرام"، والتي غالباً ما ينشئها الشباب للتواصل بشكل خاص مع دائرة أصغر من الأصدقاء. وتشير وثيقة 2017 أيضاً إلى أن حسابات "فيسبوك" المعروفة باسم "مستخدم واحد وحسابات متعددة" تشبه عمليات إعادة تعيين الحساب بدلاً من اعتبارها حسابات منفصلة.

تعتقد هوغن بأن حسابات "فيسبوك" المكررة تؤدي إلى "احتيال واسع النطاق" ضد المعلنين، الذين يدفعون لموقع التواصل الاجتماعي لاستهداف جماهير محددة بوتيرة معينة من خلال حملاتهم الإعلانية. وتقول أيضاً إن الحسابات المكررة تزيد من مخاطر تلقي شخص واحد بالفعل للإعلانات الموجهة لحسابات مختلفة، وتحمل المعلنين رسوماً زائدة نتيجة لذلك.

وجد تحليل أجري في عام 2018 للحسابات المكررة بناء على الوثائق الداخلية، أن غالبية ما يسمى بالحملات الإعلانية للوصول والتكرار التي تتم عبر استهداف جمهور واسع النطاق، ستشهد انخفاضاً في أعداد مشاهديها بنسبة بين 5% إلى 8% عند احتساب ما يُعرف باسم "مستخدم واحد وحسابات متعددة"، وهو تأثير وصفه التقرير بأنه "محدود".

تعليقاً على الأمر، قال المتحدث باسم الشركة إن "فيسبوك" يكشف عن وصول بعض الإعلانات إلى حسابات مكررة في "مركز المساعدة" التابع للشركة.

في الواقع، كانت الحسابات المكررة، والحجم الحقيقي لقاعدة مستخدمي "فيسبوك"، موضوع دعوى قضائية ضد الشركة. ففي دعوى قضائية قدمت هذا العام أمام محكمة سان فرانسيسكو الفيدرالية، زعم المعلنون أن "فيسبوك" تبالغ في عدد مستخدمي المنصة الذين يمكن استهدافهم، ويرجع ذلك جزئياً إلى الحسابات المكررة، ما أدى إلى زيادة الرسوم المدفوعة نظير الإعلانات.

فريق المراهقين

مع تراجع استخدام المراهقين في الولايات المتحدة في أوائل عام 2016، أنشأ "فيسبوك" فريقاً داخلياً أطلق عليه اسم "فريق المراهقين" من أجل بناء خدمات تركز على الشباب.

في البداية، كان فريق العمل صغير الحجم، حيث كان يضم ستة أشخاص تقريباً، لكنه وصل في النهاية إلى 100 شخص تقريباً بحلول أواخر عام 2017. واستطاع هذا الفريق إنشاء ميزات عديدة تستهدف المراهقين، مثل تطبيق فيديو يسمى "لايف ستيدج" (Lifestage) لمن تقل أعمارهم عن 21 عاماً، فضلاً عن قيادة جهود الفيديو لإغراء صغار المبدعين في المناطق الدولية، مثل الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. ثم أطلق الفريق، الذي عُرف في النهاية باسم "فريق الشباب"، تطبيق الدردشة "ماسنجر كيدز" المصمم خصيصاً لأطفال المدارس الابتدائية.

بالإضافة إلى ذلك، ساهم أعضاء الفريق في تقرير قُدم للرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ في يوليو 2016، يوضح أن "فيسبوك" بإمكانه شراء تطبيق "ميوزيكال" (Musical.ly)، وهو تطبيق مشاركة مقاطع الفيديو الذي أصبح فيما بعد "تيك توك"، بحسب موظفين سابقين.

توضح الوثائق كيف يمكن أن يكون "فيسبوك" تفهم سبل استرجاع أمجاد التطبيق بين أوساط الشباب، فضلاً عن إجراء أبحاث مكثفة حول عاداتهم وتصوراتهم عن الشركة وإجراء عصف ذهني لتعزيز مشاركة هذه الفئة العمرية. كما أظهر تقرير بحثي استعرضته "بلومبرغ" أن "فيسبوك" اختبر ميزات مختلفة للمراسلة، مثل الرموز التعبيرية وفلاتر الوجه، مع أطفال لا تتجاوز أعمارهم الـ6 أعوام.

كان مايكل سايمان، الذي عمل في "فريق المراهقين" بعد انضمامه إلى "فيسبوك" عندما كان عمره 18 عاماً، يستعرض على المستوى الداخلي للشركة الموضوعات المتعلقة بالمراهقين للموظفين الآخرين المهتمين بوجهة نظر الشباب. عن ذلك، قال سايمان، الذي كتب من ذلك الحين كتاباً يتضمن تجاربه في "فيسبوك"، إن "الشركة بأكملها كانت تحاول فقط فهم جيل لم يكونوا جزءاً منه".

تراجع مستمر

على الرغم من هذه الجهود، لا يزال "فيسبوك" يبذل أقصى ما بوسعه لجذب المراهقين والشباب إلى تطبيقه الرئيسي، حيث تُظهر البيانات الداخلية لعام 2021 تقلص المدة الزمنية التي يقضيها المستخدمون ضمن هاتين الفئتين العمريتين في استخدام التطبيق أو إنشاء محتوى أو الرسائل المرسلة والمحفوظة، وكذلك انخفاض أعداد المستخدمين الجدد الذين يحتفظون بحساباتهم بعد 90 يوماً من إنشائها.

هناك أيضاً جدول أدرج ضمن تقرير "الشباب والمراهقين" المعد خصيصاً لصالح مدير المنتجات بالشركة كوكس في مارس الماضي، وحدد بدوره هذه الفئات الأربع على أنها إما "مقلقة" أو "مثيرة للمشاكل".

في البحث الذي أجرته الشركة، تبيّن أن جزءاً من المشكلة هو أن "فيسبوك" لا يوضح أسباب استخدام الشباب للمنصة.

ثمة دراسة حديثة أيضاً سأل خلالها "فيسبوك" الشباب عن التطبيقات التي يستخدمونها في 12 نشاطاً مختلفاً مثل الفيديو والتجارة والأخبار والترفيه، ليجد في النهاية أن "فيسبوك" كان الخيار الأفضل، لكن في فئة واحدة فقط، حيث قال المشاركون إن "فيسبوك" مفيد في "الحصول على المعلومات المحلية أو التواصل مع الأشخاص في منطقتك".

وجاء في التقرير ذاته: "بشكل عام، ليست هناك ركيزة ذات قيمة قوية لـ(فيسبوك) بين فئة الشباب البالغين".

كما يُظهر تقرير آخر أن الشباب ينظرون إلى "المحتوى المقدم عبر (فيسبوك) باعتباره سلبياً ومزيفاً ومضللاً"، في وقت يرغبون فيه في الشعور بـ"الارتقاء والتحفيز" من خلال هذا المحتوى الذي يشاهدونه.

منذ نحو عقد من الزمان، تصدى "فيسبوك" للضعف النسبي لشعبية شبكته الاجتماعية الأساسية بين المراهقين من خلال الاعتماد على "إنستغرام"، وهو تطبيق مشاركة الصور ومقاطع الفيديو الذي اشتراه مقابل مليار دولار في عام 2012. وعندما يتعلق الأمر بجذب المراهقين، فإن "إنستغرام" هو التطبيق الأساسي الذي تعتمد عليه الشركة لإتمام هذه المهمة -وفقاً للوثائق- والهدف من ذلك هو توجيه هؤلاء المراهقون إلى تطبيق "فيسبوك" الرئيسي بمجرد أن يصبحوا بالغين.

لكن في الأعوام الأخيرة، بدأت عملية الانتقال نحو تطبيق "فيسبوك" في التباطؤ. ورغم أن إجمالي قاعدة مستخدمي إنستغرام "مشبعة" في الأسواق الخمسة الأولى للشركة، وهو ما يعني وصول التطبيق إلى الغالبية العظمى من المستخدمين المحتملين، إلا أن الوقت الذي يقضيه المستخدمون على كافة تطبيقات الشركة انخفض مقارنة بالعام السابق، بحسب تقرير صدر في مارس 2021. وهذا يتضمن تراجعاً بنسبة 5% في الولايات المتحدة وبنسبة 8% في اليابان، وهما أكبر سوقين من حيث عدد المستخدمين.

كذلك، تراجع معدل إنشاء المحتوى أيضاً بين المراهقين على تطبيق "إنستغرام" في كافة الأسواق الخمسة للشركة، وانخفضت الرسائل في الأسواق الثلاثة التي تمتلك الشركة بيانات عنها، وهي الولايات المتحدة واليابان وأستراليا. كما إن المخطط يُصنف الوقت المستغرق وإنشاء المحتوى على أنه أمر "إشكالي" بالنسبة إلى البلدان الخمسة كافة.

تأثير "تيك توك"

الجدير بالذكر أيضاً، أن "فيسبوك" يواجه منافسة قوية بشكل متزايد من تطبيقات أخرى عديدة تركز على المراهقين. فقد وجد تقرير داخلي صدر في مارس 2021 أن المستخدمين يقضون على تطبيق "تيك توك" التابع لشركة "بايت دانس" أكثر من ضعف الوقت الذي يقضونه على "فيسبوك"، فضلاً عن أنه وجد أن المراهقين يقضون وقتاً أكثر بضعفين أو ثلاثة أضعاف على "تيك توك" مقارنة بـ"إنستغرام"، رغم تزويد "إنستغرام" مؤخراً بميزة "ريلز" (Reels) ليشبه "تيك توك".

كذلك، تُظهر بيانات أخرى صادرة في مايو 2021 أن "فيسبوك" يعاني نمواً أبطأ في عدد المستخدمين، الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً، مقارنة بـ"رديت" و"تيك توك" و"تويتر" و"ديسكورد" و"سناب شات" التابع لشركة "سناب".

مما لا شك فيه أن "إنستغرام" يظل أفضل رهانات "فيسبوك" لجذب المراهقين، ومحور استراتيجيته لجذب الموجة التالية من مستخدمي الإنترنت. ومن هذا المنطلق، توصلت إحدى الدراسات الداخلية إلى أن المراهقين بإمكانهم "تشكيل تصور الأسرة عن إنستغرام" بناء على طريقة استخدامهم للتطبيق والتحدث عنه، ما يعني أن المستخدمين المراهقين قد يكونون وسيلة قيمة لجذب أشقائهم وآبائهم للانضمام إلى وسيلة التواصل الاجتماعي.

مع ذلك، فإن هذا التأثير العائلي قد تكون له آثار متناقضة. فقد أوضح تقرير داخلي أن "المراهقين يتأثرون بشدة بما يتعلمونه قبل سن المراهقة عمّا يجب مشاركته على (إنستغرام) وعدد المشاركات"، وأضاف أن المراهقين بإمكانهم تثبيط أشقائهم عن المشاركة بسبب "طابع الاستمرارية" أو فكرة "التصرف بعفوية أو بشكل حقيقي ليس لها مكان على (إنستغرام)".

تابع التقرير: "إذا استمر هذا على نطاق واسع، فيمكن أن يسهم المراهقون في خلق حواجز بين الأجيال القادمة وبين المشاركة على موقع التواصل الاجتماعي".