داخل الـ"الميتافيرس".. حيث تتصادم الألعاب والعملات المشفرة والرأسمالية

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من أجل أن نفهم سبب اعتقاد مارك زوكربيرغ بأنَّ الـ"ميتافيرس" يشكل الجبهة التالية، دعونا ننظر إلى حالة سام بيوريفوي كمثال لذلك. لقد ترك الكيميائي الحاصل على درجة الدكتوراة من جامعة كولومبيا، وظيفته في بنك "غولدمان ساكس" في ذروة الوباء، وهو الآن يسعى إلى تحقيق ثروته من العملات المشفَّرة، عبر ممارسة ألعاب الفيديو.

جنَّدَ سام، البالغ من العمر 27 عاماً، عشرات الأشخاص، من المكسيك إلى الفلبين، في "نقابة" تلعب تحت قيادة "الكابتن" بيوريفوي. في هذه اللعبة المسماة "أكسي إنفينيتي" (Axie Infinity)، يقوم المشترك بدفع ما يلزم من المال للاشتراك في اللعبة، إذ يصبح قادراً على جمع عملة رقمية يمكن تحويلها إلى أموال حقيقية، تعرف باسم "سموث لاف بوشن" (Smooth Love Potion)، ويشار إليها اختصاراً بـ(SLP).

اقرأ أيضاً: هل سنشهد "ميتافيرس" حقاً.. أم الأمر مجرد خيال؟

سيكون الـ"ميتافيرس" الذي يحلم به زوكربيرغ، هو ذلك المكان الذي يتصل فيه الجميع بالواقع الافتراضي، ويتسنى لهم الانتقال الفضائي، وجعل الأمور تحدث بمجرد التفكير فيها، بل وتخطي حدود العالم المادي بفاعلية إلى عالم رقمي جسور جديد. ومع ذلك، يقرّ الملياردير الأمريكي بأنَّ تلك الرؤية ما تزال حلماً "بعيد المنال".

لكن ما يفعله بيوريفوي ونقابته الآن على "أكسي"، يعطي لمحة مبكرة عن هذا المستقبل. فالأمر لا يشبه مغامرة الخيال العلمي البائسة في فيلم "ريدي بلاير وان" (Ready Player One) من إخراج ستيفن سبيلبرغ، والمأخوذة عن رواية إرنست كلاين التي تحمل الاسم ذاته، كما لا يشبه حتى رواية "سنو كراش" (Snow Crash)، من تأليف نيل ستيفنسون عام 1992، والتي استحدثت مصطلح الـ"ميتافيرس" (metaverse) بالأساس. بدلاً عن ذلك، سيشكل الـ"ميتافيرس" ساحة عبر الإنترنت، إذ يسود "التمويل اللامركزي"، أو (DeFi) (decentralized finance)، وتندمج عبرها العملات المشفَّرة، وتقنية "بلوكتشين"، والعملات غير القابلة للاستبدال، وألعاب الفيديو معاً.

اقرأ المزيد: "فيسبوك" تغير اسمها إلى "ميتا" للتركيز على الواقع الافتراضي

إنَّه عالم محفوف بالمخاطر، وهو بعيد كل البعد عن سلوك الإيثار أو التفضيل. فهناك خلاف عميق بين المستثمرين والمصرفيين حول كيفية تقدير العملات المشفرة في النهاية، لكن ما يعرفونه بالتأكيد هو أنَّ أسعارها كانت متقلبة للغاية. وفي حين تحظى عملات مثل "بتكوين"، و"إيثريوم" وغيرها بمزيد من القبول في وول ستريت، إلا أنَّ السوق الأوسع مأهولة بعدد متزايد باستمرار من عملات الميم الجديدة غير المجربة، وبعضها مريب للغاية، بحيث بات يُعرف حرفياً بالعملات عديمة القيمة (Shitcoins).

اقرأ أيضاً: وول ستريت تعرض علاوات كبيرة لتوظيف حشد من خبراء العملات المشفرة

في ظل الأعطال الفنية، والتحولات المفاجئة في الأسعار، ليس هناك ما يضمن إمكانية تحويل هذه العملات إلى نقود فعلياً. أيضاً، في عالم التشفير، يُنظر إلى تعرّض مالكي تلك العملات للاحتيال في مرحلة ما على أنَّه أحد طقوس المرور. قد يكون ذلك مناسباً بالنسبة إلى المستثمرين الأثرياء الذين يمكنهم تحمل المخاطر، لكنَّه قد يترك المشاركين في السوق، مع المستثمرين من الدول النامية، في حالة خطر.

ازدهار "أكسي إنفينيتي"

لقد سجلت "أكسي" -التي تحتل الصدارة في تيار تقنية "غيم فاي" (GameFi) القائمة على اللعب من أجل الربح- حجم تداول تجاوز 2.5 مليار دولار. كما يكتسب العديد من المنافسين الآخرين، الذين يطرحون ألعاباً تجذب اللاعبين بوعدهم بالعملات المشفَّرة، شعبية مماثلة، الأمر الذي يجعل أصحاب رأس المال الاستثماري و صناديق التحوط، يحاولون جني الأموال في خضم تلك الموجة من التهافت على الأرباح الضخمة عبر الإنترنت، إذ يتوقَّعون ارتكاب مليارات الأشخاص لأفعال السرقة أو التخريب أو إطلاق النار، أو حتى القتل على أمل الفوز بتلك العملات الرقمية.

بالنظر إلى "أكسي"، فهي لا تستحق ذلك الاهتمام البالغ الذي تحظى به مقارنةً بالعديد من الألعاب الواقعية المذهلة الموجودة في السوق ذاتها. فهذه اللعبة الافتراضية تتمحور حول شخصيات تشبه "البوكيمون"، تقاتل وتتكاثر في لعبة استراتيجية بسيطة. غير أنَّ ما يميزها، هو حقيقة أنَّها، وبصرف النظر عن ربح النجوم أو القلوب، أو قطع الحلوى المكسرة للفوز بهذه اللعبة، تتيح للاعبين الحصول على شيء أكثر قيمة -على الأقل من الناحية النظرية- ألا وهي عملة "SLP".

اقرأ المزيد: ملياردير أمريكي: هوس العملات المشفرة "دعوة جهادية" ضد الدولار

لقد غيرت القدرة على كسب الأموال من خلال ممارسة لعبة ما حياة بعض اللاعبين، وغالبيتهم في الفلبين، والتي شهدت زيادة كبيرة في شعبية اللعبة، بعد أن أدى الوباء إلى منع الكثيرين عن العمل. كما أنَّ الدولارات -بالإضافة إلى العملات الرقمية- تفي بالحاجة، على الأقل عندما ترتفع أسعارها.

اللعب للتكسّب

من المستحيل تحديد عدد اللاعبين بغرض التكسب بالضبط. لكن كل المؤشرات تشير إلى ارتفاع أعدادهم. فمثلاً، يقيس أحد المؤشرات العلاقة بين الألعاب والمحافظ الرقمية، وهي تلك الحسابات التي يستخدمها الأشخاص لتلقي العملات المشفَّرة وادخارها. فاعتباراً من مارس الماضي، تم ربط حوالي 51 ألف محفظة نشطة يومياً بالعقود المتعلقة بالألعاب في نظام "بلوكتشين" البيئي، وفقاً لشركة "دابرادار" (DappRadar) التي تتعقب البيانات المتعلقة بالتمويل اللامركزي. وبعد ثلاثة أشهر، ارتفع هذا الرقم إلى 359 ألفاً و284 محفظة- بزيادة قدرها 599%.

اقرأ أيضاً: "نتفلكس" عملاقة البث الرقمي تدخل عالم ألعاب الفيديو

إلى ذلك، تُظهر ألعاب مثل "أكسي" سبب انجذاب عمالقة التكنولوجيا إلى الـ"ميتافيرس"، إذ يتمتع المفهوم وإمكاناته بالقدرة على تغيير طريقة عملنا، وكسبنا للمال، وإنفاقنا إياه، وكذلك الطرق الأساسية التي نعيش بها، ونخطط وندير حياتنا وفقاً لها. وفي جوهر الأمر، يعِد عمالقة التكنولوجيا بتغيير الطريقة التي تعمل بها الرأسمالية.

كتبت أريانا سيمبسون، الشريك العام في شركة رأس المال الاستثماري "أندريسن هوروويتز" (Andreessen Horowitz)، التي استثمرت في استوديو "سكاي مافيس" (Sky Mavis)، المطور الفيتنامي للعبة "أكسي": "تجسّد (أكسي) جيلاً جديداً من الألعاب، إذ لا يعمل مبتكروها من مكان مخيف، بل كاقتصاد سوق حرة ومنفتحة. الأمر الذي ينطوي على تغيير ضخم بالنسبة إلى مستقبل الألعاب، وشبكة الإنترنت كما نعرفها بالفعل، بقدر ما يمكن لمخيلتك استيعابه".

إنَّ ما تلمّح إليه سيمبسون، يتجاوز مجرد حقيقة أنَّ لاعبي "أكسي" يمكنهم ربح العملات المشفَّرة، إذ تستعرض اللعبة الشهيرة كيفية عمل إحدى الركائز الأساسية لـ"ميتافيرس"، ألا وهي العملات غير القابلة للاستبدال، ولماذا قد يرغب أي شخص في الحصول على إحداها.

تعد العملات غير القابلة للاستبدال بمثابة شهادات رقمية، تساعد في إثبات الملكية لأشياء في عالم الإنترنت. وقد تم بيع بعضها بملايين الدولارات، لكن معظمها ليس له قيمة اقتصادية واضحة، ولا يتطلب أسعاراً مرتفعة. في الآونة الأخيرة، تم بيع واحدة من تلك العملات بأكثر من 500 مليون دولار، والتي تبيّن لاحقاً أنَّه لم يتم بيعها على الإطلاق. ومنطقياً، ما يزال معظم الأمريكيين في حيرة من أمرهم بشأن كل ذلك.

مجموعة العملات غير القابلة للاستبدال

برغم بدائية المفهوم، يجب على اللاعبين في جانب "أكسي" من الـ"ميتافيرس"، شراء عملات غير قابلة للاستبدال -وحوش "بلوبي" (blobby) التي تسمى "أكسي"- قبل أن يتمكّنوا من اللعب. ويتطلب الأمر مبلغاً يتم دفعه مسبقاً لا يقل عن ثلاث عملات "أكسي"، يبلغ سعر الواحدة منها 300 دولار، يتم دفع ثمنها بعملة "إيثريوم"، وهي العملة الرقمية الثانية بعد "بتكوين". بعبارة أخرى، يتطلب الأمر ما يقرب من ألف دولار لبدء اللعب، مع عدم وجود ضمانات للنجاح.

النتيجة: أصبحت "أكسي" المجموعة الأغلى بين العملات غير القابلة للاستبدال حول العالم حتى الآن.

وعليه، تجد الأرقام مثل تلك، آذاناً صاغية لدى الأثرياء. في مايو الماضي، استثمر رجل الأعمال الأمريكي، مارك كوبان، وأليكسيس أوهانيان، الشريك المؤسس لمجتمع "ريديت" الإخباري، في استوديو "سكاي مافيس". كما أطلق جاستن صن، الرئيس التنفيذي لشركة "بت تورنت" (BitTorrent)، ومؤسس "ترون فاونديشن" (TRON Foundation)، صندوقاً بقيمة 300 مليون دولار يركز على اللعب من أجل الربح و"غيم فاي". كما قادت "أندريسن هوروويتز"، التي تقدر قيمة "سكاي مافيس" بمبلغ 3 مليارات دولار، مؤخراً، جولة تمويل ثانية بلغت حوالي 150 مليون دولار.

قيمة متزايدة مع الوقت

إنَّ ما يميز العملات غير القابلة للاستبدال في مجتمع "غيم فاي" هو كونها ليست مجرد ملفات رقمية نمعن النظر إليها، بل تقوم تلك العملات بإنجاز الصفقات والتفاعل مع العملات الأخرى المماثلة، ويمكن أن تزداد قيمتها بمرور الوقت. إليك كيفية حدوث ذلك:

تخيل أن تكون قادراً على كسب المال من خلال لعب "ماريو كارت" (Mario Kart) التي لا تعرف الكلل، وهي إحدى منتجات "نينتيندو" (Nintendo) المبنية على لعبة "سوبر ماريو" (Super Mario) من حقبة ما قبل الإنترنت. لن تحتاج إلى إتقان اللعبة، ولن تضطر إلى اللعب على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. لأنَّه، في هذه التجربة الذهنية، يتسنى لك أن تكون "ماريو" قدر ما تشاء، وذلك لأنَّك تملكه.

اقرأ المزيد: الإنفاق على ألعاب الفيديو يسجل مستوى قياسياً في أغسطس

وبما أنَّ "ماريو" الخاص بك هو محض عملة غير قابلة للاستبدال، فمن المستحيل استنساخه. فأنت، وأنت وحدك، تملكه. ومن ثم؛ فإنَّ سيارة السباق الصغيرة الخاصة بك هي دائماً أفضل وأسرع من تلك التي تقودها الوجوه المألوفة الأخرى في مملكة الفطر مثل "لويجي"، وشخصيات الـ"تود"، والأميرة "بيتش". لذا انطلق، واكسب العملة الرقمية للمملكة. دعنا نطلق عليها "عملات ماريو" (Mariocoins).

بالنظر إلى اقتصاديات السوق، قد تضطر إلى دفع المزيد في مقابل عملات "ماريو" غير القابلة للاستبدال مقارنةً بنظيراتها من عملات الأميرة "بيتش" على سبيل المثال. لكن بعد ذلك ستربح المزيد أيضاً، لأنَّه، هنا في مملكة الفطر، "ماريو" هو اللاعب الأسرع. عندما تخرج من اللعبة، وتعود إلى وظيفتك اليومية، فأنت ما تزال تملك "ماريو". وعندما تبدأ اللعب مرة أخرى، سيكون بانتظارك لجني "عملات ماريو" لحسابك.

يمكنك بيع "ماريو" إلى لاعب آخر إن أردت. ولو أنَّك لعبت "ماريو" بشكل صحيح، فقد تكون قيمته الآن أكبر مما كانت عليه عندما اشتريته. وربما تظهر كيف يمكن أن يكون "ماريو" مربحاً. أو ربما يريد المزيد من الناس لعب "ماريو كارت". وقد تكون قيمة "عملات ماريو" قد ارتفعت، لأنَّ الجميع يتحدث عنها على وسائل التواصل الاجتماعي.

هذا، باختصار كبير، هو ما يحاول دعاة "غيم فاي" تأسيسه.

قال ألكسندر ليونارد لارسن، المؤسس المشارك في "أكسي": "يمكن للاعبين بالفعل امتلاك عناصر اللعبة، ويمكنهم أن يروا أنَّها نادرة. وهذا أكثر واقعية مما لو رأيت شخصاً يرتدي حقيبة من "لوي فيتون" في الشارع. فليس لديك أي فكرة حرفياً عمّا إذا كان هذا الشيء حقيقياً أم لا. وهذا الشك الذي تشعر به مناسب جداً لعالم اليوم، لأنَّ كل شيء مزيف للغاية. لكن ما تجلبه تقنية "بلوكتشين" هو الثقة. وهو ما يمتد إلى الأصول الرقمية بعد ذلك".

تحول الألعاب

على مدى سنوات، دفع لاعبون مثل بيوريفوي إلى أباطرة صناعة تبلغ قيمتها 175 مليار دولار- "سوني" (Sony)، و" نينتندو" (Nintendo)، و"تينسنت" (Tencent)، و"مايكروسوفت" (Microsoft)- إجلالاً للعب في الإقطاعيات الرقمية. لقد شاهدوا ثمار عملهم -تلك النجوم والقلوب المكتسبة، والمستويات التي يجتازونها- تتلاشى إلى لا شيء بمجرد انتهاء اللعبة. إنَّهم يريدون شيئاً أكثر، هو شيء أقرب إلى الرأسمالية، والذي ينطوي على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، والعمل بأجر، والتبادل الطوعي.

في هذا النظام العالمي الجديد، يشبه بيوريفوي، إلى حدٍّ ما، المصرفي. لقد أنشأ نقابته الرقمية التي بنيت حول شخصيته عبر الإنترنت، والتي تسمى حرفياً "الرأسمالي" (Das Kapitalist) بالألمانية. يلتقي أعضاء هذه النقابة على منصة "تويتش" (Twitch) المرئية، والتي تعمل كمنصة "يوتيوب" (YouTube) لألعاب الفيديو، نظراً لما تحتويه من خصائص البث المباشر والدردشة.

وكون عملات "أكسي" غير القابلة للاستبدال باهظة الثمن، يقوم بيوريفوي بتمويل "المنح الدراسية" للاعبين الراغبين في الانضمام من جميع أنحاء العالم؛ إذ يمتلك اللاعب العشريني العملات، لكن أعضاء نقابته يلعبون بها، ويكسبون المزيد من العملات المشفَّرة. ثم يقتسم "بيوريفوي" المكاسب مع فريقه.

اكتشف كارلوس إنريكي سييرا ألمراز، البالغ من العمر 24 عاماً، "أكسي" هذا الصيف. ويقول، إنَّه ترك كلية الطب على أمل أن يصبح ثرياً من خلال عالم "غيم فاي" أيضاً.

ألمراز، الذي اختار اسم "ستيل فالكيريز" ليعرِّف عن نفسه فى "أكسي"، يتقدَّم بالفعل في اقتصادها. لقد تحوَّل من "باحث" من ذوي الياقات الزرقاء إلى "مشرف" من ذوي الياقات البيضاء. وبالإضافة إلى اللعب لساعات عدة في اليوم؛ فإنَّه يتولى أيضاً مهاماً إدارية مختلفة.

"الكابتن" هو من الرأسماليين لدى "أكسي"، و يتسمون بالسخاء، إذ يقتسم الأرباح مناصفةً مع أعضاء نقابته. وبحسب ألمراز، فإنَّه يشاع أن الرعاة الجشعين يلقون الفتات للباحثين بنسبة ضئيلة تبلغ 10% من الأرباح فقط. ويقدّر اللاعب الشاب أنَّه جمع 700 دولار (حقيقية) في سبتمبر -وهذا يعتبر مبلغاً ضخماً في مدينة سيوداد ديل كارمن المكسيكية، وبما يتجاوز دخل والديه مجتمعين. وبرغم عدم تخطيهما قراره بترك كلية الطب بعد، إلا أنَّهما، كما يقول، لا يمكنهما المجادلة بشأن المال.

خلال البث المباشر لـ"الرأسمالي" ليلة الخميس الماضية، قام "الكابتن" بيوريفوي بحشد الطاقم. فأحد أعضاء النقابة، المعروف باسم "فوردكس"، على وشك إنجاب طفل.

صاح بيوريفوي: "إنَّه أمر رائع للغاية يا صاحبي! هذا هو الطفل الأول في مجتمعنا!"

لاحقاً، مع بداية ليلة الأحد، وفي تمام الساعة التاسعة، يعود "الكابتن" للاجتماع بطاقمه ليذكر أنَّ مؤسس لعبة تشفير أخرى قام مؤخراً بالتغريد بأنَّ لعبة "أكسي" تشبه مخطط بونزي للاحتيال قليلاً، وهو أمر تساءل عنه محبو اللعبة أنفسهم أيضاً. (لم يتم اتهام "أكسي" بارتكاب مخالفات).

وعلق ستيل فالكيريز قائلاً: "أوه، إنَّها الدراما".

آمال جيل الشباب

على أي حال، لا يبدو أنَّ أحداً يهتم لذلك. فقد قال أحد أعضاء النقابة الآخرين: "أجني أموالاً أكثر مما يفعل والدي، والذي كان يعتقد بأنني أسرق، أو أمارس نوعاً من أنواع الاحتيال".

ثم يضحك بيوريفوي: "يا صديقي. إنَّه أمر مضحك". وتتحوّل المحادثة إلى توقُّعات الوالدين، والوظائف التي لا مستقبل لها، وتفاهة الحياة في العالم الحقيقي -نظرة عشرينية عبر الـ"ميتافيرس" أدت فيها آمال جيل كامل إلى ذلك، بالإضافة إلى بث مباشر على "تويتش" حول لعبة مقابل أجر- إذ يمكن للمتسرب من كلية الطب أن يكسب القليل من عملات "SLP".

يقول بيوريفوي: "الأمر وما فيه، بصراحة، كيف يفيدك العمل في (ماكدونالدز)، بجدية شديدة؟ مثلاً، ما هي المهارة التي تضمنها في سيرتك الذاتية إذا كنت حرفياً تعمل في (ماكدونالدز) بدلاً من ممارسة الألعاب؟".

تعتبر "أكسي" مجرد مملكة واحدة في عالم تشفير الـ"ميتافيرس" المتنامي. هناك أيضاً "كريبتوبلايدز" (CryptoBlades)، وهي "أرض وسطى" افتراضية، إذ يربح اللاعبون عملات المهارة عن طريق قتل الوحوش. وكذلك "زد رن" (ZED RUN)، حيث يمتلك اللاعبون، ويربون خيولاً أصيلة رقمية، ويتسابقون بها. في حين تعِدُ "إلوفيوم" (Illuvium) "برحلة عبر مناظر طبيعية شاسعة ومتنوعة، في إطار سعي اللاعبين لأسر المخلوقات الشبيهة بالآلهة".

العملات المشفرة

سعيا من "أكسي" لاجتذاب لاعبيها، تم إطلاق "أكسي إنفينيتي شاردز" (Axie Infinity Shards) -وهي عملة مشفَّرة أخرى في اللعبة، يشار إليها اختصاراً بـ(AXS)- التي ارتفعت قيمتها من 3.22 دولاراً في يونيو، إلى حوالي 150 دولاراً في الوقت الحالي، وذلك حتى في ظل فقدان بعض العملات المشفَّرة الأكثر شيوعاً لقيمتها.

لم يغب هذا الارتفاع في الأسعار عن اللاعبين، لا سيما في الدول النامية، إذ نجد غرف الدردشة مليئة بقصص حول كيفية مساعدة "أكسي" لشخص ما خلال الوباء، أو حتى كسب ما يكفي من المال لشراء منزل.

في الفلبين، حيث انتشرت "أكسي"، اتجه ريد بانتيلو إلى اللعبة الافتراضية بعد أن فقد وظيفته كمدرب لياقة بدنية. وكانت زوجته قد تركت وظيفتها كممرضة لعدم شعورها بالأمان، وهي الآن تلعب "أكسي" أيضاً.

قام بانتيلو، البالغ من العمر 34 عاماً، باستثمار أولي صغير عبر ادخار 130 ألف عملة من عملات "أكسي". وبالفعل، تمكَّن من الاشتراك في خدمات التأمين الصحي، ويأمل في توفير ما يكفي لتجديد منزله في محافظة بولاكان شمال العاصمة مانيلا مباشرة. كما يقوم برعاية 28 باحثاً تحت قيادته.

ليان ديوسو، التي حصلت على منحة دراسية من "الكابتن"، وتلعب خارج مقاطعة لاغونا في الفلبين، لديها الحلم ذاته.

تقول: "أريد أن أكون نعمة للآخرين".

سيخبرك دعاة التشفير أنَّ البركات ستتنزل على المؤمنين به. يقول شريانش سينغ، مدير العملات المشفَّرة غير القابلة للاستبدال والألعاب في موقع "بوليغون" (Polygon)، إنَّ استوديوهات الألعاب الكبرى تراقب. ويتوقَّع أن يكون التحوّل إلى اللعب من أجل الربح بطيئاً وصعباً، لكنَّه يقول، إنَّه يبدو "حتمياً".

يعلّق سينغ على أباطرة الألعاب بالقول: "لا يمكنهم التخلي عمّا يعرفونه، والقفز على متن سفينة جديدة تماماً. إنَّهم لا يريدون إثارة استياء المستخدمين".

مع كل ذلك، تلوح في الأفق عقبات لا حصر لها. فوفقاً لـ"توماس أولسن"، الشريك في شركة "باين آند كو" (Bain & Co)، يحاول مطورو الألعاب إدخال قدرات "اعرف عميلك" المشابهة لتلك التي يستخدمها البنك لاكتشاف الأموال غير المشروعة.

يتنبأ أولسن قائلاً: "بعد عشر أو عشرين أو ثلاثين سنة في المستقبل، سيتم تحويل جميع الأصول إلى عملات مشفَّرة. كل الأسهم، وكل السندات ستكون على منصة أصول رقمية يجري بناؤها من خلال تجربة التشفير اليوم".

العملات الافتراضية

يخوض نيك نيوبر جزءاً من التجربة الآن، إذ تقوم شركته بطرح لعبة تسمى "كريبتو رايدرز" (Crypto Raiders)، والتي يطلق عليها "وورلد أوف وركرافت" (World of Warcraft ) للعملات غير القابلة للاستبدال. لدى نيوبر فريق قوامه نحو 10 أشخاص، وحوالي 1800 لاعب. لقد باعوا في البداية العملات مقابل 45 دولاراً لكل طلقة بندقية. في غضون ثلاثة أشهر، كانت تلك الرموز تجلب 680 دولاراً.

نيوبر، البالغ من العمر 31 عاماً، يشغل منصب "مسؤول النمو" في الشركة. ولكن هل يمكن أن يفضي النمو الجامح إلى مشكلات في العوالم الافتراضية، كما هو الحال بالنسبة إلى العالم الحقيقي؟ الاقتصاد المنظّم في عالم "ساكند لايف" (Second Life) عبر الإنترنت الذي تمَّ ابتكاره منذ عام 2003 قبل استحداث العملات المشفَّرة، تمَّ تصميمه في الغالب من أجل المتعة وليس الربح. وتتخذ اللعبة الافتراضية من "الليندن دولار" (Linden dollar) عملة افتراضية، وهي مستقرة للغاية مقارنة بالصعود والهبوط الهائل في عالم التشفير.

يقول نيوبر: "التحدي الحقيقي هو ابتكار لعبة متوازنة"، إذ يمكن أن يؤدي وجود الكثير من اللاعبين الذين يجنون الكثير من الأموال الرقمية إلى تدمير اقتصاد اللعبة بشكل فعَّال. ماذا يحدث إذا أراد الملايين لعب "أكسي" غداً -أو إذا؛ لأي سبب من الأسباب، انهارت عملة "SLP"، التي كان اللاعبون يطاردونها لساعات وأيام وأسابيع وشهور، فجأة؟

في هذا السيناريو، تبدأ مشكلات العالم الافتراضي للاعبين في الظهور بسرعة كبيرة. يقول نيوبر، إنَّه يجب إدارة اقتصادات الـ"ميتافيرس" المستقبلية تماماً مثل اقتصادنا الحقيقي. ويتوقَّع أنَّه "سيتم توظيف الأشخاص الحاصلين على درجات علمية في الاقتصاد، في ألعاب العملات غير القابلة للاستبدال".