كيف يغسل المجرمون أموالهم القذرة؟.. إليك أشهر الأساليب

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لنفترض أنَّّك مجرم تملك الملايين من الدولارات التي حصلت عليها بطرقٍ غير مشروعة، ولكن هناك مشكلة كبيرة؛ إذا حاولت أن تنقل هذه الأموال كما هي، أو أن تحملها في حقائب؛ فلا بد أنك ستثير الشكوك، لذلك فأنت تحتاج إلى "غسلها"، أي أن تجعل النقود غير المشروعة تبدو كأنها جزء من عائدات شركة رسمية، ثم يمكنك إنفاقها في أيِّ مكان في العالم – لشراء العقارات أو اليخوت الفاخرة مثلاً – ولن تُثير أيَّ شبهات.

ولدى معظم الدول، وجميع مصارف العالم الكبرى إجراءات لرصد الأموال المشبوهة، التي تمرُّ عبر نظامها المالي، غير أنَ فضيحة ترويكا لوندرومات (Troika Laundromat)، والتحقيقات التي أرهقت البنوك الأوروبية، تُظهِر أن بعضاً من أصحاب النوايا السيئة قد وجدوا حلولاً مبتكرة للتستر على أفعالهم من القانون.

التخفي خلف شركات وهمية

من الواضح أنَّ التخفي خلف واجهة الشركات الوهمية غير المعروفة التي توجد على الورق، وليست لها أيَّة عمليات تجارية نشِطة، هي طريقة سهلة ورخيصة وفعَّالة في إخفاء الملكية، بل وأساسية فيما يسميه الخبراء "مرحلة التمويه" ضمن عملية غسل الأموال، إذ يجري تحويل الأموال إلى أكثر من بنك عدة مرات كي يصعب تتبعها.

وتوجد الشركات المزيَّفة فيما يُسمَّى بالملاذات أو الملاجئ الضريبية، مثل سويسرا وجزر كايمان، كما أن ولايتي "ديلاوير ونيفادا" الأمريكيتين تسمحان بإنشاء الشركات تحت ملكيات مجهولة.

ووفقاً لمجموعة من الصحفيين الدوليين الذين كشفوا عن خطة "ترويكا لوندرومات"، فقد شملت العملية 75 شركة وهميَّة، مرّت من خلالها معاملات بقيمة 8.8 مليار دولار عبر صفقات غير حقيقة. وهناك توجُّه عالمي اليوم نحو المزيد من الشفافية في هذه المعاملات، حتى في المملكة المتحدة التي تتبع لها جزر "جيرزي" و"غيرنزي" و"جزيرة مان".

إيجاد نقاط الضعف واستغلالها

بعد الانهيار الفوضوي للاتحاد السوفييتي، بحث مجرمو غسيل الأموال عن النقاط الضعيفة في أوروبا، إذ تفتقر أجهزة المراقبة إلى الأدوات المناسبة، وبحثوا عن البنوك التي ربما تكون إدارتها ضعيفة، أو مستعدة للمشاركة في عمليات غير مشروعة، فتدفقت الأموال بشكل هائل إلى بنوك في قبرص ومالطا. أما في دول البلطيق التي تملك أدواراً مركزية في حركات الأموال الروسية المشبوهة، مثل "إستونيا ولتوانيا ولاتفيا"، فقد أصبحت جهات فاعلة كبرى ممراتٍ لتمرير هذه الأموال نحو الغرب.

وكان للدول السوفييتية السابقة ميزة إضافية؛ لأنَّ اللغة الروسية شائعة إلى حدٍّ كبير، كما كانت البنوك والمؤسسات المالية من الدول الإسكندنافية تسارع إلى دخول الأسواق ذات النمو المرتفع. وقد ساعد نقل هذه الأموال عبر المصارف المُراسلة الغربية أيضاً في غسيل الأموال بشكل أفضل، وبالتالي نقلها بقدر أقل من التدقيق، إذ أقر "دانسكي بنك" الدنماركي (Danske Bank A/S) أنَّ نحو 230 مليار دولار أمريكي تدفقت إلى وحدة البنك في إستونيا، قد تكون مشبوهة.

غسيل الأموال المعتمِد على التجارة

يستطيع المجرمون نقل الأموال عبر الحدود من خلال المتاجرة بالبضائع دولياً، وفق طريقة تبدو كأنَّها مشروعة، وتزوير الفواتير من أجل تغيير قيمتها الحقيقية؛ فقد كانت هذه الطريقة المعتمدة على التجارة في غسيل الأموال أساسية لخطة "ترويكا لوندرومات"، واستخدِمت فواتير غير حقيقية للإيهام بالمتاجرة في السلع الغذائية، والسلع المعدنية وقطع المركبات، وهذه الطريقة تستَخدم بشكل واسع من أجل السماح بتدفق الأموال خارج الاقتصاديات النامية.

وتقدر مؤسسة "فاينانشال إنتيغريتي" (Financial Integrity) للأبحاث، ومقرُّها واشنطن، أنَّ نسبة "الفواتير التجارية الزائفة" تبلغ 18% من تجارة الدول النامية مع الدول المتقدمة.

المحاكاة التجارية

وتتمثل "المحاكاة التجارية" (Mirror Trading) في معاملتي أسهم في موقعين منفصلين، تلغي إحداهما الأخرى، ولكنهما تنجحان في نقل الأموال من مكان لآخر. وتملك هذه الإستراتيجية استخدامات مشروعة، غير أنَّ ما يوظفها هي الصناديق المشتركة والمستثمرون الآخرون الذين يضعون قيوداً على الأماكن التي يمكن لهم أن يمتلكوا فيها أوراقاً مالية، غير أنه من الممكن استخدام هذه المعاملات أيضاً لنقل الأموال عبر الحدود.

ومثال ذلك، "دويتشه بنك"، الذي ساعد بعض العملاء في نقل حوالي 10 مليارات دولار خارج روسيا بين 2011 و2015 عن طريق تداولات محاكاة تجارية في فروعه بموسكو ولندن، وتمَّ تغريم البنك 629 مليون دولار من السلطات البريطانية والأمريكية؛ لعدم الامتثال للوائح المطبقة، ولا يزال التحقيق الجنائي من قِبل وزارة العدل الأمريكية جارياً.

وتوجد طريقة أخرى، تعرف أحيانًا باسم "الصفقة المتعاقبة" (back-to-back deal)، وهي الحصول على قرض في دولة بضمان وديعة في دولة أخرى، فيتأخَّر مجرم غسيل الأموال عن سداد القرض، ليضع البنك يديه على الوديعة، ويبدو المال نظيفاً. وفي الواقع، فإنَّ لنوعيِّ المعاملات تطبيقات مشروعة تجعل من الصعب إيقافهما.

خلط الأموال النظيفة بـ"القذرة"

يصعب التفريق بين الأموال المكتسبة من الشركات الرسمية، والسيولة المالية غير المشروعة من النشاطات الإجرامية. ويعمل مجرمو غسيل الأموال أحياناً مع شركات حقيقية تربح مبالغ كبيرة من المال، لدمج أموالهم مع أموال الشركة قبل إيداعها في البنوك، وتعد الكازينوهات وغيرها من العمليات المعتمدة على النقد، مثل المطاعم أهدافاً مغرية.

ومن الخطط الشائعة التي تُنفَّذ في الكازينوهات شراء أعداد كبيرة من "فيش" القمار بالمال والمقامرة بحصة قليلة جداً، ثم استرجاع قيمة الفيش المتبقِّيَّة على أساس أنها ناتجة عن المشاركة باللعب في الكازينو.

وهناك طريقة أكثر فعالية بالطبع، وهي امتلاك كازينو كامل، لقد كانت "مكاو" (Macau)، مركز المقامرة الأكبر في العالم، وهي تتعامل بغسل الأموال بالرغم من المحاولات المتكررة للحكومة الصينية بأن تتحكم بذلك. وقد وجدت كندا في العام السابق أنَّ الكازينوهات في مقاطعة كولومبيا البريطانية، سمحت دون علم منها بمرور عدد من الجرائم المحلية، والدولية المتصلة بغسل الأموال، ووفَّر توسُّع طرق المقامرة والرهانات الرياضية عبر الإنترنت، لأنَّه من السهل إخفاء الهويات، فيخلق فرصاً جديدة لذلك، كما هو الحال مع العملات المُشفَّرة.

"التجزئة" (Smurfing)

ينجح مجرمو غسيل الأموال في تجنب الشبهات عن طريق تجزئة المبالغ الكبيرة من الأموال إلى مبالغ أصغر، ويكون لهم معاونون يسمون "السنافر" (Smurfs)، الذي يودعون الأموال في حسابات مختلفة في أماكن مختلفة. ويُتطلب من بنوك الولايات المتحدة إبلاغ السلطات التنظيمية عن أيَّة حوالات تزيد عن 10 آلاف دولار، لذا يتجنب مجرمو غسل الأموال عادة تجاوز هذا الحد.

ويجب أن تستمر البنوك في تتبُّع حوالات عملائها للبحث عن أيِّ أمر مشبوه، ويجب عليها إبلاغ السلطات؛ إن كانت تملك سبباً وجيهاً في الاشتباه بعملية ما، أمَّا إذا أخفقت في ذلك، فسوف تكون معرَّضة لغرامات كبيرة. وعادة تحتج البنوك على أنَّ القوانين مرهقة، وأنَّ إجراءات "اعرف عميلك" مكلفة. وقد زاد "دانسكي بنك" (Danske Bank A/S) عدد الموظفين لديه بعد الكشف عن فضيحة غسل الأموال التي كان جزءاً منها، ولديه الآن أكثر من ألف موظف يختصون برصد الجرائم المالية، ومنع حدوثها.