ملايين يتضوّرون جوعاً.. ودبلوماسيون مرتبكون

المصدر: غيتي إيمجز
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يتعلّق مصير 40 مليون شخص بحوارات أمنية مزدوجة تجري في الهند وباكستان هذا الأسبوع، إذ يبدو الأفغان عالقين ما بين جماعة إسلامية متطرفة، ومجتمع دولي مكتفٍ على ما يبدو بالجلوس والسماح لدولة أفغانستان، المعتمدة على المساعدات التي يقدّمها، بالغرق أكثر في أزمة متفاقمة.

كثير من الأمور على المحك في هذين الاجتماعين. يخشى رؤساء الأمن القومي للدول المشاركة في اجتماع نيودلهي الذي عُقد يوم الأربعاء، وهي روسيا وإيران والهند وجمهوريات آسيا الوسطى الخمس، من انتشار عدم الاستقرار على الحدود المشتركة. إنهم قلقون من تدفقات اللاجئين التي لا يمكن السيطرة عليها، والتي تمثّل بالفعل مشكلة لإيران مع وصول عدد اللاجئين إلى نحو 800 ألف لاجئ أفغاني، وباكستان التي تضم أكثر من 1.45 مليون لاجئ.

اقرأ أيضاً: قطر قد تعاني لتقديم طالبان "الجديدة" إلى العالم

يقلق الجميع بشدة من أن تصبح أفغانستان ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية مرة أخرى، بل ويترقبون كذلك تزايداً في تجارة المخدرات وإنتاجها. لم يحضر الحلفاء المقربون وخصوم الهند، الصين وباكستان، الاجتماعات.

بدلاً من ذلك، انضمت هاتان الدولتان إلى اجتماع "الترويكا الموسعة" في إسلام أباد يوم الخميس، الذي ضمّ الممثل الأمريكي الخاص الجديد لأفغانستان، توماس ويست، ومسؤولين من روسيا. لا شك أنهم يتشاركون مخاوف مماثلة أيضاً، إذ ذكرت صحيفة "ذا هندو" أن هذه المجموعة ستلتقي كذلك للمرة الأولى مع وزير خارجية طالبان بالوكالة أمير خان متقي.

القلق الأمريكي والأوروبي

تقلق الولايات المتحدة بشكل خاص من قيام الدولة الإسلامية والقاعدة بتطوير القدرة على شن هجمات على أراضيها، فيما يحرص القادة الأوروبيون على تجنّب تكرار أزمة المهاجرين في عام 2015، ويراقبون التطورات على الحدود البولندية-البيلاروسية باهتمام بالغ. في الوقت ذاته، يجعل غياب الصين وباكستان عن أحد المسارين عملية وضع خطة عاجلة للتعامل مع الأزمة المتفاقمة أكثر صعوبة، مثلما أخبرتني مديحة أفضل، زميلة السياسة الخارجية في معهد "بروكينغز" ومؤلفة كتاب "باكستان تحت الحصار.. التطرّف والمجتمع والدولة".

اقرأ المزيد: انهيار اقتصاد أفغانستان واختفاء السيولة

على الأقل، هناك حاجة إلى نهج قوي متعدد الأطراف لمعالجة المجالات الرئيسية، بما في ذلك الإرهاب والكارثة الإنسانية، ومعاملة طالبان الوحشية للنساء والأقليات.

لقد أدى الانهيار الاقتصادي الناجم عن الانسحاب الفوضوي والقاتل للقوات الأمريكية، والاندفاع المفاجئ لطالبان إلى السلطة بتاريخ 15 أغسطس، إلى وقوع البلاد في حالة من السقوط الحرّ. وقفت الدول الغربية المساعدات المالية التي كانت تشكل الجزء الأكبر من الإنفاق الحكومي، فيما تمنع أيضاً إدارة طالبان من الوصول إلى مليارات الدولارات من الاحتياطيات الأجنبية. بقي ملايين الأفغان دون تلقي الرواتب لمدة شهور، بمن فيهم النساء اللواتي أُجبرن على البطالة من قِبل المسؤولين الذين يرفضون السماح لهن بالعمل، فيما يموت الأطفال من الجوع.

التزام أخلاقي

هناك التزام أخلاقي واضح لمنع مزيد من الأفغان من الانزلاق إلى ظروف المجاعة في مواجهة الجفاف الشديد، وقبل تعرّض البلاد لشتاء قاسٍ كما تشير التوقعات. وبالنظر إلى احتلالها العسكري الفاشل لمدة 20 عاماً لأفغانستان، ورحيلها الفوضوي الذي ترك الشباب من سكان القرن الحادي والعشرين تحت رحمة مجموعة متخلفة وعنيفة من الرجال، يجب أن تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي الأَوْلى بالتدخّل. يجب عليهم أن يعطوا استقبال مزيد من اللاجئين، وتقديم المساعدات الإنسانية بشكل سريع، الأولوية.

اقرأ أيضاً: أين المليارات التي أهدرتها الولايات المتحدة في أفغانستان؟

تعمل منظمة الأغذية التابعة للأمم المتحدة فعلياً على تقديم المساعدة لنحو 23 مليون أفغاني، من بينهم 3.2 مليون طفل. ووصف المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، ديفيد بيسلي، الوضع بأنه "عدّ تنازلي للكارثة". يريد قادة طالبان الإفراج عن أصول البلاد، لكنهم غير مستعدين لتقديم أي تنازلات للولايات المتحدة أو غيرها من القوى من أجل تحسين حياة المواطنين الذين يسيطرون عليهم الآن.

هذا يعني بروز بعض العقبات الكبيرة التي يجب التغلب عليها، وليس أقلها إيجاد أفضل طريقة لمساعدة الناس دون دعم إدارة طالبان، لأنه لا يزال عديد من قادة الجماعة مدرجين على قائمة عقوبات الأمم المتحدة، ولم تأتِ وعودها بحكمٍ أكثر اعتدالاً، بأي شيء. يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن إيصال المساعدات عبر وكالات المعونة الدولية، بدلاً من إيصالها مباشرة إلى طالبان، ويصعب العثور على أي زعيم عالميّ آخر يخالفه الرأي.

انهيار النظام الصحي

في الوقت ذاته، يوشك النظام الصحي على الانهيار، بعد إغلاق عديد من العيادات الممولة من الخارج، أو نفاد الأدوية الأساسية، وغياب الموظفين المسؤولين عن إدارتها. أدت الموجة الأخيرة من عمليات القتل الانتقامية، بما فيها اغتيال ناشطة في مجال حقوق المرأة وآخرين مرتبطين بالحكومة السابقة، إلى تفاقم أجواء الخوف. لا تزال الفتيات في المدارس الثانوية ممنوعات غالباً من حضور الفصول الدراسية، فيما تقول "هيومن رايتس ووتش" إنّ طالبان تمنع النساء من العمل في معظم مناطق قطاع المساعدات، ما يعني أن المساعدة تصل إلى عدد أقل من العائلات المحتاجة، لا سيما الأسر التي تعيلها سيدات.

اقرأ أيضاً: هل يمكن لأمريكا أن تتعلم من هزيمتها في أفغانستان؟

يبدو أن هناك القليل من الشعور بالاستعجال، رغم قلق الدول المجاورة المؤكد، لكن يبدو أن العالم يستمر في مساره متغافلاً أزمة إنسانية أخرى، وهو غير قادر على إيجاد الصيغة الصحيحة لتغذية أي عمل حقيقي، إلى أن تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر وأن ترتفع حصيلة القتلى فجأة بشكل غير مقبول.

لم تتخذ أي دولة من الدول المشاركة في اجتماع يوم الأربعاء بمدينة دلهي خطوة للاعتراف بحكومة طالبان، لكن يجب عليها الاعتراف بالحاجة الملحّة للشعب الأفغاني وتنظيم المساعدة قبل فوات الأوان.