مؤسسات أمريكية تعهد إلى شركات التأمين بإدارة برامج التقاعد

رسم: كاتي زيلاغي / بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من الممكن أن تتولى قريباً شركات مختلفة في الولايات المتحدة، دفع مستحقات العديد من الأمريكيين الذين مازالوا يحصلون على معاشات تقاعدية تقليدية -ذلك النوع الذي يقدم دخلاً منتظماً بغض النظر عمّا يفعله السوق. تدين الشركات الأمريكية للمتقاعدين الحاليين والمستقبليين أو من يستفيدون من مدّخراتهم، بأكثر من 3 تريليونات دولار، فيما تحاول شركات كثيرة منها، ترك الأعمال المتعلقة بالتقاعد منذ أعوام. اليوم، تجد هذه الشركات فرصة ذهبية أمامها، لتشق طريقها للخروج.

اقرأ أيضاً: أفضل وأسوأ أنظمة التقاعد العالمية في 2021

هذه الفرصة، يطلق عليها اسم "تحويل مخاطر المعاش التقاعدي" (PRT)، وهي تتم من خلال شراء منتج مالي يسمى المعاش السنوي، ثم يمكن للشركة وضع أصول الخطة ومسؤولية سدادها في أيدي شركة تأمين على الحياة، والتي يمكنها جني الأموال إذا كان بإمكانها الكسب من استثمار الأصول بشكل أكثر مما ينبغي عليها دفعه. (ثمة خيار آخر لتحويل مخاطر المعاش يتلخص في عرض دفع المستحقات دفعة واحدة، وفي هذه الحالة، فإن مخاطر ضمان استمرار تدفق الأموال يتحملها الشخص المتقاعد وليس شركة أخرى).

صفقات مغرية

من المؤكد أن مثل هذه الصفقات التي تعقد مع شركات التأمين ليست جديدة، لكن الأسواق المرتفعة بشكل قياسي، تجعلها جذابة بالنسبة إلى أرباب العمل على وجه الخصوص.

يكمن سبب ذلك في مساهمة مكاسب الاستثمار في جعل العديد من خطط المعاشات التقاعدية على مقربة من التمويل الكامل، ما يعني امتلاكها لأصول تكفي للوفاء بالتزاماتها تجاه المتقاعدين الحاليين والمستقبليين. لكن إذا حوّلت شركة ما خطة غير ممولة بالكامل، فإن عليها الدفع لتغطية مقدار النقص في أموال الخطة.

الآن، ليس هناك سوى مبلغ صغير جداً للتعويض. فقد تم تمويل أكبر 100 خطة معاشات تقاعدية على مستوى الشركات، بنسبة 97.1% في أغسطس، بحسب مستشار التأمين "ميليمان" (Milliman)، ويمكن أن تزداد النسبة لتصل إلى 102% بحلول نهاية العام، وسط التوقعات المتفائلة. وقبل عام، كانت نسبة تمويل المعاشات التقاعدية تقل عن 87%.

اقرأ المزيد: أكبر صندوق معاشات بالعالم يخفض حيازاته من السندات الأمريكية لمستوى قياسي

من الممكن إغلاق نافذة إبرام صفقة معاش تقاعدي سريعاً. فإذا بدأت الأسواق بالتراجع، سيكون لزاماً على رب العمل دفع المزيد لاستكمال قيمة خطته قبل تسليمها. وعلى النقيض من ذلك، إذا كانت استثمارات الخطة جيدة بما يكفي لتجاوز التمويل بنسبة 100%، فإن الشركة الراعية ستكون لديها دوافع أقل للانسحاب، لأنها قد تواجه فاتورة ضريبية، كما أنها لا تستفيد من وجود فائض نقدي معلق في الصندوق.

يقول مات مكدانيل، مستشار المعاشات التقاعدية في شركة "ميرسر" (Mercer)، التي تقدم المشورة للشركات بشأن خطط استحقاقاتها: "الرعاة يشهدون نقطة انعطاف بمجرد الوصول إلى التمويل الكامل".

في الواقع، لم يشهد هذا العام سوى قليل من صفقات المعاشات التقاعدية الضخمة، بما فيها صفقة بقيمة 4.9 مليار دولار أبرمتها شركة "لوكهيد مارتن" (Lockheed Martin) وشركة التأمين "أثين هولدينغز" (Athene Holding) وصفقة أخرى بقيمة 5.2 مليار دولار بين شركتي "برودنشال فاينانشال" (Prudential Financial) و"إتش بي" (HP).

عام قياسي

بحلول نهاية العام، يتوقع وسيط التأمين "ويليس تاورز واتسون" (Willis Towers Watson) إجراء معاملات تزيد قيمتها على 30 مليار دولار، ما قد يجعل عام 2021 أكثر عام حافلاً بالصفقات منذ عام 2012.

اقرأ أيضاً: لماذا ترسل الحكومة الأمريكية ملايين الدولارات إلى الموتى؟

كانت الشركات حريصة على التخلص من خطط المعاشات التقاعدية لأسباب عدة، أبسطها المجازفة، حيث يعدّ المعاش التقاعدي التزاماً يدرج في الميزانية العمومية لرب العمل لفترة طويلة للغاية، ويتعين دفعه حتى لو كان مسار العمل بطيئاً والأسواق في حالة تراجع. كما أن معظم الشركات أصبحت تفضل الآن تمويل خطة التقاعد "401 كيه" (401 k)، ما يضع عبء إدارة أصول التقاعد على عاتق الموظف.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أسعار الفائدة المنخفضة وعائدات السندات تعني أن الشركات قد تكافح في المستقبل لجني عائدات مرتفعة بما يكفي لتمويل التزاماتها، حتى مع ارتفاع تكاليف الاحتفاظ بالخطط. كما يُطلب من مقدمي الخدمة، دفع أقساط إلى مؤسسة "ضمان استحقاقات المعاشات التقاعدية" (Pension Benefit Guaranty) المدعومة من قبل الحكومة الفيدرالية، والتي تؤمن تريليونات الدولارات من الالتزامات التي تنطوي عليها الخطط.

تفضل شركات عديدة عاملة في مجال التأمين على الحياة، أصول صندوق المعاشات التقاعدية نظراً لقدرتها على تحقيق توازن بين الالتزامات والمنتجات الأخرى في محافظها الاستثمارية. فعلى سبيل المثال، يتم سداد مدفوعات المعاشات التقاعدية طالما أن المشترك لا يزال على قيد الحياة، بينما تُدفع بوليصة التأمين على الحياة عند الوفاة فقط.

تحوّط ضدّ "طول العمر"

بوسع شركة التأمين أيضاً التحوّط ضد مخاطر طول عمر الأشخاص لفترة أطول من المتوقع، في مقابل موت عملاء آخرين في وقت مبكّر للغاية.

كما قررت شركات التأمين المدعومة من قبل الأسهم الخاصة بشكل مفاجئ الاندماج في مثل هذه الأعمال. فعلى سبيل المثال شركة "أبولو غلوبال مانجمنت" (Apollo Global Management) وهي أكبر مساهم في "أثين هولدينغز"، التي تتولى خطة "لوكهيد مارتن"، حيث وفّرت أصول التقاعد في شركة "أثين" لشركة "أبولو" مجموعة كبيرة من رأس المال طويل الأجل الذي يمكنها استثماره، وجنت من خلاله رسوماً مربحة. وفي مارس، أعلنت كل من شركتي "أثين" و"أبولو" عن خطتهما للاندماج سوياً.

ربما يتساءل المشاركون في خطة التقاعد عن كيفية تعديل استحقاقاتهم بعد إبرام صفقة تحويل المخاطر، لكن من الضروري إدراك أن معظم الأشياء ستبدو متشابهة تماماً، حيث ستستمر المدفوعات الشهرية بالقيمة ذاتها، وهو ما تقول عنه شركة "برودنشال فاينانشال" إنه يحقق التطابق مع المدفوعات السابقة وصولاً إلى آخر سنت.

الاختلاف الكبير يكمن في كيفية الإشراف على هذه الخطط، فهي تُراقب من قبل الجهات التنظيمية الحكومية التي تشرف على شركات التأمين بدلاً من مؤسسة "ضمان استحقاقات المعاشات التقاعدية" التي تدفع الحدّ الأقصى من الاستحقاقات عند فشل الخطة. كما أن كل ولاية، لديها أيضاً جمعية ضمان من شأنها توفير بعض الحماية في حال انهيار شركة التأمين.

تعليقاً على الأمر، أوضح جوشوا غوتباوم، الذي شغل منصب مدير مؤسسة "ضمان استحقاقات المعاشات التقاعدية" خلال فترة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، أمام لجنة اتحادية عقدت في عام 2013، عدم وجود فرق حقيقي بين خطة تدعمها مؤسسة "ضمان استحقاقات المعاشات التقاعدية" وأخرى تديرها شركة تأمين.

أما جيمس زوستيك، نائب رئيس المجلس الأمريكي لشركات التأمين على الحياة، فيقول إن شركات التأمين على الحياة تتمتع "بخبرة دامت لعقود في إدارة الالتزامات طويلة الأجل"، فضلاً عن كونها خاضعة للرقابة التنظيمية.

قلق المتقاعدين

مع ذلك، يقول المدافعون عن المتقاعدين، إن التحوّل يمكن أن يشكل مصدر ذعر بالنسبة إلى المشاركين في المعاشات التقاعدية.

عن ذلك، يقول نورمان شتاين، أستاذ القانون بجامعة دريكسل وخبير استشاري أقدم للسياسات العامة بمركز حقوق المعاشات (Pension Rights Center)، إن "القلق هو رد الفعل الناتج بمجرد حدوث أي تغيير".

في ظل هذه الظروف، يتحوّل الأفراد من الاعتماد على الشركة التي عملوا لديها لفترة طويلة، إلى شركة تأمين ربما لم تخطر على بالهم.

يقول شتاين إن بعض اللوائح التنظيمية المتعلقة بمعاملات تحويل مخاطر المعاش التقاعدي وحماية العمال والمتقاعدين بعد التحوّل، يمكن أن تكون غامضة. ويشير إلى أن هذا التحوّل يمكن أن يكون مثيراً للقلق بشكل خاص في حالة شركات التأمين التي تدعمها شركات الأسهم الخاصة ذات السمعة الجيدة في ما يتعلق بالاستثمار القائم على المخاطرة.

يقول شون برينان، نائب الرئيس التنفيذي المتخصص في تحويل مخاطر المعاشات في شركة "أثين"، إن شركات التأمين تعدّ رهاناً أكثر أماناً من الخطط العديدة التي يديرها أرباب العمل "في ظل تعرض مجموعة من الأسهم ومعدلات الفائدة للمخاطر".

التوسع في الصفقات

الجدير بالذكر أيضاً، أن شركات التأمين على الحياة توسعت بشكل كبير منذ توسط شركة "برودنشال فاينانشال" في صفقتين كبيرتين متعلقتين بالمعاشات التقاعدية قبل تسعة أعوام.

يقول مكدانيل، من شركة "ميرسر"، إن هناك الآن 19 شركة تأمين على الحياة مستعدة لإبرام صفقات متعلقة بتحويل مخاطر المعاش التقاعدي، ومن المتوقع خوض المزيد لمثل هذه المعركة.

كما تقول ميليسا مور، نائب رئيس قسم المعاشات الأمريكية في شركة "متلايف" (MetLife)، إن "المنافسة قائمة بالتأكيد". وهذا الأمر ساعد في خفض التكلفة الرئيسية للتحويل الذي يتعلق بشراء الاستحقاق السنوي للمعاش.

ويقول ستيف كيتنغ، العضو المنتدب في "بي سي جي بينشن ريسك كونسالتنس / بي سي جي بينبريدج" (BCG Pension Risk Consultants/BCG Penbridge)، التي تساعد أرباب العمل على إدارة تكاليف تقاعدهم الخاصة: "تسعير الاستحقاقات السنوية يعتبر نشاطاً استثنائياً حالياً، كما أن سوق الاستحقاقات السنوية مزدحم نتيجة لذلك".

وجدت دراسة حديثة أجريت بتكليف من شركة "متلايف" أن 93% من 250 جهة من الجهات الراعية للخطة، والتي شملها الاستطلاع، تعتزم سحب كافة التزاماتها، بارتفاع من 76% في عام 2019. ويمكن للشركات اختيار تصفية الخطط بالكامل أو خفض نطاق المعاشات في ميزانياتها العمومية دون حذفها بالكامل. لكن شركات عديدة تتطلع للفرار، حسبما ذكرت يانيلا فرياس، رئيسة فئة الأنشطة التأمينية لدى "برودنشال فاينانشال".

ختاماً، تقول فرياس: "الحقيقة هي أن شركة التأمين في وضع أفضل بكثير لإدارة هذا الالتزام بدلاً من شركة تصنيع السيارات أو شركة تصنيع الهواتف. نحن نفعل هذا من أجل كسب الرزق".