أجبان من دون أبقار.. عبر تقنية "التخمير الدقيق"

رسم: آرون فرنانديز بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قبل عقد من الزمن، أنشأ جاب كورتويغ شركة أطلق عليها اسم "الجزّار النباتي" (Vegetarian Butcher)، متخصصة في صناعة اللحوم النباتية ذات المذاق القريب جداً من اللحم الحقيقي، إلى درجة أمكن معها تقديمها على قائمة أطباق سلسلة مطاعم "برغر كينغ". لكن، في حال طلب أحد الزبائن "تشيز برغر"، تعذّر على كورتويغ العثور على بديل مناسب للمكوّن الثاني من الشطيرة، وهو الجبنة.

لذا في العام الماضي، استثمر رائد الأعمال الهولندي الأرباح التي حققها من بيع شركته المتخصصة في اللحوم النباتية، إلى شركة "يونيليفر" (Unilever)، من أجل إنشاء مشروعه الجديد الذي أطلق عليه اسم "رعاة البقر النباتيين" (Those Vegan Cowboy)، وهو يهدف إلى إنتاج مشتقات حليب من دون أبقار. وقال كورتويغ إنه، وخلال مسيرته نحو اتباع نظام غذائي قائم على النبات، "كانت الجبنة آخر ما اختفى من طبقي، فلا توجد جبنة نباتية جيدة".

اقرأ أيضاً: "موزاريلا" بلا حليب تحصد تمويلاً لتوسع عالمي في إنتاج الجبن

تستند معظم بدائل الجبن المتوفرة اليوم إلى الصويا أو الكاجو أو غير ذلك من الأطعمة، وتفتقر في العادة إلى الروائح الذكية والقوام الغني ولزوجة الجبنة الحقيقية التي تذوب في الفم. وعلى الرغم من أن بدائل الحليب المصنوعة من المكسّرات والحبوب تتحسن سنوياً، إلا أنها لا تحتوي على الكازين الذي يضمّ 80% من البروتين الموجود في حليب البقر، والذي يمنح الجبن قوامه المميز.

صناعة الكازين

تعدّ شركة "رعاة البقر النباتيين"، واحدة من بين عشرات الشركات الناشئة التي تعمل على صنع الكازين من خلال تقنية التخمير الدقيق التي تستخدم منذ زمن طويل في إنتاج الأنسولين الصناعي. وسيتيح ذلك للشركات أن تنتج قريباً أجباناً يكاد يتعذر تمييزها عن الأجبان الحقيقية، لا تسبب تحديات بيئة، ولا تلحق الضرر بالحيوانات.

تجمع هذه التقنية ما بين التخمير -وهي عملية أتقنتها البشر منذ آلاف السنين من أجل صنع منتجات متنوعة من الجعة والنبيذ إلى الكيمشي والساوركراوت- والتضفير الجيني الذي تم تطويره في العقود الماضية. فيقوم التقنيون بتعديل الفطريات أو الخميرة من خلال إدخال نسخة رقمية من الحمض النووي للبقر. وتوضع هذه المادة في خزانات حديدية، حيث تتفاعل مع المواد العضوية بهدف إنتاج الكازين الذي يُمزج مع الدهون من أجل إنتاج سائل شبيه بالحليب يعتبر المادة الابتدائية المكونة للجبن. قال كورتويغ: "البقرة هي العامل المعالج في عملية التحوّل من عشب إلى جبن". وأضاف: "لذا، فإن الفطريات تحلّ مكان الأبقار في خطّ إنتاجنا".

اقرأ المزيد: ملياردير نرويجي يؤسس شركة لإنتاج السلمون في المحيط المفتوح

يراهن المستثمرون على زيادة الإقبال على الأجبان البديلة مع بدء تباطؤ النموّ في الطلب على بدائل الحليب، إذ تتوقع شركة رأس المال المغامر "بلو هورايزن" (Blue Horizon) في زيورخ، والتي تنشط في مجال صناعة المواد الغذائية الأكثر استدامة، أن يرتفع استهلاك الأجبان النباتية بواقع خمسة أضعاف بحلول عام 2025.

بحسب شركة "ديل روم" (Dealroom) البحثية، تم استثمار نحو 1.4 مليار دولار حول العالم هذا العام في الشركات الناشئة المتخصصة في إنتاج بدائل عن مشتقات الحليب، بزيادة بنسبتها 70% مقارنة بعام 2020. وفي غضون ذلك، تضاعف الاستثمار في الشركات التي تستخدم التخمير الدقيق في العام الماضي، مقارنة بعام 2019، ليصل إلى 600 مليون دولار، حسب معهد "غود فود" (Good Food).

تعليقاً على ذلك، قال مارك لينش، الشريك في شركة الاستشارات المالية "أوغما بارتنزر" (Oghma Partners) في لندن: "ما يتم فعله هو محاولة الانتقال من منتج يجذب النباتيين فقط في المرحلة الأولى، وجعله في متناول الجميع".

تركيز على الربحية

على الرغم من إمكانية إنتاج حليب بديل لا يختلف عن الحليب الحقيقي باستخدام تقنية التخمير الدقيق، إلا أن الجودة العالية للمشروبات المصنوعة من الشوفان والصويا واللوز والأرز، دفعت الشركات الجديدة الناشئة في هذا المجال للتركيز على مشتقات الحليب ذات الربحية الأكبر.

فقد حصلت الشركة الناشئة "فورمو" (Formo) في برلين على تمويل بقيمة 50 مليون دولار من أجل تطوير أجبان الموزاريلا والريكوتا، وهي تخطط لإضافة بعض أنواع الأجبان المعتقة، مثل الشيدر والغرويير. وقامت سلسلة مقاهي "ستاربكس" باختبار المثلجات من إنتاج شركة "بيرفكت داي" (Perfect Day).

أمّا شركة "نوبيل" الناشئة في سان فرانسيسكو، والمدعومة من بيل غيتس، فهي تقوم بتعديل نبات فول الصويا من أجل صنع بروتينات الحليب بدل بروتينات الصويا. وقالت مؤسِسة "نوبيل"، ماغي ريشاني: "إذا صنعنا منتجات تنافسية على صعيد النكهة والسعر، تكون في النهاية أرخص من تلك التي نشتريها من مصادر حيوانية، فإن الناس حينها سوف يتوجهون أكثر نحو هذه الخيارات".

اقرأ أيضاً: تكاليف الأسمدة المتزايدة عالمياً تهدد بارتفاع أكبر في أسعار الغذاء

تتوقع "نوبيل" طرح أول منتجاتها في عام 2023، فيما تخطط "بيرفكت داي" لإضافة الجبن الكريمي في الأشهر المقبلة. مع ذلك، قد تستغرق هذه التقنية سنوات قبل أن تصبح تنافسية فعلاً مع الجبنة التقليدية. ففي أوروبا، ربما تتردد الهيئات الناظمة في المصادفة على هذا النوع من الأطعمة بسبب القلق حيال الخلايا المعدلة وراثياً التي تتطلبها هذه التقنية، على الرغم من أن التعديلات الجينية تدخل فقط في بداية العملية، فيما لا يتضمن المنتج النهائي هذه الخلايا.

بدائل أقل تعقيداً

في الوقت الراهن، تعمل الشركات على بدائل أقل تعقيداً. ففي كاليفورنيا، طرحت شركة "ميوكوز كريميري" (Miyoko’s Creamery) مؤخراً جبنة موزاريلا مصنوعة من الكاجو تستخدم في تحضير البيتزا. وفي السويد، تصنع شركة "ستوكليد دريميري" (Stockeld Dreamery) جبنة فيتا بديلة مصنوعة من البازلاء والفول الأخضر المخمرين. ومن جانبها، تطوّر شركة "موتيف فودووركس" (Motif FoodWorks) في بوسطن، جبنة من الذرة، فيما تواصل العمل على التخمير الدقيق. وقال مايك ليونارد، رئيس شؤون التكنولوجيا في شركة "موتيف" إنه "يمكنك فعلاً الحصول على جبنة نباتية تذوب وتمطّ وتحدث فقاعات وتتمتع بالقوام اللزج الذي يتوقعه المستهلكون".

إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما الاسم المناسب للمنتجات المصنوعة من خلال التخمير الدقيق؟ يقترح البعض تسمية "الجبن المصنوع في المختبر"، فيما يميل البعض الآخر نحو تسمية "الجبن المزروع". إلا أن المجموعات الناشطة في قطاع إنتاج الحليب ومشتقاته، سبق أن اعترضت على إطلاق منتجي حليب الصويا والشوفان تسمية "حليب" على منتجاتهم. وبالتالي، لابدّ أن يعترضوا أيضاً على تسمية المنتج المصنوع من خلال التخمير الدقيق بـ"الجبنة". وبما أنه يتم استخدام نسخة من الحمض النووي للبقر من أجل المباشرة في عملية التصنيع، فقد يثير ذلك اعتراض بعض النباتيين. وقالت شانتال أدكينز من مجتمع النباتيين البريطاني: "هذه الشركات تستخدم على الأرجح الحمض النووي للأبقار، ويجب أن ندرس ما هو مصدره".

من جهته، يحرص كورتويغ هو الآخر على حماية رهانه على التخمير الدقيق، فيعمل على تقديم أجبان نباتية، هي عبارة عن جبن مدهون يعدّه بالشراكة مع أحد منتجي جبنة "أولد أمستردام" (Old Amsterdam)، من أجل المحافظة على شركته إلى حين تبدأ تقنية التخمير الدقيق تؤتي ثمارها. ويقول كورتويغ إنه يجري محادثات متواصلة مع الشركات حول العالم، وهو شخصياً كمحبّ للأجبان، متشوق من أجل تجربة الأنواع التبانية من جبن "أسياغو" إلى "زويتسر". وقال: "إذا حصلنا على الكازين المتطابق، يمكننا أن نصنع شتّى أنواع الجبن". وأضاف: "هدفنا هو أن ننسخها كلها".