الأمريكيون يتذمّرون من الأوضاع الاقتصادية.. لأنها سيّئة فعلاً

المصدر: غيتي إيمجز
Ramesh Ponnuru
Ramesh Ponnuru

Ramesh Ponnuru is a Bloomberg Opinion columnist. He is a senior editor at National Review, visiting fellow at the American Enterprise Institute and contributor to CBS News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم يستوعب المعلقون من أصدقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن حقيقة أن الشعب ليس سعيداً بأوضاع الاقتصاد، وأن شعبية الرئيس مستمرة في التراجع رغم أن الاقتصاد يتوسع والبطالة تنخفض.

هذا ما بدت عليه الأمور في عام 2006 لعدد كبير من الجمهوريين، وتوصّلوا إلى أن المشكلة تكمن في أن "رخاء عهد بوش" كان "قصة عظيمة لم يروها أحد".

الآن انتقلت الحيرة إلى الحزب الآخر. فقد كتب بول كروغمان في صحيفة نيويورك تايمز: "يحقق الاقتصاد ازدهاراً في السنة الحالية"، غير أن التغطية الإخبارية المتشائمة أثرت سلباً على الحالة المعنوية للناس بشأن الاقتصاد.

اقرأ أيضاً: لماذا يغضب الأمريكيون إلى هذا الحد من ازدهار اقتصادهم؟

في الصحيفة ذاتها، وصف نيل إيروين ذلك بـ"التناقض الكبير" في الاقتصاد: "إن الأوضاع المالية للأمريكيين حالياً هي بكل المقاييس أفضل حالاً مما كانت عليه في سنوات عديدة. غير أنهم يعتقدون أيضاً بأن الاقتصاد في وضع مريع".

رابحون وخاسرون

يواصل إيروين قائلاً، إن الاقتصاديين قد يرون أن التضخم ينجم عنه رابحون وخاسرون، غير أن معظم الناس لا ينظرون إلى الأمور بهذه الطريقة.

إذا كان ذلك لغزاً، فهو لغز يتكرر باستمرار. وقد حدث أيضاً في عهد الرئيس باراك أوباما.

في عام 2014، كانت غالبية كبيرة من الأمريكيين تعتقد بأن الاقتصاد في ركود –وهو اعتقاد شرح الصحفيون وأوضحوا أنه كان "خاطئاً تماماً".

الحقيقة هي أن نظرة الأمريكيين للاقتصاد كانت متشائمة في معظم الأوقات خلال العقدين الأخيرين. فقد تحرك "مؤشر الثقة الاقتصادية" الذي تصدره شركة "غالوب" (Gallup) سلباً بعد تحوّل رخاء قطاع التقنية إلى أزمة في عام 2000، ولم يسجل قراءة إيجابية مستمرة حتى الفترة التي سبقت الجائحة في عهد إدارة الرئيس دونالد ترمب.

لذلك ربما يفيدنا أن ندرس الجوانب المشتركة في آخر فترتين شهدتا انتشار الشعور بالسعادة بين الأمريكيين بشأن وضع الاقتصاد –في الفترة من 1998 حتى سنة 2000، والفترة من منتصف عام 2018 وحتى أوائل عام 2020.

اقرأ المزيد: معدل البطالة في الولايات المتحدة ينخفض إلى أدنى مستوى منذ مايو 2020

كانت مستويات المعيشة ترتفع لدى معظم الناس في هذه السنوات، واستمر تحسنها لفترة من الزمن.

التضخم ودخل الأسر

لم تكن هذه الأوضاع قائمة في عام 2006 أو عام 2014، حتى وإن كان الاقتصاد يحقق نمواً ونسبة البطالة تنخفض. فقد حققت العائلات المتوسطة في سلم توزيع الدخل مكاسب أقل في عام 2014 مقارنة بعام 2000، بعد حساب أثر التضخم. وشهدت أغلب السنوات التي تفصل بينهما تدهوراً في مستوى الدخل، لا زيادته.

لم يعانِ الأمريكيون لمثل هذه الفترة الممتدة من خيبة الأمل والإحباط، منذ بداية رصد هذه البيانات في عام 1953. ولم يكن منافياً للمنطق آنذاك أن يشعر الناس بالتعاسة.

كذلك لا ينافي المنطق شعورهم الحالي بالتعاسة، إذ انخفضت المداخيل في عام 2020 مع انتشار جائحة كورونا. وحتى لو عادت مستويات المعيشة لترتفع مرة أخرى، فإنه ينبغي أن يستمر الاتجاه الإيجابي فترة قبل أن يبدأ الناس بالشعور بالرضا. غير أن مستويات المعيشة حتى الآن لا تشهد تحسناً على أي حال.

ترتفع الأجور والمزايا بقوة فقط من الناحية الاسمية. ويوضح الباحثان الاقتصاديان، جيسون فورمان وويلسون باول الثالث، في ورقة تحليلية قدّماها إلى "معهد بيترسن"، أن إجمالي الدخل يقل حالياً بنسبة 0.6% عن مستوى ديسمبر 2019 بعد حساب أثر التضخم.

كتب إيروين أن الاقتصاديين يرون أن زيادة الأجور وارتفاع الأسعار "وجهان لعملة واحدة". غير أن الحال بالنسبة إلى معظم الناس، إن النتيجة النهائية في اقتصادنا اليوم تؤكد أن العملات التي يحصلون عليها لا تزيد بمستوى زيادة الأسعار ذاته.

من المنطقي أن يكون التغير في القيمة الحقيقية للأجور أكثر تأثيراً على مشاعر الجمهور من التغيرات في معدل البطالة. فعدد الناس الذين يدفعون نقوداً أكثر أمام محطة البنزين أو في متاجر البقالة، أكبر بكثير من عدد من يحصلون على وظائف جديدة.

مساعدات الجائحة

أحد الجوانب المعقّدة في هذه القصة، هو أن الأوضاع المالية للناس قد تحسنت، بفضل التحويلات الكبيرة من الأموال التي دفعتها الحكومة الفيدرالية خلال فترة انتشار الجائحة.

ورغم ذلك، ربما لا يرى الناس في هذه التحويلات المالية بديلاً عن استمرار تيار الدخل الذي يشعرون بأنهم يكسبونه بأنفسهم.

إن أبسط تفسير لاعتقاد الناس بأن الوضع الاقتصادي سيء، هو أن الوضع الاقتصادي عند معظم الناس سيء فعلاً. ولسنا في حاجة إلى الخروج بنظرية حول تأثير الانحياز والتحزّب الحديث على الآراء المتعلقة بالدورة الاقتصادية، أكثر مما كان احتياجنا إلى نظرية مماثلة في عام 2006 أو عام 2014. بل علينا فقط أن نعود إلى المبدأ الديمقراطي العظيم: لا يعرف الألم إلا من يشعر به.