بعد انسحاب الاحتياطي الفيدرالي .. شروخ في أكبر أسواق السندات في العالم

أسواق السندات الأمريكية تتأثر بقرارات الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة
أسواق السندات الأمريكية تتأثر بقرارات الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدأ وميض إشارات التحذير يظهر عند الأجهزة التنظيمية التي تشرف على سوق سندات الخزانة الأمريكية التي تبلغ قيمتها 22 تريليون دولار، إذ تعاني السوق حالياً بسبب التقلبات السريعة بالتزامن مع بداية انسحاب بنك الاحتياطي الفيدرالي من سياسة شراء سندات بقيمة 80 مليار دولار شهرياً.

ارتفع العائد على سندات الخزانة لاستحقاق عامين بنحو 10 نقاط أساس في يوم الأربعاء الماضي في أكبر تحرك له منذ مارس 2020، مدفوعاً بتقرير عن صعود معدل التضخم أدى إلى تحريك المتعاملين للجدول الزمني عند بنك الاحتياطي الفيدرالي للقيام بأول زيادة لأسعار الفائدة.

اقرأ أيضاً: سوق السندات الأمريكية تقدم رسائل متباينة مع استمرار هبوط العوائد الحقيقية

هل السياسة هي التي تحدد قرار "الفيدرالي الأمريكي" بشأن الفائدة؟

يتوج ارتفاع العائد فترة شهدت تقلبات غير عادية، وتسبَّبت في أصعب مزاد في عشر سنوات على السندات باستحقاق 30 عاماً، ودفعت مؤشراً على سيولة الأسواق إلى أدنى مستوى له منذ الأزمة التي أعقبت مباشرة انتشار كوفيد-19 في الولايات المتحدة.

اجتماع افتراضي

تظهر هذه الشروخ في حين يستعد منظمو السوق لعقد اجتماع افتراضي يوم الأربعاء المقبل في لقاء سنوي يعقد منذ عام 2015، بعد مرور سنة على "حركة خاطفة" لمدة 12 دقيقة عندما انهارت عوائد السندات، وعادت إلى صعودها دون سبب واضح. وهو ما لايفترض أن يحدث في أكبر سوق ديون في العالم. تشمل أجندة المؤتمر دراسة "مقترحات تهدف إلى تحسين كفاءة وأداء السوق بوجه عام".

ينفذ بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي ظل يشتري سندات الخزانة بانتظام منذ هجوم جائحة كورونا التي أوقفت التداول تقريباً، خطة تهدف إلى بداية تخفيض مشترياته منها بقيمة 10 مليارات دولار شهرياً، مما قد يزيد من ضرورة انعقاد هذا اللقاء.

في حين تجتمع الأجهزة التنظيمية، ستقوم وزارة الخزانة بتنظيم مزادها الشهري على سندات استحقاق 20 عاماً، مختبرة بذلك فيما إن كان ما حدث في بيع سندات استحقاق 30 عاماً في الأسبوع الحالي يعد حدثاً عارضاً، أو أنَّه علامة على تأثر قدرة السوق سلباً بسبب انسحاب الدعم الذي تقدِّمه لها مشتريات البنك المركزي.

طالع أيضاً: باول: التوقيت الحالي غير مناسب لرفع الفائدة ونرغب في تعافي سوق العمل

تساعد البنية الحالية السوق على العمل بكفاءة عندما تدور أحجام التداول حول مستوياتها العادية. غير أنَّها تؤدي إلى ظهور فترات من التحركات العنيفة والكبيرة، و تبدو غير قابلة للتفسير في إطار الأرقام والبيانات، وتجعل تعامل شركات إدارة الأصول مع المخاطر التي تواجهها أمراً شديد الصعوبة، وذلك وفقاً لما قاله بيتر تشير، رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي لدى شركة "أكاديمي سيكيوريتيز" (Academy Securities).

عائدات السندات الحكومية

شهد الأسبوع الحالي فترة من هذه الفترات، عندما كشف مؤشر "سيولة الأوراق المالية الحكومية بالولايات المتحدة" (Bloomberg’s U.S. Government Securities Liquidity Index) – الذي تصدره "بلومبرغ"، ويقيس مدى انحراف عوائد السندات عن نموذج القيمة العادلة – أنَّ السوق تمر بأسوأ حالاتها منذ مارس 2020.

حوادث عارضة

للحوادث العارضة في تسعير سندات الخزانة الأمريكية تأثيرات واسعة؛ لأنَّ عوائد هذه السندات تستخدم في تحديد قيمة أصول تزيد على 50 تريليون دولار في مختلف أنحاء العالم.

أضاف تشير أنَّ تداول السندات والأوراق الحكومية التي صدرت في أعوام سابقة في سوق سندات الخزانة الأمريكية يكون صعباً في الظروف العادية، وفي ظروف نقص السيولة يكون مرهقاً، وأشد صعوبة.

يشارك في المؤتمر كل من نيللي ليانغ، وكيلة وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون التمويل المحلي، وبرايان سميث، نائب مساعد وزير الخزانة، ومن المسؤولين من البنك المركزي الأمريكي هناك: رئيس الاحتياطي الفيدرالي في ولاية نيويورك جون وليامز، ومديرة نظام حساب السوق المفتوحة لدى بنك الاحتياطي لوري لوغان. كما يحضر المؤتمر الذي يعقد عبر الإنترنت كبار المسؤولين في "هيئة تداول العقود الآجلة للسلع"، و"هيئة الأوراق المالية والبورصات".

تعكس التقلبات الأخيرة في سوق سندات الخزانة الأمريكية حالة عدم اليقين المنتشرة بشأن الاتجاه الذي يسير فيه الاقتصاد والسياسة النقدية وسط صعود الأسعار، ونقص قوة العمل، وعوائد السندات التي تنخفض بنسبة كبيرة عن معدل التضخم.

طالع أيضاً: المستثمرون يراهنون على دورة رفع سريعة للفائدة الأمريكية تبلغ ذروتها بعد 2023

إنَّ مزاد وزارة الخزانة على بيع سندات جديدة بقيمة 25 مليار دولار باستحقاق 30 عاماً، الذي جرى يوم الأربعاء الماضي، قد سجل عائداً أعلى بما يزيد على 5 نقاط أساس عن العائد الذي سجل قبل بداية المزاد، وذلك قبيل انتهاء المزايدة مباشرة في إشارة إلى ضعف الطلب. هذا الفارق في العائد بين المزاد والتداولات السابقة عليه كان الأسوأ مقارنة مع أي مزاد للسندات منذ أغسطس 2011.

قال مايكل كلوهرتي، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأمريكية لدى بنك "يو بي إس غروب": "يعد فارق العائد خلال المزاد بقيمة 5 نقاط أساس إشارة واضحة على غياب السيولة. كانت السوق على مدى الأسبوعين الماضيين في حالة اضطراب غير عادية، وتواجه صعوبة في التعامل مع المخاطر الكبيرة".

اتخذت الأجهزة التنظيمية بالولايات المتحدة بعض الإجراءات منذ أن أجبرت حالة الفوضى العنيفة في مارس 2020 بنك الاحتياطي الفيدرالي على التدخل المفاجئ، وشراء سندات بقيمة مليارات الدولارات يومياً حتى يضمن استمرار عمل السوق.

أصدرت "مجموعة عمل مراقبة سوق سندات الخزانة" المشكَّلة من عدة وكالات تحديثاً خلال الشهر الجاري يكشف أنَّها توشك على اقتراح إصلاحات جديدة. ويبين تقرير المجموعة عن عملها أنَّها مستمرة في الاهتمام بتوسيع عمليات التسوية المركزية، وتحسين مستوى الشفافية في شأن أنشطة المتعاملين، وتعزيز عمليات الإشراف على نظم تنفيذ التداولات، من بين إجراءات أخرى.

فاجأت الفترة الأخيرة من تقلب الأسواق بعض المستثمرين الذين توقُّعوا استقرارها بعد إعلان رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول خلال الشهر الحالي أنَّه لا يتعجل في زيادة أسعار الفائدة. وبدلاً من ذلك؛ فإنَّ مؤشر "آي سي إي بنك أوف أميركا موف" (ICE BofA MOVE Index) – وهو مؤشر يقيس مقدار التذبذب المستقبلي في عائد سندات الخزانة مثلما يبدو من أسعار الخيارات – يقترب حالياً من أعلى نقطة له منذ أبريل عام 2020.

طالع المزيد: كيف أقنع رئيس الفيدرالي مستثمري "وول ستريت" بموقفه من التضخم؟

فترة انتقالية

قال جيروم شنيدر، رئيس التمويل وإدراة المحافظ قصيرة الأجل لدى شركة "باسيفيك إنفستمنت مانجمنت" التي تدير أصولاً بقيمة 2.2 تريليون دولار: "نحن نمر بفترة انتقالية، ليس في السياسة النقدية فحسب؛ وإنما أيضاً من ناحية كثرة أسباب عدم اليقين التي تحيط بنا، بما فيها اتجاه السياسة المالية، والأوضاع الجيوسياسية. وقد أصبح الناس أكثر كسلاً وخمولاً عند التفكير في كيفية توزيع السيولة النقدية في مختلف أرجاء النظام المالي العالمي، لأنَّ السياسة النقدية اتخذت مساراً تيسيرياً مثيراً، وهو ما يتغير بصورة طفيفة".